• الإسم الكامل : مجبر بن علية
البلد : الجزائر
فئة المشاركة : الخاطرة النثرية
عنوان المشاركة : حنين عاصف
المشــــــــــــاركة
شيئا فشيئا رَحَلَ طيفها الغالي من قلبي واستوطن الذَّاكرة ــ وإن كُنْتُ غير مباركٍ ولا راضٍ بهذا التَّغييرــ ولكـن لـظروف الـدَّهر وصـروفه كلمـته التي يَجِـبُ أن تُحْتَرمَ وتُطَـاع ْ ، هـو حتـما لم يَمُـتْ ــ طيفها ــ وحَاشَا له أن يكون لكنَّه من المؤكد أنَّه قد تَحَوَّلَ من نشاط إلى خمول كبركان يَخْمُدُ ردحا من الزمن ثم يُعَاوِدُ الثَّورة من جديد فَيَكُونُ نشاطه أَعْنَفُ وأَخْطَرُ بالقدر الذي رَكَنَ فيه إلى السُّكون .
زراني بالأمس على غفلة طيفها الجميل إلَّا أن لسان حاله كان يَنْطِقُ بالعُتْبِ والعذول فَأَخْلَطَ ما رَتَّبْتُ من أوراق ورمى ما أَنْجَزْتُ من حساب إلى المجهول ، ولقد كان عنيفا جدا فَضَرَبَ واقعي عَرْضَ الحائط و قَذَفَ بأحلامي إلى آخر الطَّابور واحْتَلَ مكانها دون إذنٍ مني أو قُبُول ليعلنَ جبروته وسطوته على الحواس كلها ويتربع على عرش القلب من جديد .
الرذيلة أنواع وأَشَدُّ أنواعها وقعا على النفوس أن تَكُونَ أطرافها منك وسهامها موجهة إليك ، أوليس أكثرُ الجروح إيلاما هو ما يَصْدُرُ عن أقربِ النَّاس إليك .
لم يَعُدْ جسمي قادرا على تَحَمُّلِ ثِقَلَ الحاضر فما بالك إذا أضِيفَ له تَرَاكُمَ الماضي مقرونا بعذاب الضمير و الغريب في أَمْرِهذا الجسم الذي آلمني ما أُحِيطَ به من مكر وخداع و ما أُحِيكَ ضده من تَآِمُرٍ وتكالبٍ قد اِسْتَلَذَ الأمر واستهواه وتمنى الاستمرار فيه دون الانتباه إلى عواطفي التي تَوَقَدَتْ كالعواصف نُصْرَةً له وشفقةً عليه لأنِّي خَبِرْتَهُ وقد صار بين هذا وذاك كفريسة ضعيفة قد أحاطها اخطبوط عملاق بأذرعه القوية الطويلة و بَدَلَ أن تُخَلِصَ أعضاءها المحاطة رَاحَتْ تُحِيطُ أعضاءها الطَّليقة .
أما الآن وقد وصل الأمر ذروته حتَّى لأنَّه قد بَلَغَ محطة اللارجوع فهأنذا أُشَبِّهُ نفسي بالتَّائه الذي تَقَطَّعَتْ به الحيل والأسباب في يَمٍ متلاطم الأمواج فما عاد يَمْلِكُ زمام الأمور وما كان منه إلا أنه صاح صارخا مستنجدا يقول : بالله يا ريح الصَبَا ادفعي مركبي فشراعي متهالك و أحلامي على وَشَكِ أن تَتِيهَ بين الزرقتين و صرخة الغوث باَتَتْ تتأرجحُ بين الحلق والشفتين .
يعاودني الحنين إلى أيامي الخوالي كحنين أُمٍ حديثة العهد بالفطام إلى رضيعها الذي ما زالَ حتَّى الآن يَسْتَرِقُ النَّظر إلى صدرها الذي لم يَجِفَّ حليبه بعد ، فَأَسْمَعُ ــ أو يُخِيلُ إليَّ أنني أسمعُ ــ صوتا يَتَرَدَّدُ دون انقطاع داخل كياني المنهك يُذَكِّرَنِي و يؤنبني على أنني قد قَفَزْتُ على أَجْمَلِ مراحل عمري فتخطيتها بعلمي وإرادتي وأنِّي كَبُرْتُ سريعا طمعا في استلام المسؤولية باكرا عَكْسَ أترابي الذين استنزفوا حتَّى الثَّمالة كـأس الطفولة والصِبَا .
إن طفولتي الموؤدة من شبح أَغَرَّهَا بأحلام البلوغ و أوهمها زُورٍا و بهتانا بأنَّني حينما أَكْبُرُ سأصيرُ كالسندباد أُبْحِرُ من بلاد إلى بلاد فأحققُ في ظرف وجيز كل المرامي و الأماني فَاغْتَرَتْ بمعسول الكلام دون الإنتباه إلى سُوءِ النوايا المدسوسة فيه بإحكام فَوَافَقَتِ المسكينة على عَرْضِهِ المشؤوم و أَمْضَتْ المؤامرة دون تفكير أو تدبير .
وها قد مضى الذي مضى وانقضى كل شيء فإني الآن أَتَجَرَعُ مرغما لا مختارا كأس الخيبة والخذلان في صمتٍ ومرارة وما عساني أن أَفْعَلَ أو أقول وقد فَلُتَ من يداي زمام الامور سوى أن أستسلمَ لسيل الآهات المندفع دون إذني أو إرادتي إلى ضميري فينهشه باللَّوم والعتاب فلا أَجِدُ مفرا من عذابات الشعور إلَّا أنَّني أَعْتَرِفُ بأنَّني قد ظَلَمْتُ نفسي وجَنَيْتُ عليها ولسوفَ أبقى أَتَذَكَّرُ خطيئتي ما حَيَيِتْ.
تأليف : مجبر بن علية ــ الجزائر
البلد : الجزائر
فئة المشاركة : الخاطرة النثرية
عنوان المشاركة : حنين عاصف
المشــــــــــــاركة
شيئا فشيئا رَحَلَ طيفها الغالي من قلبي واستوطن الذَّاكرة ــ وإن كُنْتُ غير مباركٍ ولا راضٍ بهذا التَّغييرــ ولكـن لـظروف الـدَّهر وصـروفه كلمـته التي يَجِـبُ أن تُحْتَرمَ وتُطَـاع ْ ، هـو حتـما لم يَمُـتْ ــ طيفها ــ وحَاشَا له أن يكون لكنَّه من المؤكد أنَّه قد تَحَوَّلَ من نشاط إلى خمول كبركان يَخْمُدُ ردحا من الزمن ثم يُعَاوِدُ الثَّورة من جديد فَيَكُونُ نشاطه أَعْنَفُ وأَخْطَرُ بالقدر الذي رَكَنَ فيه إلى السُّكون .
زراني بالأمس على غفلة طيفها الجميل إلَّا أن لسان حاله كان يَنْطِقُ بالعُتْبِ والعذول فَأَخْلَطَ ما رَتَّبْتُ من أوراق ورمى ما أَنْجَزْتُ من حساب إلى المجهول ، ولقد كان عنيفا جدا فَضَرَبَ واقعي عَرْضَ الحائط و قَذَفَ بأحلامي إلى آخر الطَّابور واحْتَلَ مكانها دون إذنٍ مني أو قُبُول ليعلنَ جبروته وسطوته على الحواس كلها ويتربع على عرش القلب من جديد .
الرذيلة أنواع وأَشَدُّ أنواعها وقعا على النفوس أن تَكُونَ أطرافها منك وسهامها موجهة إليك ، أوليس أكثرُ الجروح إيلاما هو ما يَصْدُرُ عن أقربِ النَّاس إليك .
لم يَعُدْ جسمي قادرا على تَحَمُّلِ ثِقَلَ الحاضر فما بالك إذا أضِيفَ له تَرَاكُمَ الماضي مقرونا بعذاب الضمير و الغريب في أَمْرِهذا الجسم الذي آلمني ما أُحِيطَ به من مكر وخداع و ما أُحِيكَ ضده من تَآِمُرٍ وتكالبٍ قد اِسْتَلَذَ الأمر واستهواه وتمنى الاستمرار فيه دون الانتباه إلى عواطفي التي تَوَقَدَتْ كالعواصف نُصْرَةً له وشفقةً عليه لأنِّي خَبِرْتَهُ وقد صار بين هذا وذاك كفريسة ضعيفة قد أحاطها اخطبوط عملاق بأذرعه القوية الطويلة و بَدَلَ أن تُخَلِصَ أعضاءها المحاطة رَاحَتْ تُحِيطُ أعضاءها الطَّليقة .
أما الآن وقد وصل الأمر ذروته حتَّى لأنَّه قد بَلَغَ محطة اللارجوع فهأنذا أُشَبِّهُ نفسي بالتَّائه الذي تَقَطَّعَتْ به الحيل والأسباب في يَمٍ متلاطم الأمواج فما عاد يَمْلِكُ زمام الأمور وما كان منه إلا أنه صاح صارخا مستنجدا يقول : بالله يا ريح الصَبَا ادفعي مركبي فشراعي متهالك و أحلامي على وَشَكِ أن تَتِيهَ بين الزرقتين و صرخة الغوث باَتَتْ تتأرجحُ بين الحلق والشفتين .
يعاودني الحنين إلى أيامي الخوالي كحنين أُمٍ حديثة العهد بالفطام إلى رضيعها الذي ما زالَ حتَّى الآن يَسْتَرِقُ النَّظر إلى صدرها الذي لم يَجِفَّ حليبه بعد ، فَأَسْمَعُ ــ أو يُخِيلُ إليَّ أنني أسمعُ ــ صوتا يَتَرَدَّدُ دون انقطاع داخل كياني المنهك يُذَكِّرَنِي و يؤنبني على أنني قد قَفَزْتُ على أَجْمَلِ مراحل عمري فتخطيتها بعلمي وإرادتي وأنِّي كَبُرْتُ سريعا طمعا في استلام المسؤولية باكرا عَكْسَ أترابي الذين استنزفوا حتَّى الثَّمالة كـأس الطفولة والصِبَا .
إن طفولتي الموؤدة من شبح أَغَرَّهَا بأحلام البلوغ و أوهمها زُورٍا و بهتانا بأنَّني حينما أَكْبُرُ سأصيرُ كالسندباد أُبْحِرُ من بلاد إلى بلاد فأحققُ في ظرف وجيز كل المرامي و الأماني فَاغْتَرَتْ بمعسول الكلام دون الإنتباه إلى سُوءِ النوايا المدسوسة فيه بإحكام فَوَافَقَتِ المسكينة على عَرْضِهِ المشؤوم و أَمْضَتْ المؤامرة دون تفكير أو تدبير .
وها قد مضى الذي مضى وانقضى كل شيء فإني الآن أَتَجَرَعُ مرغما لا مختارا كأس الخيبة والخذلان في صمتٍ ومرارة وما عساني أن أَفْعَلَ أو أقول وقد فَلُتَ من يداي زمام الامور سوى أن أستسلمَ لسيل الآهات المندفع دون إذني أو إرادتي إلى ضميري فينهشه باللَّوم والعتاب فلا أَجِدُ مفرا من عذابات الشعور إلَّا أنَّني أَعْتَرِفُ بأنَّني قد ظَلَمْتُ نفسي وجَنَيْتُ عليها ولسوفَ أبقى أَتَذَكَّرُ خطيئتي ما حَيَيِتْ.
تأليف : مجبر بن علية ــ الجزائر