[right][b][center][b]
وابتسم الحظ..ساخرا
(مجموعة قصص)
بقلم
فيصل خشافة
================================================================
انقراض.
( قصة من الخيال العلمي )
كان الوقت ليلا ، والظلام يدثر كل شيئ برداءٍ أسودٍ سميك ، وكان المعمل المركزي لعلوم الحياة رابضا هناك ، فوق قمة ذلك التل الواقع في ضاحية المدينة. .
حيث يعم الهدوء والسكون المكان ، في تلك الحقبة الزمنية الموغلة في التقدم..
كان المعمل المركزي من الضخامة بمكان ، حيث كل شيئ يدار فيه بالآلة ، من كمبيوترات عملاقة ، وروبوتات ضخمة ، وشبكة اتصالات الكترونية على أحدث مستوى ، مرتبطة بالشبكة الأم التي تغطي الكوكب بأكمله..
وفي داخل المعمل ، وفي قاعة واسعة جدرانها من الكريستال الشفاف ، وممتلئة بأحدث أجهزة الكومبيوتر ، وبأقفاص زجاجية متفاوتة في الاحجام والأشكال ..
تحوي عينات مختلفة من الأحياء ، ومجهزة بكل ما يضمن لهذه الكائنات الحية ، البقاء والاستمرار في الحياة..
وعند ذلك الصندوق الزجاجي العملاق ، كان هناك شخص واقف خارجه يقوم بمراقبة وتفحص كائنين غريبين ، أحضرهما المستكشفون ، الذين يجوبون آفاق الكون الرحيب ، بحثا عن حياة عاقلة مفكرة ..
وكان من نتاج ذلك أن أُحضرا هذين المخلوقين ، الذين كانا آخر الأحياء بعد فناء الحضارة على كوكبيهما ..
كان أحدهما قد فارق الحياة نتيجة انتزاعه من عالمه ، وزرعه في عالم آخر ..
رغم ان المكان الذي وضع فيه ، هنا في المعمل المركزي كان قد أُعدّ بكل الوسائل التي تضمن له الحياة ، الا انه على ما يبدو لم يتحمل كل التجارب التي أُجريت عليه ، وحولته الى فأر تجارب معملية..
وقد كان تركيبه الفسيولوجي هشّا وأضعف من رفيقه الآخر ، الذي كان يتمتع بإرادة وصلابة أقوى .
وكان ذلك الشخص ، الذي يتفحصهما يرتدي معطفا شبيها بمعاطف الأطباء ، جالسا أمام حشد كبير من الشاشات .. وامامه اسطوانات ليزرية مدمجة ، التقط إحداها ودسها في تجويف خاص أسفل جهاز كمبيوتر كان امامه ، ثم ضغط زرا في إحدى الشاشات ، فأضاءت تلك الشاشة وتراصت فيها معلومات غزيرة عن ذينك الكائنين..
فأحدهما كان ذكرا..والآخر انثى ، وهي تلك التي فارقت الحياة ..
اما الذكر فهو على ما يبدو يصارع الموت كمدا وحزنا على المخلوق الآخر.. ولقد أُحضرا من كوكب ( ك٣_م ش١_ط ل ) كما هو موضح في ملفيهما ..
حيث نشبت حرباً ضروساً في ذلك الكوكب ، لا يُعرف سببها ، أدّت الى مقتل جميع سكانه ، نتيجة استخدام أشد أنواع الأسلحة فتكا بين المتصارعين ، واندثار الحضارة على سطحه ..
وتم إحضار هذين المخلوقين ، ووضعهما في قسم الكائنات المنقرضة ..
كل تلك المعلومات مرت أمام عيني ذلك العالم الذي لفت انتباهه سماع حشرجة وشهيق ، يأتيان من داخل ذلك الصندوق الزجاجي الموجود فيه الكائنين..
فالتفت بحركة حادة ليرى المخلوق الوحيد المتبقي على قيد الحياة ، ينتفض انتفاضته الأخيرة ، قبل ان تسكن حركته ، ويستقر جثة هامدة..
وفي هدوء ودون أي انفعال ، استدار ذلك العالم الى شاشة تتوسط مجموعة الشاشات أمامه ، وضغط زرا في طرفها لتبدو عليها صورة كهل وقور حيّاه قائلاً:
_ سيدي .. لقد فارق كائني كوكب(ك٣_م ش ١_ط ل) الحياة ..
وانتظر الاذن باتهاذ اللازم..
_ اتخذ الاجراءات اللازمة ، من حفظ وتحنيط ، ثم ضع ملفيهما في قسم الارشيف ليستفيد منهما الدارسين والباحثين.
انطلق ذلك العالم لتنفيذ أوامر رئيسه دون أن يخطر بباله قط ان هذين المخلوقين كانا من أعرق حضارة عرفها الكون ، حضارة دُمرت بسبب الاستعلاء والطمع والعنجهية ، ورفض الحب والقبول بالآخر والتعايش السلمي بين شعوبها، وان ذلك الكوكب(ك٣_م ش١_ط ل) او الكوكب الثالث في المنظومة الشمسية الاولى في الطريق اللبني ، كان سكانه يطلقون عليه اسم..كوكب ( الأرض)..
( انتهت )
السياني_ ١٨/ ٨/ 2004
=======================================================================
بأي حالٍ عدت يا عيد..؟
نشرت في صحيفة "الثقافية" اليمنية
كان واقفا على الجانب الآخر من الشارع ، عندما لمحه ، كان ولده الأصغر هناك مفترشاً الارض ، يرنو بنظراته الكسيرة الى أترابه ، وأقرانه الصغار ، وهم يلهون ويلعبون في يوم العيد ، بلباسهم الجديد الأنيق بكل ألوان الطيف..
والألعاب بأيديهم ، والحلوى بأفواههم ، والابتسامة العذبة البريئة تنطلق من أعماقهم ، لتعانق نسمات الصباح الجديد..
صباح العيد..
صباح جديد خُلق لتوّه..
وابنه جالساً وحيداً يعبث بعلبة صفيح صدئة ، ونظرة بؤس تتخلل وجهه ، بعد ان اغتال الفقر والحرمان ابتسامته البريئة .
كان الوالد ينظر الى ابنه والألم يمزق نياط قلبه ..
هو يعرف ان طفله عزيز النفس ، لم يطلب منه كسوة العيد أُسوةً بأقرانه ، ولم يشاركهم اللعب وهو بهذا المنظر الرث..ففضل الجلوس وحيداً..
كان الولد _وكأنه_ يدرك أن أباه لا يملك ما يكفي لسدّ رمقه وبقية عائلته المكونة من اثني عشر فرداً_ ناهيك عن كسوتهم_
انتبه الطفل الى ان والده يرمقه من بعيد..!
فالتقت نظراتهما..!
التقتا لتصنعا مأساة شارك في صنعها القدر والمجتمع ، والاوضاع المعيشية الصعبة .. وهو أي الاب..
نعم هو شريك رئيسي في مأساته ومأساة أبنائه .
كانت نظرة الابن كأنه يقول :
_ ليس ذنبي ان وُجدت في هذه الأسرة الكبيرة_ وكأنها سرية عسكرية_وليس ذنبي ان أُحرم المأكل السليم ، والملبس النظيف ، والتعليم ، والصحة ، وكافة حقوقي كطفل.
وكانت نظرة الأب وكأنها ترد عن نفسها هذا الاتهام الغير مباشر من صغيره:
_ وليس ذنبي أني وُجدت في هكذا مجتمع ، أصبحت فيه قيم كالتكافل الاجتماعي ، والمؤاخاة ، والمواساة ، والمحبة بين الناس ، لا تتواجد الا في بطون الكتب الدينية
والاجتماعية ، بعد ان أُعلن نعيها في مجتمعنا ومواراتها الثرى .
" حدث نفسه"..
نعم.. كان كلما عانى من هذا المجتمع ، ومن قسوته وشدته عليه ، فإنه يحتاج الى بعضٍ من حنان ، حرمه إياه المجتمع الذي تحول الى غابة ، فيلجأ اليها..
الى زوجته ، حبيبته ، التي لم تكن تعلم وتحسّ بمعاناته الا هي.
فيقضي معها في جنتها الصغيرة ، أعذب الأوقات وأحلاها فينسى همومه ومشاكله ومآسيه ، ولا يفيق منها الا على صوت مولودٍ جديدٍ يُضاف الى سريّة الاولاد الذين
يملأون البيت.
كان لديه فتاتان ، فلقتان من قمر..
كانتا الحياء والشرف وعزّة النفس مجسدة ، والى الان لم يتقدم أحد لخطبتهما أو طلب يديهما..
ليس لشيئ .. الا لفقرهما الذي صار وصمة عار في مجتمعنا..
وساقطات بعض الأسر المخملية يتقاطر عليهن الخطّاب والمعجبون بالعشرات ..
مشيئة الله _ اللهم لا اعتراض.." هكذا حدث نفسه"
ابنه الأكبر .. أجهد نفسه ، سهر الليالي ، عمل الليل والنهار ، ليوفر له مصاريف الدراسة الثانوية ، ثم الجامعية..
حرم بقية أفراد أسرته من الاساسيات والضروريات ، ليوفر له تعليما عاليا محترما ، ليكون مصدر فخره ، ولكي يعينه على تحمل أعباء الأسرة الكبيرة واحتياجاتها..
هو الان عاطل عن العمل..
يحمل شهادة "البكالوريوس " .. ويجلس على رصيف البطالة .. ٦
صرف البقية الباقية من مدّخراته لكي يجد له وظيفة محترمة..
لكن لا جدوى..
اتجه مع ابنه الأكبر ، صاحب الشهادة الجامعية ، ليعملا معا ، طوال اليوم ..
في الحقول ، وفي البناء ..
فيعودا منهكين ، وقد هدّهما التعب ، وأعياهما النصب ..
أهذا قدره وأسرته ..؟
أهذا نصيبه في الحياة..؟
( اللهم ارزقني الرضاء بعد القضاء ).. دعا في قرارة نفسه..
ميزته _ أو ربما عيبه _ أنه يستسلم لقدره دون ان يحاول حتى التغيير..
تسيّره الأقدار كقطعة خشب تتقاذفها الأمواج ، فلا يملك سوى أن يترك نفسه للتيار..
رفع عينيه من على وجه طفله..وارتقى بناظريه الى السماء..
وخشع صوته ، ورقّت لهجته وهو يقول:
_ ( الّهم كما خلقتنا فلا تضيعنا )..!!
" انتهت "
السياني_ ١٥/١٢/٢٠٠١
==============================================================
الحب الشائب.
منذ ان عاد من غربته ، وهو لا يفارق حارته..
كان يلازم داره..ولا يخرج الا ليتسوق ، او الى المسجد..
كان يعيش في عزلة فرضها على نفسه ، لا يكلم أحدا الا لماما..لا يندمج في مجتمعه.. وحيدا..غريبا في حارته..
لقد ربّى رجالا ونساءً _أولاده_ وهم الان يتجاهلونه .. يهمشونه..كأن لا وجود له..
وكان عزيزا..عنيدا..
لم يستجب لنصائح الآخرين وهم يخبرونه ان يذهب لأبنائه ..
كان _ وما زال _ يؤمن ان العكس هو ما يفترض ان يكون ، ان يأتي اليه أبناؤه..
انه الان في سن الشيخوخه ، هرم كثيرا وشاب ، وتقدم في السن..
لكنه لا زال قويا..سيحتمل ويحتمل..
ليست أول مرة يحتمل هذا الجفاء من ابنائه..
عندما كان في غربته ، كانوا منقطعين عنه.. لم يراسلوه ، او يسألوا عنه..
ولكنه مع كل ذلك كان يحنّ لوطنه ولابنائه..
لقد ذاق مرّ الغربة .. وعذاب الحنين..
كان عندما تضيق عليه السبل ، ويشتد به اليأس ، يلجأ الى جارته السيده
" سعدة " ..كانت عزاؤه الوحيد في هذا العالم الذي نشب فيه أنيابه ، وتنكر له الاهلون والأقربون..
لقد كانت "سعده" سيدة فاضله .. رحيمة..حنونة ..كانت تهتم لأمره..وتسأل عن صحته ، وكانت مثله تماما..مقطوعة لا يصلها أحدٌ من أرحامها..
وكان يساعدها ، ويعطف عليها ، ويبث كل منهما همّه وشجونه للآخر..
نشأت بينهما علاقة وشيجة من التفاهم والتآلف ..
صارت هذه العلاقه وُدّاً جارفاً يحمله كلٌ منهما نحو الآخر ..ذابا في نعيم من السعادة ، لم يألفه قلباهما من قبل..هذه هي الحياة إذاً ..
ما أروعها عندما تكون بهذا الشكل..عندما تكون مع من تحب ، لا ينغص صفو حياتكما شيئ ، ولا تشوب علاقتكما شائبة..
فتحلقان في عالم من الاحلام الوردية..وتعيشان تجربة ناضجة ..انضجتها تجارب الحياة .. وخبرات السنين..
وكان لا بد وأن تتوج علاقتهما برباط شرعي مقدس ..تحرسه عناية الله ، وتكلأه برعايته..
زاد حبهما تألقا ووهجا بعد الزواج ، وعاشا في نعيم مقيم ..
لم تجد المشاكل طريقها اليهما ، ولم تستطع عيون الحساد الولوج الى عشهما..
كانا يعيشان وكأنهما يعوضان ما فاتهما..ولقد فات من عمرهما الكثير..
ولكن هذا الحب " الوليد الشائب" _في نفس الوقت_ طغى على كل ما سواه.
وكان لا بد لكل هذا من ان ينتهي .. فلكل شيئٍ نهاية ، مثلما له بداية..
هكذا هي مشيئة الله.. وهكذا هي السنن الإلهية ..
زحف عليهما الشيب ، وداهمتهما أمراض الشيخوخة ، واعترضت خطاهما النهاية..
إعتلّ جسديهما..لكن قلبيهما لا زالا ينبضان بالحب ، رغم ضعف النبض وشيخوخته..
بعد أدائهما لصلاة العشاء ، توجهت هي الى فراشها..
كان جسدها الضئيل يرتجف ويرتعد ، كعصفور صغير أصابه البلل..أطرافها باردة..كأن لا أثر للحياة فيها..
قلبها ينبض بوهن وضعف شديدين ..جسدها يزداد ثقلا..
كانت تشعر ان الحياة تُنتزع من أطرافها رويدا..رويدا..
نادته باسمه..
أتى مهرولا..جلس عند رأسها..احتضن كفها المعروق بين يديه النحيلتان العاجزتان..
_ ماذا بك يا أعزّ مخلوق لديّ..!؟
همس بهذه العبارة في أذنها..وهو يضغط بيديه على كفها برفق وحنان..
وقعت العبارة على مسامعها كرنين أجراس ملائكية ، وتغريدات عصافير وبلابل..
ردت بأنفاس متلاحقة :
_ إنني أموت..ولكني أموت وانا مستمتعة بطعم الموت لأنك بجواري..
_ لا تخافي ..سأظل بجوارك حتى آخر نفس يجود به صدري..
_ أوه ..يا إلهي.. اننا نتصرف كمراهقين ..نحن شيبان ، وحبنا يشيب معنا ، وسيموت معنا..آه.. إنني أموت..!!
انتفض جسدها انتفاضته الأخيرة ، وشهقت شهقة الموت ، ثم أسلمت الروح..وفوق شفتيها ترتسم بسمة مضيئة ، ووجهها يشعّ ضياءً ونور..
إغرورقت عيناه بالدمع..وسقطت دمعة منه على وجنتها..مسحها بأطراف أنامله..
ثم أغمض عينيها وهو يتمتم :
_ كلا..فحبنا يشيب..لكنه لا يموت..!!
" انتهت "
السياني_ ٢٩_ اكتوبر_ ٢٠٠٠
=============================================================
تأخر..
استيقظت من نومي مفزوعاً ، إثر صرخةٍ انطلقت كقذيفة من فم أمي ، وهي تحثني على اللحاق بالامتحان..
طار كل أثر للنوم كان يمكن ان يبقى ، بعد تلك الصيحة التي مزقت عصبي السمعي..
ألقيت نظرة على ساعة يدي فطار لُبّي..
_ يإلهي .. إنها الثامنة ، والامتحان يبدأ عند التاسعة..
أمامي ساعة واحدة فقط..عليّ أن أُسرع..
انتهيت من غسل وجهي وتصفيف البقية الباقية من شعيرات رأسي..
وارتديت ملابسي على عجل..
كم أكره العجلة ..وخاصة عندما تضطرك الى إعادة لبس الفانلة ..لأنك لبستها
بالمقلوب..
إضطررت الى قطع المسافة وهي عبارة عن طريق فرعي من بلدتي ( السياني) الى (الجسر) حيث الطريق الرئيسي المؤدي الى مدينة (إب) مشياً على الاقدام ، لعدم توفر السيارات في مثل هذا الوقت من (رمضان)..
وقفت فوق ( جسر السياني) أنتظر سيارةً تقلّني الى مدينة ( إب ) حيث سأؤدي امتحاني اليوم في جامعتها..
فأخوكم في الله طالب جامعي ( يمني) ..!
وما أدراك ما طالب جامعي يمني ..
فالطالب الجامعي اليمني ينحت من جبال الواقع المرّ بيوتا للعلم..
يكفي أن تعلموا أنني طالب ريفيّ ، أَسافر كل يوم ، غُدوّاً ورواحاً ، من الريف الى المدينة والعودة..
وأن المسافة من (جسر السياني) الى مدينة (إب) تقطعها السيارة( الهايلوكس) المكدسة بالطلاب الريفيين في خمس واربعين دقيقة في المتوسط..
ألقيت نظرة أخرى على الساعة .. انها الثامنة وعشرون دقيقة..
يوجد عجز مقداره خمس دقائق في الوقت ..
أخيرا توقفت سيارة ( هايلوكس).. كالمعتاد الصندوق الخلفي لها يمتلئ بأجساد الطلاب الذين سلقهم البرد ، فبدوا كأشباح ، شاحبين قد غاصت الدماء من وجوههم ، كأن لا أثر لها..
رجوت السائق أن يسرع ، قبل ان أركب ، فالوقت ليس ملكنا..
ولكنه القدر الذي جعلني أركب هذه السيارة بالذات ..
فالسيارة تسير ببطء وكأنها سلحفاة ، أو كشاةٍ عرجاء ..
السائق يثير فيك الغضب .. تود لو تركله في مؤخرته..
فعلى الرغم من أن السيارة تئن وتنوء بحملها ، الا أنه يحرص على إضافة المزيد من الركاب ..فتكدسنا في صندوق السيارة وكأننا أسماك في علبة سردين..
الزمن يتآكل..يتفتت القلق ذرات في دمي..يزيد نبضي..يرتفع منسوب الادرينالين في أوردتي..
بودي لو أصفع السائق على مؤخرة عنقه..
أرفع صوتي حاثاً إياه على المضي بسرعة أكبر..يلتفت نحوي ببلاهة..مما يضاعف حنقي وحقدي عليه..
_ يا إلهي..لم أحقد على مخلوق كهذا..!
السيارات تمر بجوارنا تاركة سيارتنا العرجاء وراءها ، كهدفٍ ثابتٍ تمرق بجواره الرصاصات دون ان تصيبه واحدة..
أتوسل الى السائق ..أستجديه ان يزيد من سرعة دابته ..وكأني أنفخ في قربة مقطوعة..او أطلق صيحة في واد..
تتنافس ذرات الادرينالين في جدران أوردتي محاولة تمزيقها..تحمرّ عيناي..تضيق أنفاسي..أنظر الى ساعة معصمي كل دقيقة..
الدقائق تمر كثواني..والسيارة تسير خارج حدود الزمن..
تلعب بي الهواجس..أتخيل الدكتور وقد انتهى من توزيع أوراق الأسئلة ، ومنع دخول أيٍ كان..فأموت كمدا..
أخيرا..تنتهي هذه الرحلة..
رحلة الشتاء والصيف..
لقد مضى من وقت الامتحان نصف ساعة..
أعدو كمجنون تلاحقه شياطين الانس ، على أملٍ يحدوني بأنهم سيسمحوا لي
بالدخول الى قاعة الامتحان.
أصل وأنفاسي تتقطع الى قاعة الامتحان..
انظر الى الدكتور المشرف على القاعة نظرات غريق..
فيقول بكل برود :
_ عُد..فلا مقام لك اليوم بيننا..!!!
أخرّ على وجهي مغشيا عليّ..!!!
" انتهت "
السياني.. ٣_رمضان_١٤٢١
الموافق ٢٩_١١ _٢٠٠٠
===============================================================
في قريتنا مسؤول.
شاع في قريتنا النائية خبرا مفاده ، أن مسؤولاً كبيراً _ قد أُحيل على التقاعد_ سوف يأتي الى قريتنا ، ليمكث فيها بصفةٍ دائمة..
وتأهب الكل لاستقباله..
وأصبحت سيرته حديث المقايل والتجمعات والأسمار..
كانت قرية تعيش في عزلة ، كأنها نبتة غريبة نمت وترعرعت وسط أشجار متجانسة ، فأصبحت شاذة غريبة ، لا تؤثر ولا تتأثر بالجو المحيط بها..
وكان خبرا مثل هذا كفيلاً بأن يحرك الركود الجاثم على صدر قريتنا ، وخاصة مع شخصية بحجم وثقل مسؤولنا المزعوم هذا..
وما هي الا أيام حتى وصل المسؤول ومرافقيه وأهل بيته ، ليستقر في قريتنا..
قريتنا المحرومة من كل ميزات الحضارة ، على الرغم من أننا في عصر الحضارة..
كان المسؤول يخترق زجاج السيارة بناظريه ، متفحصاً كل شيئ يمر أمامه ..
هاله مرأى البؤس والحرمان ، اللذان تعاني منهما القرية ، التي قرر ان يجعلها محطته
الأخيرة ليستقر بها ، بعد ان داهمه الشيب والكبر ، بعد عهود طويلة تحمل فيها المسؤولية ، كمسؤول كبير في الحكومة..
فالطريق التي مرّ خلالها الى هذه القرية ، كانت عبارة عن اجتهاد اجتهده ابناء القرية ، بأمر من شيخ البلاد لتسير عليها سيارته هو والمتنفذين في القرية..
هذه الطريق كثرت فيها المطبات والحفر ، واخترقتها السيول المتدفقة من أعالي الجبال..
لم تكن توجد في القرية سوى بضع سيارات لا تزيد على عدد اصابع اليد، وكان المواطنون البسطاء يسافرون ، ويحملون أمتعتهم على ظهور الحمير..
الكهرباء لم تصل القريةبعد..لا توجد سوى مولدات كهربائيه قليلة جدا يمتلكها الشيخ وأعوانه..اما البسطاء فكان نورهم ( السراج) المشتعل بواسطة الكيروسين ..
ولا أثر لأي مرفق صحي في القرية ، فمعدل الوفيات عندنا في ارتفاع مستمر ، خصوصا بين الاطفال ..
المدارس منعدمة ، ما خلا مدرسة يتيمة ، من ثلاثة فصول ، مبنية من ألواح الصفيح المهترئ بفعل عوامل التعرية ، وعامل الزمن المنقضي منذ ان تم تشييدها على نفقة أحد المحسنين..
باختصار كانت الحياة تسير في القرية ببركة دعاء الوالدين وصلاة الفجر كما يقال..!
كان الشيخ وأعوانه يُدرسون ابناءهم في المدن ، ويدخلونهم أرقى المستشفيات المجهزة بأحدث الأجهزة الطبية ..
في حين ان بقية المواطنون يعانون الأمرين ، ويقاسون الويلات في المنفى الاختياري _ قريتهم_ التي قبلوها وطنا لهم..
والحكومة لا تهتم لأمرهم ، وكأنهم رعايا أجانب ، او لاجئين من ضحايا الحروب المستعرة في القرن الافريقي..
أوقف المسؤول سيارته امام منزله الذي أُعدّ له..وترجل ماشياً وهو يحدث نفسه:
_ رباه ..أيعقل ان هذه البقعة من الارض لم تمسها الحضارة بعد..!؟ .. أيعقل ان كل هذا يحدث ونحن في القرن الواحد والعشرين..!! ؟..
كلا..لست أصدق هذا..!!
بعد ان استقر به المقام في داره واستراح من وعثاء السفر ، دخل عليه الشيخ واعوانه..مرحبين به فب تزلف واضح ، تبدو عليه أمارات النفاق جلية..فابتسم بطرف شفتيه ردا على ترحيبهم..
ثم قال للشيخ ان يجمع أعيان القريه وعقلائهم مساء هذا اليوم في منزله ليجتمع بهم ، ويستكنه أوضاع القرية ومتطلباتها عن كثب..
* * *
في المساء بعد ان حضر الجميع ورحبوا بالمسؤول بادرهم قائلا:
_ اشكركم على حين الاستقبال .. واتمنى ان أكون عند حسن ظنكم بي ، وارجو ان نتعاون جميعا على رفع المستوى الحضاري لقريتنا الجميله هذه ، والتي لم أرَ جميلا فيها ، سوى أُناسها الكرماء الطيبون ،وهواءها العليل النقي..
اما ما عدا ذلك فلست أرى سوى أطلال وأوضاع تذكرني بعصور الأئمة في بدايات القرن الماضي..
فلا أثر للحضارة هنا..ولست أعلم السبب لكل هذا..
تكلم إمام الجامع بصوت جهوري قويّ:
_ السبب تعلمونه جيدا ، انتم أيها المسؤولون .. فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته..
اما نحن فمواطنون بسطاء ، نبحث عن لقمة عيشنا طوال اعمارنا ، لكي نقي أنفسنا ذلّ السؤال..
قاطعه شيخ القرية:
_ كلا.. فنحن ننعم بالأمن والأمان ، والرزق الوفير.. وكل شيئٍ متوفر لنا..اما هذه الكماليات فهي كفر من عمل الشيطان..نحن مستغنون عنها ..أليس كذلك..؟
وجه حديثه لأعوانه..فردت عليه طغمته المتنفذة بصوت جماعي:
_ بلى..
صاح امام الجامع بصوته القويّ:
_ كذبتم يا منافقون .. فوالله ما أمنت يا شيخ القرية الا بهؤلاء الزبانية المحيطين بك إحاطة السوار بالمعصم..وما شبعت الا من عرق وجهد الفلاحين الابرياء الذين تستغلهم انت وأعوانك ، وتفرضوا عليهم الإتاوات والجبايات والضرائب ، وتقنعهم انها للدولة ، وانت توردها لخزائنك..
تكلم المسؤول بعد ان استمع لفترة للحوار الذي دار بين شيخ العلم وشيخ النصب..وقال مخاطبا شيخ العلم:
_ ألم تنجب قريتكم حتى مسؤولا واحدا ، يهتم لأمرها ، ويطلع المسؤولين في الدولة على أحوالكم ومتطلباتكم واحتياجاتكم..!!؟
أجاب امام المسجد بانكسار ، وغصة تتكون في حلقه:
_ بلادنا لا يسمح لها بإنجاب المسؤولين..!
نظر اليه المسؤول باستغراب وتأثر .. وعلم ما يرمي اليه فسكت ..ثم صرف الجميع بعد ان تعهد بإصلاح الاوضاع ، والاتصال بالمسؤولين في الدولة لكي يتم تدارك الوضع ..وضع هذه القرية البائسة..
بعد فترةليست بالقصيرة .. أتى الى قريتنا وفدٌ رسميّ من المهندسين المعماريين والمصممين والمخططين.. وهو اول وفد رسمي يزور قريتنا منذ ان وُجدت على ظهر البسيطة..والحجّة على المعمّرين في هذا القول..
اتجه الوفد الى بيت المسؤول ، وتم عقد اجتماع موسع ضمهم مع أعيان القرية ..ثم خرج المجتمعون بالقرارات التالية:
"إنه نظرا للوضع المأساوي الذي تعانيه القرية..وتكفيرا عن أخطاء الحكومة التي اقترفتها بحق هذه القرية الصامدة الصابرة على البأساء والضراء ..
فقد تقرر بناء قرية نموذجية متكاملة بالقرب من القريه هذه مبنية على أحدث أسلوب تخطيطي علمي ، عرفته البشرية في القرن الواحد والعشرين .."
ومن ثمّ اتجه الوفد الى الموقع الجغرافي المعدّ لهذا الغرض لمعاينته..
وبالفعل ..وفي اليوم التالي ..بدأ المهندسون بدراسة المشروع ووضع التصاميم اللازمة لتأسيس ( القرية الجديدة) ..والتي ستكون درّة المنطقة بأسرها ، على حد تعبير مسؤول قريتنا المفدّى..
* * *
بعد أكثر من عامين من العمل الدؤوب والمستمر _ليل نهار_ وبالاستعانة بالآلة الضخمة والتقنيات الجديدة التي كانت نتاج الحضارة في القرن الواحد والعشرين..تمّ إنجاز المشروع الحضاري العملاق..( القرية الجديدة) ، والتي كانت بالفعل درة المنطقة..بتخطيطها العمراني الانيق وبنيتها التحتية المتكاملة على أحدث الطرق
والاساليب العلمية..
وتقرر افتتاحها بشكل رسمي بحضور شخصيات كبيرة ومهمة في الدولة ..وتغطية
اعلامية ضخمة ، تصاحب حفل الافتتاح..
وبدأ التمهيد لكل ذلك وأصبح الكل متحفزاً وميتعداً لهذا الحدث الجلل ..
تحدثت الصحف وأسهبت في وصف تلك المعجزة العمرانية ، وكذلك القنوات الفضائية ووسائل الاعلام المختلفة ، والاستطلاعات المصورة والمتلفزة..
الكل يتحدث .. وابناء قريتنا يزهون بأنفسهم ، ويظهرون على السطح ، بعد ان كانوا مطمورين في وحل التجاهل والنسيان ، أصبحت القرية الشغل الشاغل للجميع ، والكل يترقب حفل افتتاحها بشوق ولهفة..
في الليلة التي سبقت حفل الافتتاح ، والجميع متحلقون حول شاشات التلفزة العملاقة ، الثلاثية الابعاد ..يتابعون نشرات الاخبار ..وبالذات الاخبار والاستطلاعات التي تتحدث عن ( القرية الجديدة) ..عندما انقطعت البرامج فجأة..!! ..ليظهر على شاشات التلفزة مذيعوا الاخبار في كل المحطات تقريبا ، وفي الركن الاسفل من الشاشات ظهرت عبارة "خبر عاجل" .. وكان المذيعون يقولون:
_" المشاهدون الكرام..نأسف لإزعاجكم ..فقد وصلنا ما يلي:
لعلكم تذكرون الضجة الكبيرة التي حدثت قبل ربع قرن في نهاية التسعينيات من القرن العشرين تحديدا ، عندما تناقلت وكالات الانباء خبر النيزك الذي يتجه مباشرة نحو الارض ، والاحتمال الضئيل بأن تصيب أجزاء منه الارض..
فقد ظهر ذلك النيزك بالقرب من غلافنا الجوي .. وهو يتجه نحو الارض..فتصدت له مقاوماتنا الدفاعية المثبته على الاقمار الصناعية العسكرية ، وتمكنت من نسفه ، وتفتيته الى أجزاء متناثرة..ولكن قطعة كبيرة منه أفلتت وسقطت على ظهر كوكبنا
الارضي ، مما أدّى الى محو تلك المنطقة التي سقط فيها النيزك من الخارطة..وقد كان من حسن الحظ أنها منطقة خالية من السكان..
* * *
في اليوم التالي كانت كاميرات التلفاز تنقل للعالم حجم تلك الكارثة ، التي حلّت
بالقرية الجديدة..وكان أهالي قريتنا والمسؤولون في الدولة يذرفون دموع القهر والمرارة .. لإندثار هذا الصرح الحضاري ، والمعجزة المعمارية ، وتحولها الى هشيما تذروه الرياح ..
وكأنها لم تكن..
وحده إمام الجامع وقف هادئاً ، ينظر الى الدمار الهائل الذي لحق بالقرية الجديدة ، ونظرات الأسى تكلل وجوه الأشهاد..
فقد علم منذ البداية ان الأهم هو بناء الإنسان ، ولن تقوم حضارة مادية ، مالم تضفى عليها روحانية تكللها وتحرسها من الاندثار..
أصبحت( القرية الجديدة) قاعاً صفصفاً ..
لا ترى فيها سوى بقايا محراب للمسجد الذي شُيّد فيها ، وكان عليه مصحفاً مفتوحا احترقت بعض أجزائه..
وفي صدر صفحته المفتوحة ، كانت الآية الكريمة تتوهج بحروف من نور:
" حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ، وازّينت ، وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها ..
أتاها أمرنا ، ليلاً أو نهاراً ، فجعلناها حصيداً..
كأن لم تغن بالأمس.."
" انتهت "
السياني_ ٥/ يناير/ ٢٠٠١
==============================================================
موظف في الجامعة
منذ أن التقت به لأول مرة ، أخبرها أنه موظف في الجامعة..
واكتفت بذلك..
لم تتعمق أكثر في تفاصيل حياته ، لم تسأله عن موقعه الوظيفي ، او درجته الوظيفية..
اكتفت بأنه موظف جامعي وحسب..
إطمأنت الى كونه موظف ، واستراحت ..
فقد زالت أولى العقبات في حياتها وحياة كل فتاة ترغب في الزواج من رجل موظف ، قادر على ان يوفر لها سبل العيش الرغيد ، والحياة في كنف السعادة والترف..
الان لا يهمها شيئ آخر ، تريدأن تغرق في بحر الحب حتى أُذنيها ..
تريد أن تعوض سنوات الحرمان ، والقحط العاطفي ..
تريد ان تعوض ليالي الشتاء الزمهريري البارد ، وهي تحتضن وسادتها ولا أنيس أو سمير لها سواها..
ليالي السهاد التي أرّقتها وعذبتها وهي ترى وتسمع الفتيات اللاتي يُخطبن من حولها ، وتتناقص أعدادهن الواحدة تلو الأخرى ، وهي واقفة وحيدة ، كشجرةٍ في فلاة ..
الان فقط وجدته.. فتى أحلامها..
لقد غرقت _ من أول نظرة _ في مروج عينيه الخضراء ، ووقعت أسيرة ابتسامته العذبة ، التي تفتت أقسى القلوب وأقواها..
كان طويلا ، أشقرا.. أخضر العينين ..رياضي الجسم..
يمتلك ساعدين قويين ، تمنت _لحظتها_ لو يعتصرها بين ساعديه ويضمها الى صدره القوي ، لتغوص بأكملها داخل جسده ، وتمتزج معه ، وتذوب فيه..
عندما تقدم لخطبتها من والدتها ، التي كانت كل أسرتها ، أقنعت والدتها بقبول خطبته لها..
وأكدت لأمها انه موظف في الجامعة..وأن حالها سيستتر معه..
وأحوالها ستتحسن كذلك..
فما كان من والدتها الا ان باركت حبهما ، وهي تعلن ثقتها فيها ، وفي اختيارها..
كانت تفتخر فيه كثيرا..وتباهي به صديقاتها وقريباتها..
تحولت الى وكالة أنباء ناطقة باسمه..
كانت تتحدث كثيرا عنه ، وعن وظيفته الجامعية..
وكانت ترد على من يسألها ما نوع وظيفته تلك؟
انه موظف في الجامعة وكفى..!!!
وذات مرة انقطع لفترة عن لقائها..واحتاجت إليه بشدة..
فما كان منها الا ان قررت ان تتجه للجامعة للقائه _لأول مرة_ في مقر عمله..
وفي مبنى الادارة العامة للجامعة كادت ان تسقط إعياءً ، وهي تتنقل بين طوابق وأقسام ومكاتب الجامعة ، بحثاً عن مكتبه _ كما تصورت_ لكنها لم تهتدي اليه سبيلا..
كانت تسأل كل من تصادفه عن "عادل حسان " ..؟
لكن الجميع _ بلا استثناء_ لم يكونوا يعرفوا شخصاً بهذا الاسم..
كادت ان تجنّ ..
_ غير معقول ان رجلا بوسامته وجاذبيته وشخصيته وقوته غير معروف هنا..!!
ماذا كان يقصد بقوله موظف في الجامعة..!! ؟
وأي جامعة كان يقصد..!!؟ لعلها جامعة أخرى أهلية..!! تحدث نفسها..
حاولت ان تبرر وتختلق أسبابا لعدم معرفة أحد به ، لكي تريح نفسها اولا ..ولا تحطم الصورة التي بنتها له في مخيلتها ثانياً ..
دارت على جميع الكليات..
وأخيرا وصلت إلى كلية الزراعة ، وهناك سألت عنه في إدارة الكلية فأجابوها بنفس
الاجابة انهم لا يعرفوا موظفا بهذا الاسم..بدأت تصاب بالاحباط واليأس، وتتناوشها
الافكار السوداء..
أتراه كان يكذب عليها..!!؟
أم يخدعها..
ويتلاعب بمشاعرها..
قررت ان تسأل عنه إحدى العاملات في النظافة..
فردت العاملة:
_ لست أعرف أحدا بهذا الإسم سوى " عادل حسان" ..
الذي يعمل علّافاً في حضيرة الابقار التابعة لكلية الزراعة..
إرتجّ عليها.. واتسعت عيناها ذهولاً ..ونبضها يتسارع..
وهي تحّدق فيها قائلة:
_ علاف..!!؟
_ نعم ..علاف يقوم بإحضار الأعلاف للأبقار والجواميس في الحظيرة..
وهنا..هنا فقط تهاوت ، ولم تستطع ان تحملها قدماها ، بعد أن عرفت أيّ موظف في الجامعة كان..!!!
" انتهت "
السياني_ ١٨/١١/٢٠٠١
====================================================================
هجوم تاتاريوس.
(قصة من الخيال العلمي)
الدمار يعم كل شيئ ، والخراب منتشر في كل مكان من كوكب الارض ، ثلاث قارات تعرضت للهجوم في موجته الأولى ، إثر انفجار ثلاث قنابل كأنها شموس صغيرة ، حولت ليل كل من آسيا واوروبا وأمريكا الى نهار ، لمدة نصف دقيقة كاملة ، انهارت عقبه نفوس أعداد هائلة من البشر في القارات الثلاث المكتظة بالسكان..
قبل ان يتحول ذلك الانهيار النفسي الى ذهول شديد أعقبه حالات من البله أصابت الناس ، فانطلقوا يهيمون في الشوارع والطرقات والوديان والسهول على غير هدى..
وهناك ، وفي قاعة العرش ، داخل تلك السفينة الفضائية العملاقة التي تدور حول كوكب الارض ، بعد ان دمرت كافة الأقمار الصناعية الدفاعية والراصدة ..
اندفع قائد جيوش الاحتلال ووقف أمام العرش مباعدا بين ساقيه الطويلتان ، وضاربا صدره بقبضته المضمومة التي تحوي ثلاث أصابع ، يربط بينها غشاء كأنها مخلب صقر ، مطأطئاً رأسه الكبيره ذات العينين المشقوقتين طوليا ، وأذناه الشبيهتين بأذني وطواط..
بعد أن أدى طقوس التحية الامبراطورية ، رفع رأسه متطلعاً الى الامبراطور الجالس على العرش قائلاً بصوته الشبيه بصوت طلقات مدفع آلي سريع الطلقات:
_ المجد والعظمة لمولاي الامبراطور (جانشيز)..
جاوبه الامبراطور بصوته السريع الطلقات الا انه أعمق ، وكأنه قادم من غيابات جُبٍّ عميق (ربما يكون علامة الوقار عند هؤلاء القوم):
_ تقريرك بسرعة ، وبدون مقدمات أيها القائد ( جيوليكو)..
أسرع قائد الجيوش يسرد تقريره قائلاً :
_ لقد نجح الهجوم في موجته الاولى ..
وجنودنا يستعدون للهبوط على سطح الكوكب المائي ، بعد أن استسلمت الارض إثر إسقاط قنابلنا الرهيبة ( ميموريا_ يك) و ( ميموريا_دو) على بقية القارات الست .. ٢٤
فأنت تعلم القوة التدميرية لقنابل الجيل الجديد من ( ميموريا) ..
ان الطاقة التدميرية للقنبلة الواحدة تبلغ ألفي جيجا بوزيترون ، وهي كافية لمحو كل خلايا التفكير في رأس كل أرضي ..
فالقنبلة بمجرد انفجارها ترسل موجات هائلة من الاشعاعات التي تدمر خلايا المخ وتقضي على الذاكرة ، وتجعل البشر كلهم خاضعون مستسلمون لنا ، دون ان يفكروا أدنى تفكير في المقاومة..
ليتحول البشر بعدها الى قطعان بشرية من البلهاء ، يستخدموا كعبيد وسخرة في خدمة إمبراطورية ( تاتاريوس) العظمى.
أطلق الأمبراطور ضحكة شيطانٍ مريد ، تنمّ عن ساديته وسعادته ، بما حصل ..
ثم قال لقائد جيوشه :
_ أحسنت صنعاً أيها القائد ( جيوليكو) ..
ألم يبدي الأرضيون أي مقاومة تذكر..!؟
رد عليه قائد جيوشه قائلاً :
_ لقد فوجئوا بالهجوم يا مولاي الامبراطور..
فالخطة التي وضعها جلالتكم ، كانت محكمة ودقيقة الى أبعد الحدود..
فلقد مكثنا عامين بتقويمهم الارضي نرقبهم من خارج مجموعتهم الشمسية عبر تليسكوباتنا الاشعاعية العملاقة ، ودرسنا وسائل مقاومتهم وأسلحتهم ، ودولهم العظمى ، خصوصا الدولة التي كانت مسيطرة على كوكب الارض والتي يطلقون عليها اسم ( أمريكا) ..
وهي الدولة التي أطلقت مركبتا الفضاء ( فويجر_١) و( فويجر_٢) اللتان دلتانا على موقع كوكب الأرض ، بعد أن عثر عليهما حراس الفضاء ، التابعين لامبراطوريتنا العظمى ، وهما يشقان أجواز الفضاء قبل بضعة أعوام ، فما كان منا الا ان أخضعنا المركبتين للفحص الدقيق والشامل ، والدراسات المكثفة ..
واستخلصنا معلومات مهمة وكافية عن هذا الكوكب المائي ، وعن عاداته وشعوبه بعد أن وجدنا كل ذلك مخزن في أجهزة كمبيوترات داخل تلكما المركبتان..
اللتان درسنا خط سيرهما العكسي ، واستطعنا التوصل الى معرفة مكان هذا الكوكب ، بالاضافة الى ان صراعات الارضيين فيما بينهم كان لها الدور الاكبر في نجاح الهجوم دون مقاومة..
خصوصا ان الدولة التي كانت محكمة سيطرتها على شعوب الارض كانت واثقة جدا من قدراتها ، بعد ان أخضعت بعض الدول الصغيرة بدعوى خروجها على الشرعية الدولية كما تزعم..
مما أسكت العالم كله خوفا منها_ عدا بعض الدول والمنظمات والجماعات الثورية ، التي لم يعجبها تفرد( امريكا) بحكم العالم الأرضي والسيطرة على موارده الاقتصادية والتجارية_ فلم تكلم نفسها مشقة تسليح الفضاء ، سوى مشروعاً كان قد بدأه رئيسها الأسبق المسمى (ريجان) ويدعى هذا المشروع ( مشروع حرب النجوم) ..
الا ان هذا المشروع لم يصمد دقائق أمام جحافل جند إمبراطوريتنا الأشداء..
رمقه الامبراطور بنظرة نارية من عينيه الملتهبتين كشعلتين قائلاً:
_ يبدو انك قد تعمقت كثيرا في دراسة تاريخ هذا الكوكب ، لدرجة أدهشتني انا شخصيا..!!!
جاوبه قائد جيوشه بثقة مشوبة بالغرور:
_ لم أكن لأستحق منصبي هذا أبدا ، لو لم أفعل مولاي الامبراطور..
وكل هذا بفضل عطفكم ومنحكم الثقة لي..
أطلق الامبراطور ضحكة وحشية وهو يقول:
_ رائع..رائعٌ جداً يا قائد الجيوش..هكذا أريد قادة جيش امبراطوريتي دائما..
لتظل امبراطورية ( تاتاريوس) سيدة الكون دائما وأبدا.
وعاد يطلق ضحكته الشيطانية القادمة من قعر بئرٍ في الجحيم ، وهو يقول لقائد جيشه :
_ والان أيها القائد ( جيوليكو) عد الى مركز القيادة ، وأصدر أوامرنا الى جيوشنا بسحق وتدمير حضارة هذا الكوكب ..
الكوكب الذي لم يستطع سكانه حمايته ، فلا يستحقون سوى ان يظلّوا عبيداً أرقاء ، في خدمة امبراطوريتنا العظمى..
وهذا_ أيضا_ شرفٌ لا يستحقوه..ولكننا نحتاج اليهم لا ريب ..
فمخلوقات مثل هؤلاء لا يستحقون ان يعيشوا على سطح كوكب لم يحافظوا عليه ، بل يجب أن يدفنوا تحت طبقات ثراه..
أحرقوا المكتبات..دمروا الجامعات والمدارس ..
إقضوا على كل ما يمكن أن يعيد لهم حضارتهم ، لكي يظلّوا دائماً خدماً لامبراطورية ( تاتاريوس العظمى).
وراح يطلق ضحكاته الابليسية .. ضحكات شيطان منتصر..
أدّى قائد جيوشه له التحية وهو ينحني حتى كادت ناصيته تلامس الارض وهو يقول:
_ في خدمتك .. مولاي الامبراطور ( جانشيز) .
وانطلق لاستكمال مهمته التدميرية ..تدمير كوكب الأرض..
لتبدأ رحلة الضياع لهذا الكوكب البائس ، الذي جنى عليه سكانه..
في ظلّ ذلك الارهاب ، الذي كان يمارس على سطحه..
ارهاب الدولة..وارهاب الجماعات..!!!
" انتهت "
السياني/٢٥_ابريل_٢٠٠٢
=================================================================
وابتسم الحظ..ساخرا
(مجموعة قصص)
بقلم
فيصل خشافة
================================================================
انقراض.
( قصة من الخيال العلمي )
كان الوقت ليلا ، والظلام يدثر كل شيئ برداءٍ أسودٍ سميك ، وكان المعمل المركزي لعلوم الحياة رابضا هناك ، فوق قمة ذلك التل الواقع في ضاحية المدينة. .
حيث يعم الهدوء والسكون المكان ، في تلك الحقبة الزمنية الموغلة في التقدم..
كان المعمل المركزي من الضخامة بمكان ، حيث كل شيئ يدار فيه بالآلة ، من كمبيوترات عملاقة ، وروبوتات ضخمة ، وشبكة اتصالات الكترونية على أحدث مستوى ، مرتبطة بالشبكة الأم التي تغطي الكوكب بأكمله..
وفي داخل المعمل ، وفي قاعة واسعة جدرانها من الكريستال الشفاف ، وممتلئة بأحدث أجهزة الكومبيوتر ، وبأقفاص زجاجية متفاوتة في الاحجام والأشكال ..
تحوي عينات مختلفة من الأحياء ، ومجهزة بكل ما يضمن لهذه الكائنات الحية ، البقاء والاستمرار في الحياة..
وعند ذلك الصندوق الزجاجي العملاق ، كان هناك شخص واقف خارجه يقوم بمراقبة وتفحص كائنين غريبين ، أحضرهما المستكشفون ، الذين يجوبون آفاق الكون الرحيب ، بحثا عن حياة عاقلة مفكرة ..
وكان من نتاج ذلك أن أُحضرا هذين المخلوقين ، الذين كانا آخر الأحياء بعد فناء الحضارة على كوكبيهما ..
كان أحدهما قد فارق الحياة نتيجة انتزاعه من عالمه ، وزرعه في عالم آخر ..
رغم ان المكان الذي وضع فيه ، هنا في المعمل المركزي كان قد أُعدّ بكل الوسائل التي تضمن له الحياة ، الا انه على ما يبدو لم يتحمل كل التجارب التي أُجريت عليه ، وحولته الى فأر تجارب معملية..
وقد كان تركيبه الفسيولوجي هشّا وأضعف من رفيقه الآخر ، الذي كان يتمتع بإرادة وصلابة أقوى .
وكان ذلك الشخص ، الذي يتفحصهما يرتدي معطفا شبيها بمعاطف الأطباء ، جالسا أمام حشد كبير من الشاشات .. وامامه اسطوانات ليزرية مدمجة ، التقط إحداها ودسها في تجويف خاص أسفل جهاز كمبيوتر كان امامه ، ثم ضغط زرا في إحدى الشاشات ، فأضاءت تلك الشاشة وتراصت فيها معلومات غزيرة عن ذينك الكائنين..
فأحدهما كان ذكرا..والآخر انثى ، وهي تلك التي فارقت الحياة ..
اما الذكر فهو على ما يبدو يصارع الموت كمدا وحزنا على المخلوق الآخر.. ولقد أُحضرا من كوكب ( ك٣_م ش١_ط ل ) كما هو موضح في ملفيهما ..
حيث نشبت حرباً ضروساً في ذلك الكوكب ، لا يُعرف سببها ، أدّت الى مقتل جميع سكانه ، نتيجة استخدام أشد أنواع الأسلحة فتكا بين المتصارعين ، واندثار الحضارة على سطحه ..
وتم إحضار هذين المخلوقين ، ووضعهما في قسم الكائنات المنقرضة ..
كل تلك المعلومات مرت أمام عيني ذلك العالم الذي لفت انتباهه سماع حشرجة وشهيق ، يأتيان من داخل ذلك الصندوق الزجاجي الموجود فيه الكائنين..
فالتفت بحركة حادة ليرى المخلوق الوحيد المتبقي على قيد الحياة ، ينتفض انتفاضته الأخيرة ، قبل ان تسكن حركته ، ويستقر جثة هامدة..
وفي هدوء ودون أي انفعال ، استدار ذلك العالم الى شاشة تتوسط مجموعة الشاشات أمامه ، وضغط زرا في طرفها لتبدو عليها صورة كهل وقور حيّاه قائلاً:
_ سيدي .. لقد فارق كائني كوكب(ك٣_م ش ١_ط ل) الحياة ..
وانتظر الاذن باتهاذ اللازم..
_ اتخذ الاجراءات اللازمة ، من حفظ وتحنيط ، ثم ضع ملفيهما في قسم الارشيف ليستفيد منهما الدارسين والباحثين.
انطلق ذلك العالم لتنفيذ أوامر رئيسه دون أن يخطر بباله قط ان هذين المخلوقين كانا من أعرق حضارة عرفها الكون ، حضارة دُمرت بسبب الاستعلاء والطمع والعنجهية ، ورفض الحب والقبول بالآخر والتعايش السلمي بين شعوبها، وان ذلك الكوكب(ك٣_م ش١_ط ل) او الكوكب الثالث في المنظومة الشمسية الاولى في الطريق اللبني ، كان سكانه يطلقون عليه اسم..كوكب ( الأرض)..
( انتهت )
السياني_ ١٨/ ٨/ 2004
=======================================================================
بأي حالٍ عدت يا عيد..؟
نشرت في صحيفة "الثقافية" اليمنية
كان واقفا على الجانب الآخر من الشارع ، عندما لمحه ، كان ولده الأصغر هناك مفترشاً الارض ، يرنو بنظراته الكسيرة الى أترابه ، وأقرانه الصغار ، وهم يلهون ويلعبون في يوم العيد ، بلباسهم الجديد الأنيق بكل ألوان الطيف..
والألعاب بأيديهم ، والحلوى بأفواههم ، والابتسامة العذبة البريئة تنطلق من أعماقهم ، لتعانق نسمات الصباح الجديد..
صباح العيد..
صباح جديد خُلق لتوّه..
وابنه جالساً وحيداً يعبث بعلبة صفيح صدئة ، ونظرة بؤس تتخلل وجهه ، بعد ان اغتال الفقر والحرمان ابتسامته البريئة .
كان الوالد ينظر الى ابنه والألم يمزق نياط قلبه ..
هو يعرف ان طفله عزيز النفس ، لم يطلب منه كسوة العيد أُسوةً بأقرانه ، ولم يشاركهم اللعب وهو بهذا المنظر الرث..ففضل الجلوس وحيداً..
كان الولد _وكأنه_ يدرك أن أباه لا يملك ما يكفي لسدّ رمقه وبقية عائلته المكونة من اثني عشر فرداً_ ناهيك عن كسوتهم_
انتبه الطفل الى ان والده يرمقه من بعيد..!
فالتقت نظراتهما..!
التقتا لتصنعا مأساة شارك في صنعها القدر والمجتمع ، والاوضاع المعيشية الصعبة .. وهو أي الاب..
نعم هو شريك رئيسي في مأساته ومأساة أبنائه .
كانت نظرة الابن كأنه يقول :
_ ليس ذنبي ان وُجدت في هذه الأسرة الكبيرة_ وكأنها سرية عسكرية_وليس ذنبي ان أُحرم المأكل السليم ، والملبس النظيف ، والتعليم ، والصحة ، وكافة حقوقي كطفل.
وكانت نظرة الأب وكأنها ترد عن نفسها هذا الاتهام الغير مباشر من صغيره:
_ وليس ذنبي أني وُجدت في هكذا مجتمع ، أصبحت فيه قيم كالتكافل الاجتماعي ، والمؤاخاة ، والمواساة ، والمحبة بين الناس ، لا تتواجد الا في بطون الكتب الدينية
والاجتماعية ، بعد ان أُعلن نعيها في مجتمعنا ومواراتها الثرى .
" حدث نفسه"..
نعم.. كان كلما عانى من هذا المجتمع ، ومن قسوته وشدته عليه ، فإنه يحتاج الى بعضٍ من حنان ، حرمه إياه المجتمع الذي تحول الى غابة ، فيلجأ اليها..
الى زوجته ، حبيبته ، التي لم تكن تعلم وتحسّ بمعاناته الا هي.
فيقضي معها في جنتها الصغيرة ، أعذب الأوقات وأحلاها فينسى همومه ومشاكله ومآسيه ، ولا يفيق منها الا على صوت مولودٍ جديدٍ يُضاف الى سريّة الاولاد الذين
يملأون البيت.
كان لديه فتاتان ، فلقتان من قمر..
كانتا الحياء والشرف وعزّة النفس مجسدة ، والى الان لم يتقدم أحد لخطبتهما أو طلب يديهما..
ليس لشيئ .. الا لفقرهما الذي صار وصمة عار في مجتمعنا..
وساقطات بعض الأسر المخملية يتقاطر عليهن الخطّاب والمعجبون بالعشرات ..
مشيئة الله _ اللهم لا اعتراض.." هكذا حدث نفسه"
ابنه الأكبر .. أجهد نفسه ، سهر الليالي ، عمل الليل والنهار ، ليوفر له مصاريف الدراسة الثانوية ، ثم الجامعية..
حرم بقية أفراد أسرته من الاساسيات والضروريات ، ليوفر له تعليما عاليا محترما ، ليكون مصدر فخره ، ولكي يعينه على تحمل أعباء الأسرة الكبيرة واحتياجاتها..
هو الان عاطل عن العمل..
يحمل شهادة "البكالوريوس " .. ويجلس على رصيف البطالة .. ٦
صرف البقية الباقية من مدّخراته لكي يجد له وظيفة محترمة..
لكن لا جدوى..
اتجه مع ابنه الأكبر ، صاحب الشهادة الجامعية ، ليعملا معا ، طوال اليوم ..
في الحقول ، وفي البناء ..
فيعودا منهكين ، وقد هدّهما التعب ، وأعياهما النصب ..
أهذا قدره وأسرته ..؟
أهذا نصيبه في الحياة..؟
( اللهم ارزقني الرضاء بعد القضاء ).. دعا في قرارة نفسه..
ميزته _ أو ربما عيبه _ أنه يستسلم لقدره دون ان يحاول حتى التغيير..
تسيّره الأقدار كقطعة خشب تتقاذفها الأمواج ، فلا يملك سوى أن يترك نفسه للتيار..
رفع عينيه من على وجه طفله..وارتقى بناظريه الى السماء..
وخشع صوته ، ورقّت لهجته وهو يقول:
_ ( الّهم كما خلقتنا فلا تضيعنا )..!!
" انتهت "
السياني_ ١٥/١٢/٢٠٠١
==============================================================
الحب الشائب.
منذ ان عاد من غربته ، وهو لا يفارق حارته..
كان يلازم داره..ولا يخرج الا ليتسوق ، او الى المسجد..
كان يعيش في عزلة فرضها على نفسه ، لا يكلم أحدا الا لماما..لا يندمج في مجتمعه.. وحيدا..غريبا في حارته..
لقد ربّى رجالا ونساءً _أولاده_ وهم الان يتجاهلونه .. يهمشونه..كأن لا وجود له..
وكان عزيزا..عنيدا..
لم يستجب لنصائح الآخرين وهم يخبرونه ان يذهب لأبنائه ..
كان _ وما زال _ يؤمن ان العكس هو ما يفترض ان يكون ، ان يأتي اليه أبناؤه..
انه الان في سن الشيخوخه ، هرم كثيرا وشاب ، وتقدم في السن..
لكنه لا زال قويا..سيحتمل ويحتمل..
ليست أول مرة يحتمل هذا الجفاء من ابنائه..
عندما كان في غربته ، كانوا منقطعين عنه.. لم يراسلوه ، او يسألوا عنه..
ولكنه مع كل ذلك كان يحنّ لوطنه ولابنائه..
لقد ذاق مرّ الغربة .. وعذاب الحنين..
كان عندما تضيق عليه السبل ، ويشتد به اليأس ، يلجأ الى جارته السيده
" سعدة " ..كانت عزاؤه الوحيد في هذا العالم الذي نشب فيه أنيابه ، وتنكر له الاهلون والأقربون..
لقد كانت "سعده" سيدة فاضله .. رحيمة..حنونة ..كانت تهتم لأمره..وتسأل عن صحته ، وكانت مثله تماما..مقطوعة لا يصلها أحدٌ من أرحامها..
وكان يساعدها ، ويعطف عليها ، ويبث كل منهما همّه وشجونه للآخر..
نشأت بينهما علاقة وشيجة من التفاهم والتآلف ..
صارت هذه العلاقه وُدّاً جارفاً يحمله كلٌ منهما نحو الآخر ..ذابا في نعيم من السعادة ، لم يألفه قلباهما من قبل..هذه هي الحياة إذاً ..
ما أروعها عندما تكون بهذا الشكل..عندما تكون مع من تحب ، لا ينغص صفو حياتكما شيئ ، ولا تشوب علاقتكما شائبة..
فتحلقان في عالم من الاحلام الوردية..وتعيشان تجربة ناضجة ..انضجتها تجارب الحياة .. وخبرات السنين..
وكان لا بد وأن تتوج علاقتهما برباط شرعي مقدس ..تحرسه عناية الله ، وتكلأه برعايته..
زاد حبهما تألقا ووهجا بعد الزواج ، وعاشا في نعيم مقيم ..
لم تجد المشاكل طريقها اليهما ، ولم تستطع عيون الحساد الولوج الى عشهما..
كانا يعيشان وكأنهما يعوضان ما فاتهما..ولقد فات من عمرهما الكثير..
ولكن هذا الحب " الوليد الشائب" _في نفس الوقت_ طغى على كل ما سواه.
وكان لا بد لكل هذا من ان ينتهي .. فلكل شيئٍ نهاية ، مثلما له بداية..
هكذا هي مشيئة الله.. وهكذا هي السنن الإلهية ..
زحف عليهما الشيب ، وداهمتهما أمراض الشيخوخة ، واعترضت خطاهما النهاية..
إعتلّ جسديهما..لكن قلبيهما لا زالا ينبضان بالحب ، رغم ضعف النبض وشيخوخته..
بعد أدائهما لصلاة العشاء ، توجهت هي الى فراشها..
كان جسدها الضئيل يرتجف ويرتعد ، كعصفور صغير أصابه البلل..أطرافها باردة..كأن لا أثر للحياة فيها..
قلبها ينبض بوهن وضعف شديدين ..جسدها يزداد ثقلا..
كانت تشعر ان الحياة تُنتزع من أطرافها رويدا..رويدا..
نادته باسمه..
أتى مهرولا..جلس عند رأسها..احتضن كفها المعروق بين يديه النحيلتان العاجزتان..
_ ماذا بك يا أعزّ مخلوق لديّ..!؟
همس بهذه العبارة في أذنها..وهو يضغط بيديه على كفها برفق وحنان..
وقعت العبارة على مسامعها كرنين أجراس ملائكية ، وتغريدات عصافير وبلابل..
ردت بأنفاس متلاحقة :
_ إنني أموت..ولكني أموت وانا مستمتعة بطعم الموت لأنك بجواري..
_ لا تخافي ..سأظل بجوارك حتى آخر نفس يجود به صدري..
_ أوه ..يا إلهي.. اننا نتصرف كمراهقين ..نحن شيبان ، وحبنا يشيب معنا ، وسيموت معنا..آه.. إنني أموت..!!
انتفض جسدها انتفاضته الأخيرة ، وشهقت شهقة الموت ، ثم أسلمت الروح..وفوق شفتيها ترتسم بسمة مضيئة ، ووجهها يشعّ ضياءً ونور..
إغرورقت عيناه بالدمع..وسقطت دمعة منه على وجنتها..مسحها بأطراف أنامله..
ثم أغمض عينيها وهو يتمتم :
_ كلا..فحبنا يشيب..لكنه لا يموت..!!
" انتهت "
السياني_ ٢٩_ اكتوبر_ ٢٠٠٠
=============================================================
تأخر..
استيقظت من نومي مفزوعاً ، إثر صرخةٍ انطلقت كقذيفة من فم أمي ، وهي تحثني على اللحاق بالامتحان..
طار كل أثر للنوم كان يمكن ان يبقى ، بعد تلك الصيحة التي مزقت عصبي السمعي..
ألقيت نظرة على ساعة يدي فطار لُبّي..
_ يإلهي .. إنها الثامنة ، والامتحان يبدأ عند التاسعة..
أمامي ساعة واحدة فقط..عليّ أن أُسرع..
انتهيت من غسل وجهي وتصفيف البقية الباقية من شعيرات رأسي..
وارتديت ملابسي على عجل..
كم أكره العجلة ..وخاصة عندما تضطرك الى إعادة لبس الفانلة ..لأنك لبستها
بالمقلوب..
إضطررت الى قطع المسافة وهي عبارة عن طريق فرعي من بلدتي ( السياني) الى (الجسر) حيث الطريق الرئيسي المؤدي الى مدينة (إب) مشياً على الاقدام ، لعدم توفر السيارات في مثل هذا الوقت من (رمضان)..
وقفت فوق ( جسر السياني) أنتظر سيارةً تقلّني الى مدينة ( إب ) حيث سأؤدي امتحاني اليوم في جامعتها..
فأخوكم في الله طالب جامعي ( يمني) ..!
وما أدراك ما طالب جامعي يمني ..
فالطالب الجامعي اليمني ينحت من جبال الواقع المرّ بيوتا للعلم..
يكفي أن تعلموا أنني طالب ريفيّ ، أَسافر كل يوم ، غُدوّاً ورواحاً ، من الريف الى المدينة والعودة..
وأن المسافة من (جسر السياني) الى مدينة (إب) تقطعها السيارة( الهايلوكس) المكدسة بالطلاب الريفيين في خمس واربعين دقيقة في المتوسط..
ألقيت نظرة أخرى على الساعة .. انها الثامنة وعشرون دقيقة..
يوجد عجز مقداره خمس دقائق في الوقت ..
أخيرا توقفت سيارة ( هايلوكس).. كالمعتاد الصندوق الخلفي لها يمتلئ بأجساد الطلاب الذين سلقهم البرد ، فبدوا كأشباح ، شاحبين قد غاصت الدماء من وجوههم ، كأن لا أثر لها..
رجوت السائق أن يسرع ، قبل ان أركب ، فالوقت ليس ملكنا..
ولكنه القدر الذي جعلني أركب هذه السيارة بالذات ..
فالسيارة تسير ببطء وكأنها سلحفاة ، أو كشاةٍ عرجاء ..
السائق يثير فيك الغضب .. تود لو تركله في مؤخرته..
فعلى الرغم من أن السيارة تئن وتنوء بحملها ، الا أنه يحرص على إضافة المزيد من الركاب ..فتكدسنا في صندوق السيارة وكأننا أسماك في علبة سردين..
الزمن يتآكل..يتفتت القلق ذرات في دمي..يزيد نبضي..يرتفع منسوب الادرينالين في أوردتي..
بودي لو أصفع السائق على مؤخرة عنقه..
أرفع صوتي حاثاً إياه على المضي بسرعة أكبر..يلتفت نحوي ببلاهة..مما يضاعف حنقي وحقدي عليه..
_ يا إلهي..لم أحقد على مخلوق كهذا..!
السيارات تمر بجوارنا تاركة سيارتنا العرجاء وراءها ، كهدفٍ ثابتٍ تمرق بجواره الرصاصات دون ان تصيبه واحدة..
أتوسل الى السائق ..أستجديه ان يزيد من سرعة دابته ..وكأني أنفخ في قربة مقطوعة..او أطلق صيحة في واد..
تتنافس ذرات الادرينالين في جدران أوردتي محاولة تمزيقها..تحمرّ عيناي..تضيق أنفاسي..أنظر الى ساعة معصمي كل دقيقة..
الدقائق تمر كثواني..والسيارة تسير خارج حدود الزمن..
تلعب بي الهواجس..أتخيل الدكتور وقد انتهى من توزيع أوراق الأسئلة ، ومنع دخول أيٍ كان..فأموت كمدا..
أخيرا..تنتهي هذه الرحلة..
رحلة الشتاء والصيف..
لقد مضى من وقت الامتحان نصف ساعة..
أعدو كمجنون تلاحقه شياطين الانس ، على أملٍ يحدوني بأنهم سيسمحوا لي
بالدخول الى قاعة الامتحان.
أصل وأنفاسي تتقطع الى قاعة الامتحان..
انظر الى الدكتور المشرف على القاعة نظرات غريق..
فيقول بكل برود :
_ عُد..فلا مقام لك اليوم بيننا..!!!
أخرّ على وجهي مغشيا عليّ..!!!
" انتهت "
السياني.. ٣_رمضان_١٤٢١
الموافق ٢٩_١١ _٢٠٠٠
===============================================================
في قريتنا مسؤول.
شاع في قريتنا النائية خبرا مفاده ، أن مسؤولاً كبيراً _ قد أُحيل على التقاعد_ سوف يأتي الى قريتنا ، ليمكث فيها بصفةٍ دائمة..
وتأهب الكل لاستقباله..
وأصبحت سيرته حديث المقايل والتجمعات والأسمار..
كانت قرية تعيش في عزلة ، كأنها نبتة غريبة نمت وترعرعت وسط أشجار متجانسة ، فأصبحت شاذة غريبة ، لا تؤثر ولا تتأثر بالجو المحيط بها..
وكان خبرا مثل هذا كفيلاً بأن يحرك الركود الجاثم على صدر قريتنا ، وخاصة مع شخصية بحجم وثقل مسؤولنا المزعوم هذا..
وما هي الا أيام حتى وصل المسؤول ومرافقيه وأهل بيته ، ليستقر في قريتنا..
قريتنا المحرومة من كل ميزات الحضارة ، على الرغم من أننا في عصر الحضارة..
كان المسؤول يخترق زجاج السيارة بناظريه ، متفحصاً كل شيئ يمر أمامه ..
هاله مرأى البؤس والحرمان ، اللذان تعاني منهما القرية ، التي قرر ان يجعلها محطته
الأخيرة ليستقر بها ، بعد ان داهمه الشيب والكبر ، بعد عهود طويلة تحمل فيها المسؤولية ، كمسؤول كبير في الحكومة..
فالطريق التي مرّ خلالها الى هذه القرية ، كانت عبارة عن اجتهاد اجتهده ابناء القرية ، بأمر من شيخ البلاد لتسير عليها سيارته هو والمتنفذين في القرية..
هذه الطريق كثرت فيها المطبات والحفر ، واخترقتها السيول المتدفقة من أعالي الجبال..
لم تكن توجد في القرية سوى بضع سيارات لا تزيد على عدد اصابع اليد، وكان المواطنون البسطاء يسافرون ، ويحملون أمتعتهم على ظهور الحمير..
الكهرباء لم تصل القريةبعد..لا توجد سوى مولدات كهربائيه قليلة جدا يمتلكها الشيخ وأعوانه..اما البسطاء فكان نورهم ( السراج) المشتعل بواسطة الكيروسين ..
ولا أثر لأي مرفق صحي في القرية ، فمعدل الوفيات عندنا في ارتفاع مستمر ، خصوصا بين الاطفال ..
المدارس منعدمة ، ما خلا مدرسة يتيمة ، من ثلاثة فصول ، مبنية من ألواح الصفيح المهترئ بفعل عوامل التعرية ، وعامل الزمن المنقضي منذ ان تم تشييدها على نفقة أحد المحسنين..
باختصار كانت الحياة تسير في القرية ببركة دعاء الوالدين وصلاة الفجر كما يقال..!
كان الشيخ وأعوانه يُدرسون ابناءهم في المدن ، ويدخلونهم أرقى المستشفيات المجهزة بأحدث الأجهزة الطبية ..
في حين ان بقية المواطنون يعانون الأمرين ، ويقاسون الويلات في المنفى الاختياري _ قريتهم_ التي قبلوها وطنا لهم..
والحكومة لا تهتم لأمرهم ، وكأنهم رعايا أجانب ، او لاجئين من ضحايا الحروب المستعرة في القرن الافريقي..
أوقف المسؤول سيارته امام منزله الذي أُعدّ له..وترجل ماشياً وهو يحدث نفسه:
_ رباه ..أيعقل ان هذه البقعة من الارض لم تمسها الحضارة بعد..!؟ .. أيعقل ان كل هذا يحدث ونحن في القرن الواحد والعشرين..!! ؟..
كلا..لست أصدق هذا..!!
بعد ان استقر به المقام في داره واستراح من وعثاء السفر ، دخل عليه الشيخ واعوانه..مرحبين به فب تزلف واضح ، تبدو عليه أمارات النفاق جلية..فابتسم بطرف شفتيه ردا على ترحيبهم..
ثم قال للشيخ ان يجمع أعيان القريه وعقلائهم مساء هذا اليوم في منزله ليجتمع بهم ، ويستكنه أوضاع القرية ومتطلباتها عن كثب..
* * *
في المساء بعد ان حضر الجميع ورحبوا بالمسؤول بادرهم قائلا:
_ اشكركم على حين الاستقبال .. واتمنى ان أكون عند حسن ظنكم بي ، وارجو ان نتعاون جميعا على رفع المستوى الحضاري لقريتنا الجميله هذه ، والتي لم أرَ جميلا فيها ، سوى أُناسها الكرماء الطيبون ،وهواءها العليل النقي..
اما ما عدا ذلك فلست أرى سوى أطلال وأوضاع تذكرني بعصور الأئمة في بدايات القرن الماضي..
فلا أثر للحضارة هنا..ولست أعلم السبب لكل هذا..
تكلم إمام الجامع بصوت جهوري قويّ:
_ السبب تعلمونه جيدا ، انتم أيها المسؤولون .. فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته..
اما نحن فمواطنون بسطاء ، نبحث عن لقمة عيشنا طوال اعمارنا ، لكي نقي أنفسنا ذلّ السؤال..
قاطعه شيخ القرية:
_ كلا.. فنحن ننعم بالأمن والأمان ، والرزق الوفير.. وكل شيئٍ متوفر لنا..اما هذه الكماليات فهي كفر من عمل الشيطان..نحن مستغنون عنها ..أليس كذلك..؟
وجه حديثه لأعوانه..فردت عليه طغمته المتنفذة بصوت جماعي:
_ بلى..
صاح امام الجامع بصوته القويّ:
_ كذبتم يا منافقون .. فوالله ما أمنت يا شيخ القرية الا بهؤلاء الزبانية المحيطين بك إحاطة السوار بالمعصم..وما شبعت الا من عرق وجهد الفلاحين الابرياء الذين تستغلهم انت وأعوانك ، وتفرضوا عليهم الإتاوات والجبايات والضرائب ، وتقنعهم انها للدولة ، وانت توردها لخزائنك..
تكلم المسؤول بعد ان استمع لفترة للحوار الذي دار بين شيخ العلم وشيخ النصب..وقال مخاطبا شيخ العلم:
_ ألم تنجب قريتكم حتى مسؤولا واحدا ، يهتم لأمرها ، ويطلع المسؤولين في الدولة على أحوالكم ومتطلباتكم واحتياجاتكم..!!؟
أجاب امام المسجد بانكسار ، وغصة تتكون في حلقه:
_ بلادنا لا يسمح لها بإنجاب المسؤولين..!
نظر اليه المسؤول باستغراب وتأثر .. وعلم ما يرمي اليه فسكت ..ثم صرف الجميع بعد ان تعهد بإصلاح الاوضاع ، والاتصال بالمسؤولين في الدولة لكي يتم تدارك الوضع ..وضع هذه القرية البائسة..
بعد فترةليست بالقصيرة .. أتى الى قريتنا وفدٌ رسميّ من المهندسين المعماريين والمصممين والمخططين.. وهو اول وفد رسمي يزور قريتنا منذ ان وُجدت على ظهر البسيطة..والحجّة على المعمّرين في هذا القول..
اتجه الوفد الى بيت المسؤول ، وتم عقد اجتماع موسع ضمهم مع أعيان القرية ..ثم خرج المجتمعون بالقرارات التالية:
"إنه نظرا للوضع المأساوي الذي تعانيه القرية..وتكفيرا عن أخطاء الحكومة التي اقترفتها بحق هذه القرية الصامدة الصابرة على البأساء والضراء ..
فقد تقرر بناء قرية نموذجية متكاملة بالقرب من القريه هذه مبنية على أحدث أسلوب تخطيطي علمي ، عرفته البشرية في القرن الواحد والعشرين .."
ومن ثمّ اتجه الوفد الى الموقع الجغرافي المعدّ لهذا الغرض لمعاينته..
وبالفعل ..وفي اليوم التالي ..بدأ المهندسون بدراسة المشروع ووضع التصاميم اللازمة لتأسيس ( القرية الجديدة) ..والتي ستكون درّة المنطقة بأسرها ، على حد تعبير مسؤول قريتنا المفدّى..
* * *
بعد أكثر من عامين من العمل الدؤوب والمستمر _ليل نهار_ وبالاستعانة بالآلة الضخمة والتقنيات الجديدة التي كانت نتاج الحضارة في القرن الواحد والعشرين..تمّ إنجاز المشروع الحضاري العملاق..( القرية الجديدة) ، والتي كانت بالفعل درة المنطقة..بتخطيطها العمراني الانيق وبنيتها التحتية المتكاملة على أحدث الطرق
والاساليب العلمية..
وتقرر افتتاحها بشكل رسمي بحضور شخصيات كبيرة ومهمة في الدولة ..وتغطية
اعلامية ضخمة ، تصاحب حفل الافتتاح..
وبدأ التمهيد لكل ذلك وأصبح الكل متحفزاً وميتعداً لهذا الحدث الجلل ..
تحدثت الصحف وأسهبت في وصف تلك المعجزة العمرانية ، وكذلك القنوات الفضائية ووسائل الاعلام المختلفة ، والاستطلاعات المصورة والمتلفزة..
الكل يتحدث .. وابناء قريتنا يزهون بأنفسهم ، ويظهرون على السطح ، بعد ان كانوا مطمورين في وحل التجاهل والنسيان ، أصبحت القرية الشغل الشاغل للجميع ، والكل يترقب حفل افتتاحها بشوق ولهفة..
في الليلة التي سبقت حفل الافتتاح ، والجميع متحلقون حول شاشات التلفزة العملاقة ، الثلاثية الابعاد ..يتابعون نشرات الاخبار ..وبالذات الاخبار والاستطلاعات التي تتحدث عن ( القرية الجديدة) ..عندما انقطعت البرامج فجأة..!! ..ليظهر على شاشات التلفزة مذيعوا الاخبار في كل المحطات تقريبا ، وفي الركن الاسفل من الشاشات ظهرت عبارة "خبر عاجل" .. وكان المذيعون يقولون:
_" المشاهدون الكرام..نأسف لإزعاجكم ..فقد وصلنا ما يلي:
لعلكم تذكرون الضجة الكبيرة التي حدثت قبل ربع قرن في نهاية التسعينيات من القرن العشرين تحديدا ، عندما تناقلت وكالات الانباء خبر النيزك الذي يتجه مباشرة نحو الارض ، والاحتمال الضئيل بأن تصيب أجزاء منه الارض..
فقد ظهر ذلك النيزك بالقرب من غلافنا الجوي .. وهو يتجه نحو الارض..فتصدت له مقاوماتنا الدفاعية المثبته على الاقمار الصناعية العسكرية ، وتمكنت من نسفه ، وتفتيته الى أجزاء متناثرة..ولكن قطعة كبيرة منه أفلتت وسقطت على ظهر كوكبنا
الارضي ، مما أدّى الى محو تلك المنطقة التي سقط فيها النيزك من الخارطة..وقد كان من حسن الحظ أنها منطقة خالية من السكان..
* * *
في اليوم التالي كانت كاميرات التلفاز تنقل للعالم حجم تلك الكارثة ، التي حلّت
بالقرية الجديدة..وكان أهالي قريتنا والمسؤولون في الدولة يذرفون دموع القهر والمرارة .. لإندثار هذا الصرح الحضاري ، والمعجزة المعمارية ، وتحولها الى هشيما تذروه الرياح ..
وكأنها لم تكن..
وحده إمام الجامع وقف هادئاً ، ينظر الى الدمار الهائل الذي لحق بالقرية الجديدة ، ونظرات الأسى تكلل وجوه الأشهاد..
فقد علم منذ البداية ان الأهم هو بناء الإنسان ، ولن تقوم حضارة مادية ، مالم تضفى عليها روحانية تكللها وتحرسها من الاندثار..
أصبحت( القرية الجديدة) قاعاً صفصفاً ..
لا ترى فيها سوى بقايا محراب للمسجد الذي شُيّد فيها ، وكان عليه مصحفاً مفتوحا احترقت بعض أجزائه..
وفي صدر صفحته المفتوحة ، كانت الآية الكريمة تتوهج بحروف من نور:
" حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ، وازّينت ، وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها ..
أتاها أمرنا ، ليلاً أو نهاراً ، فجعلناها حصيداً..
كأن لم تغن بالأمس.."
" انتهت "
السياني_ ٥/ يناير/ ٢٠٠١
==============================================================
موظف في الجامعة
منذ أن التقت به لأول مرة ، أخبرها أنه موظف في الجامعة..
واكتفت بذلك..
لم تتعمق أكثر في تفاصيل حياته ، لم تسأله عن موقعه الوظيفي ، او درجته الوظيفية..
اكتفت بأنه موظف جامعي وحسب..
إطمأنت الى كونه موظف ، واستراحت ..
فقد زالت أولى العقبات في حياتها وحياة كل فتاة ترغب في الزواج من رجل موظف ، قادر على ان يوفر لها سبل العيش الرغيد ، والحياة في كنف السعادة والترف..
الان لا يهمها شيئ آخر ، تريدأن تغرق في بحر الحب حتى أُذنيها ..
تريد أن تعوض سنوات الحرمان ، والقحط العاطفي ..
تريد ان تعوض ليالي الشتاء الزمهريري البارد ، وهي تحتضن وسادتها ولا أنيس أو سمير لها سواها..
ليالي السهاد التي أرّقتها وعذبتها وهي ترى وتسمع الفتيات اللاتي يُخطبن من حولها ، وتتناقص أعدادهن الواحدة تلو الأخرى ، وهي واقفة وحيدة ، كشجرةٍ في فلاة ..
الان فقط وجدته.. فتى أحلامها..
لقد غرقت _ من أول نظرة _ في مروج عينيه الخضراء ، ووقعت أسيرة ابتسامته العذبة ، التي تفتت أقسى القلوب وأقواها..
كان طويلا ، أشقرا.. أخضر العينين ..رياضي الجسم..
يمتلك ساعدين قويين ، تمنت _لحظتها_ لو يعتصرها بين ساعديه ويضمها الى صدره القوي ، لتغوص بأكملها داخل جسده ، وتمتزج معه ، وتذوب فيه..
عندما تقدم لخطبتها من والدتها ، التي كانت كل أسرتها ، أقنعت والدتها بقبول خطبته لها..
وأكدت لأمها انه موظف في الجامعة..وأن حالها سيستتر معه..
وأحوالها ستتحسن كذلك..
فما كان من والدتها الا ان باركت حبهما ، وهي تعلن ثقتها فيها ، وفي اختيارها..
كانت تفتخر فيه كثيرا..وتباهي به صديقاتها وقريباتها..
تحولت الى وكالة أنباء ناطقة باسمه..
كانت تتحدث كثيرا عنه ، وعن وظيفته الجامعية..
وكانت ترد على من يسألها ما نوع وظيفته تلك؟
انه موظف في الجامعة وكفى..!!!
وذات مرة انقطع لفترة عن لقائها..واحتاجت إليه بشدة..
فما كان منها الا ان قررت ان تتجه للجامعة للقائه _لأول مرة_ في مقر عمله..
وفي مبنى الادارة العامة للجامعة كادت ان تسقط إعياءً ، وهي تتنقل بين طوابق وأقسام ومكاتب الجامعة ، بحثاً عن مكتبه _ كما تصورت_ لكنها لم تهتدي اليه سبيلا..
كانت تسأل كل من تصادفه عن "عادل حسان " ..؟
لكن الجميع _ بلا استثناء_ لم يكونوا يعرفوا شخصاً بهذا الاسم..
كادت ان تجنّ ..
_ غير معقول ان رجلا بوسامته وجاذبيته وشخصيته وقوته غير معروف هنا..!!
ماذا كان يقصد بقوله موظف في الجامعة..!! ؟
وأي جامعة كان يقصد..!!؟ لعلها جامعة أخرى أهلية..!! تحدث نفسها..
حاولت ان تبرر وتختلق أسبابا لعدم معرفة أحد به ، لكي تريح نفسها اولا ..ولا تحطم الصورة التي بنتها له في مخيلتها ثانياً ..
دارت على جميع الكليات..
وأخيرا وصلت إلى كلية الزراعة ، وهناك سألت عنه في إدارة الكلية فأجابوها بنفس
الاجابة انهم لا يعرفوا موظفا بهذا الاسم..بدأت تصاب بالاحباط واليأس، وتتناوشها
الافكار السوداء..
أتراه كان يكذب عليها..!!؟
أم يخدعها..
ويتلاعب بمشاعرها..
قررت ان تسأل عنه إحدى العاملات في النظافة..
فردت العاملة:
_ لست أعرف أحدا بهذا الإسم سوى " عادل حسان" ..
الذي يعمل علّافاً في حضيرة الابقار التابعة لكلية الزراعة..
إرتجّ عليها.. واتسعت عيناها ذهولاً ..ونبضها يتسارع..
وهي تحّدق فيها قائلة:
_ علاف..!!؟
_ نعم ..علاف يقوم بإحضار الأعلاف للأبقار والجواميس في الحظيرة..
وهنا..هنا فقط تهاوت ، ولم تستطع ان تحملها قدماها ، بعد أن عرفت أيّ موظف في الجامعة كان..!!!
" انتهت "
السياني_ ١٨/١١/٢٠٠١
====================================================================
هجوم تاتاريوس.
(قصة من الخيال العلمي)
الدمار يعم كل شيئ ، والخراب منتشر في كل مكان من كوكب الارض ، ثلاث قارات تعرضت للهجوم في موجته الأولى ، إثر انفجار ثلاث قنابل كأنها شموس صغيرة ، حولت ليل كل من آسيا واوروبا وأمريكا الى نهار ، لمدة نصف دقيقة كاملة ، انهارت عقبه نفوس أعداد هائلة من البشر في القارات الثلاث المكتظة بالسكان..
قبل ان يتحول ذلك الانهيار النفسي الى ذهول شديد أعقبه حالات من البله أصابت الناس ، فانطلقوا يهيمون في الشوارع والطرقات والوديان والسهول على غير هدى..
وهناك ، وفي قاعة العرش ، داخل تلك السفينة الفضائية العملاقة التي تدور حول كوكب الارض ، بعد ان دمرت كافة الأقمار الصناعية الدفاعية والراصدة ..
اندفع قائد جيوش الاحتلال ووقف أمام العرش مباعدا بين ساقيه الطويلتان ، وضاربا صدره بقبضته المضمومة التي تحوي ثلاث أصابع ، يربط بينها غشاء كأنها مخلب صقر ، مطأطئاً رأسه الكبيره ذات العينين المشقوقتين طوليا ، وأذناه الشبيهتين بأذني وطواط..
بعد أن أدى طقوس التحية الامبراطورية ، رفع رأسه متطلعاً الى الامبراطور الجالس على العرش قائلاً بصوته الشبيه بصوت طلقات مدفع آلي سريع الطلقات:
_ المجد والعظمة لمولاي الامبراطور (جانشيز)..
جاوبه الامبراطور بصوته السريع الطلقات الا انه أعمق ، وكأنه قادم من غيابات جُبٍّ عميق (ربما يكون علامة الوقار عند هؤلاء القوم):
_ تقريرك بسرعة ، وبدون مقدمات أيها القائد ( جيوليكو)..
أسرع قائد الجيوش يسرد تقريره قائلاً :
_ لقد نجح الهجوم في موجته الاولى ..
وجنودنا يستعدون للهبوط على سطح الكوكب المائي ، بعد أن استسلمت الارض إثر إسقاط قنابلنا الرهيبة ( ميموريا_ يك) و ( ميموريا_دو) على بقية القارات الست .. ٢٤
فأنت تعلم القوة التدميرية لقنابل الجيل الجديد من ( ميموريا) ..
ان الطاقة التدميرية للقنبلة الواحدة تبلغ ألفي جيجا بوزيترون ، وهي كافية لمحو كل خلايا التفكير في رأس كل أرضي ..
فالقنبلة بمجرد انفجارها ترسل موجات هائلة من الاشعاعات التي تدمر خلايا المخ وتقضي على الذاكرة ، وتجعل البشر كلهم خاضعون مستسلمون لنا ، دون ان يفكروا أدنى تفكير في المقاومة..
ليتحول البشر بعدها الى قطعان بشرية من البلهاء ، يستخدموا كعبيد وسخرة في خدمة إمبراطورية ( تاتاريوس) العظمى.
أطلق الأمبراطور ضحكة شيطانٍ مريد ، تنمّ عن ساديته وسعادته ، بما حصل ..
ثم قال لقائد جيوشه :
_ أحسنت صنعاً أيها القائد ( جيوليكو) ..
ألم يبدي الأرضيون أي مقاومة تذكر..!؟
رد عليه قائد جيوشه قائلاً :
_ لقد فوجئوا بالهجوم يا مولاي الامبراطور..
فالخطة التي وضعها جلالتكم ، كانت محكمة ودقيقة الى أبعد الحدود..
فلقد مكثنا عامين بتقويمهم الارضي نرقبهم من خارج مجموعتهم الشمسية عبر تليسكوباتنا الاشعاعية العملاقة ، ودرسنا وسائل مقاومتهم وأسلحتهم ، ودولهم العظمى ، خصوصا الدولة التي كانت مسيطرة على كوكب الارض والتي يطلقون عليها اسم ( أمريكا) ..
وهي الدولة التي أطلقت مركبتا الفضاء ( فويجر_١) و( فويجر_٢) اللتان دلتانا على موقع كوكب الأرض ، بعد أن عثر عليهما حراس الفضاء ، التابعين لامبراطوريتنا العظمى ، وهما يشقان أجواز الفضاء قبل بضعة أعوام ، فما كان منا الا ان أخضعنا المركبتين للفحص الدقيق والشامل ، والدراسات المكثفة ..
واستخلصنا معلومات مهمة وكافية عن هذا الكوكب المائي ، وعن عاداته وشعوبه بعد أن وجدنا كل ذلك مخزن في أجهزة كمبيوترات داخل تلكما المركبتان..
اللتان درسنا خط سيرهما العكسي ، واستطعنا التوصل الى معرفة مكان هذا الكوكب ، بالاضافة الى ان صراعات الارضيين فيما بينهم كان لها الدور الاكبر في نجاح الهجوم دون مقاومة..
خصوصا ان الدولة التي كانت محكمة سيطرتها على شعوب الارض كانت واثقة جدا من قدراتها ، بعد ان أخضعت بعض الدول الصغيرة بدعوى خروجها على الشرعية الدولية كما تزعم..
مما أسكت العالم كله خوفا منها_ عدا بعض الدول والمنظمات والجماعات الثورية ، التي لم يعجبها تفرد( امريكا) بحكم العالم الأرضي والسيطرة على موارده الاقتصادية والتجارية_ فلم تكلم نفسها مشقة تسليح الفضاء ، سوى مشروعاً كان قد بدأه رئيسها الأسبق المسمى (ريجان) ويدعى هذا المشروع ( مشروع حرب النجوم) ..
الا ان هذا المشروع لم يصمد دقائق أمام جحافل جند إمبراطوريتنا الأشداء..
رمقه الامبراطور بنظرة نارية من عينيه الملتهبتين كشعلتين قائلاً:
_ يبدو انك قد تعمقت كثيرا في دراسة تاريخ هذا الكوكب ، لدرجة أدهشتني انا شخصيا..!!!
جاوبه قائد جيوشه بثقة مشوبة بالغرور:
_ لم أكن لأستحق منصبي هذا أبدا ، لو لم أفعل مولاي الامبراطور..
وكل هذا بفضل عطفكم ومنحكم الثقة لي..
أطلق الامبراطور ضحكة وحشية وهو يقول:
_ رائع..رائعٌ جداً يا قائد الجيوش..هكذا أريد قادة جيش امبراطوريتي دائما..
لتظل امبراطورية ( تاتاريوس) سيدة الكون دائما وأبدا.
وعاد يطلق ضحكته الشيطانية القادمة من قعر بئرٍ في الجحيم ، وهو يقول لقائد جيشه :
_ والان أيها القائد ( جيوليكو) عد الى مركز القيادة ، وأصدر أوامرنا الى جيوشنا بسحق وتدمير حضارة هذا الكوكب ..
الكوكب الذي لم يستطع سكانه حمايته ، فلا يستحقون سوى ان يظلّوا عبيداً أرقاء ، في خدمة امبراطوريتنا العظمى..
وهذا_ أيضا_ شرفٌ لا يستحقوه..ولكننا نحتاج اليهم لا ريب ..
فمخلوقات مثل هؤلاء لا يستحقون ان يعيشوا على سطح كوكب لم يحافظوا عليه ، بل يجب أن يدفنوا تحت طبقات ثراه..
أحرقوا المكتبات..دمروا الجامعات والمدارس ..
إقضوا على كل ما يمكن أن يعيد لهم حضارتهم ، لكي يظلّوا دائماً خدماً لامبراطورية ( تاتاريوس العظمى).
وراح يطلق ضحكاته الابليسية .. ضحكات شيطان منتصر..
أدّى قائد جيوشه له التحية وهو ينحني حتى كادت ناصيته تلامس الارض وهو يقول:
_ في خدمتك .. مولاي الامبراطور ( جانشيز) .
وانطلق لاستكمال مهمته التدميرية ..تدمير كوكب الأرض..
لتبدأ رحلة الضياع لهذا الكوكب البائس ، الذي جنى عليه سكانه..
في ظلّ ذلك الارهاب ، الذي كان يمارس على سطحه..
ارهاب الدولة..وارهاب الجماعات..!!!
" انتهت "
السياني/٢٥_ابريل_٢٠٠٢
=================================================================