منتدى جمعية إبداع الثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي ثقافي يعتمد علي الشعر و الأدب و الغناء


    (في الطريق) «قصة قصيرة» بقلم أسماء محمد

    السيد صابر
    السيد صابر
    Admin


    المساهمات : 391
    تاريخ التسجيل : 18/05/2020
    العمر : 56

    (في الطريق)               «قصة قصيرة»    بقلم أسماء محمد  Empty (في الطريق) «قصة قصيرة» بقلم أسماء محمد

    مُساهمة من طرف السيد صابر الثلاثاء ديسمبر 08, 2020 3:38 am

    (في الطريق)
    «قصة قصيرة»
    (في الطريق)               «قصة قصيرة»    بقلم أسماء محمد  14492410


    كانت السماء ملبَّدة بغيوم كثيفة تُنذِر بنزول المطر، وصقيع يناير يلقي بآثاره على المكان، في موقف السيارات تقف (هدى) مرتدية معطفا فضفاضا بياقة ضخمة وأكمام عريضة طويلة، تتأبط حقيبة يد صغيرة، وقد تدلَّت حقيبة أخرى خلف ظهرها، فبدا جسدها النحيف ممتلئًا على غير حقيقته، احتل التوتر ملامح وجهها ، سمعتْ صوت الآذان ينطلق من مسجد مجاور، فأدركت أن الساعة قد تجاوزت السادسة، نظرت في الهاتف، أوشكت البطارية أن تفرغ.
    «تُرى هل أخطأتُ؟ هل كان عليّ انتظار الصباح، لكنني اضطررت لذلك، لن أقوى على المبيت وحدي»
    لم يكن ذلك الأتوبيس الذي حضر بعد انتظار طويل متجها إلى قريتها مباشرة، لكن قد لا يأتي غيره حتى الصباح، فركبت كما ركب الجميع.
    الجميع رغم اختلاف وجهاتهم تكدَّسوا داخل الأتوبيس الضخم، وكأنهم اضطروا لاختيار نصف وصول، بدأ الظلام يرخي سدوله، أُنيرت أعمدة الكهرباء.. فانعكس ضوؤها فوق الأشجار على جانبي الطريق، بدا المنظر جميلا.. لكنه كان لهدى مصدر فزع؛ فهي وحدها في هذه الرحلة الليلية، أخرجت الهاتف من حقيبتها؛ لتتحدث إلى أخيها، تقترب الساعة من الثامنة.. ما إن طلبت الرقم حتى أظلم الهاتف، آه.. لقد فرغت البطارية..!
    تنظر حولها بتوجس وحذر، تتفحَّص وجوه الجالسين، وقد استبد بها الخوف من مجهول لا تدرك كُنْهه.
    امرأة تبدو في الأربعين من عمرها ـ ترتدي عباءة واسعة قد بَهِتَ لونها الأسودـ وبصحبتهما طفل صغير قد أخذ منه الإعياء مأخذا، فبدأ النوم يداعب عينيه، وقد وضع رأسه على كتف أمه التي تضمه في قلق، وكأنها تخشى أن يختطفه منها أحد!
    شاب عشريني، أشقر الشعر يضع نظارة سوداء فوق رأسه، وسمّاعات الهاتف في أذنيه، وكأنه يهرب من ضجيج الركاب إلى ضجيج آخر يحلو له.
    وبجوارها تجلس فتاة في سنها أو قد تكبرها بعام على الأكثر، ما إن جلست حتى بدأت تتحدث في الهاتف، ينخفض صوتها حينا ويرتفع حينا آخر، فيختلط بصوت المذياع، وقد اختار السائق محطة إخبارية لا يستمع إليها أحد، فقد عمّ الضجيج وتداخلت الأصوات.
    يقف هذا الأتوبيس الضخم البطيء عند مدخل كل قرية فينزل عدد من الركاب ..
    وفجأة .. نشب شجار بين أحد الركاب - وكان رجلا في الخمسين- وبين الشاب صاحب السماعات، تطور الأمر من تراشق بالألفاظ إلى تشابك بالأيدي، فاضطر السائق للوقوف.
    انزعجت (هدى) مما يحدث.. فالمسافة التي تُقطع عادة في ساعة ونصف استمرت أكثر من ثلاث ساعات، وهي لا تفكر إلا في لحظة وصولها في هذه الساعة المتأخرة، وهؤلاء يتشاجرون.. وتلك الفتاة تزعجها بحديث لا ينقطع، والأتوبيس البطيء قد توقف عن السير!
    انتهى الشجار بين الشاب والرجل الخمسيني، وبدأ الأتوبيس في الحركة مجددا..
    بدا مدخل القرية يلوح في الأفق .. نزلت من الأتوبيس وكأنها مُقْدمة على موت محقق، الساعة الحادية عشرة في ليلة غاب فيها القمر خلف هذا الضباب الكثيف، ترى القرية وقد سكن أهلها تماما، فتشعر وكأن الفجر أوشك أن يطلع!
    يجلس (الخفير) على كرسيّ، وقد تدثّر بمعطف ثقيل فلا تكاد تتبين رأسه من رجليه، وقد أشعل جذوة من النار بجانبه، سارت في هذا الضوء الخافت، بدأ الخوف يتملكها .. بغير إرادة منها انخرطت في البكاء، وقفت أمام أحد أعمدة النور تبدو بوجهها الصغير وعينيها الغارقتين في الدموع كعصفور ضعيف كُسِرَ جناحه، فانزوى ينتظر مصيره المجهول.
    لاح نور قادم من بعيد، كانت سيارة (نصف نقل) بيضاء، تحمل بعض الصناديق، يقودها رجل قوي البنية مفتول العضلات يرتدي جلبابا رماديا خفيفا لا يتناسب مع هذا البرد القارس، اقتربت السيارة منها، ثم توقفت أمامها، ارتعدت أطرافها وبدأت دقات قلبها في الازدياد، واستولى الخوف على جميع أركانها، نزل الرجل من السيارة، بدا وكأنه شبح وسط الظلام، اتَّجه ناحيتها وهو يقول:
    _ أي خدمة يا آنسة؟
    تجمدت في مكانها، أحسّت وكأن شيئًا مخيفا يقترب منها وصدى صرخة مكتومة قد حُبِسَت في أعماقها عجزت عن إخراجها لكنها استجمعت نفسها وحاولت إخفاء فزعها، ثم قالت:
    _ كنت في الجامعة، تأخرت بسبب ظروف المواصلات.
    _تفضلي معي أوصلك حيث شئت.
    امتقع لونها، ونظرت إليه بارتياب، ثم قالت:
    _ شكرا .. شكرا لك!
    _الوقت متأخر يا آنسة والوقفة هنا خطر.
    وقبل أن ترد بكلمة، مد يده وحاول اجتذابها، قائلا: تعالي يا آنسة.
    فصرخت في وجهه وهي تشد يدها، فإذا بنور دراجة بخارية يخرج من بين أحضان الظلام، وصوت شاب يصيح :
    هدى..!
    انشرح صدرها وانفرجت أسارير وجهها، انطلقت نحوه كالسهم، وارتمت بين أحضانه غارقة في دموعها، لقد كان هذا أخاها (خالدا).

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 5:24 pm