منتدى جمعية إبداع الثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي ثقافي يعتمد علي الشعر و الأدب و الغناء


    المعذبون .... مجموعة قصصية للكاتب /حميد عبدالقادر فيخار ( المغرب)

    السيد صابر
    السيد صابر
    Admin


    المساهمات : 391
    تاريخ التسجيل : 18/05/2020
    العمر : 56

    المعذبون .... مجموعة قصصية للكاتب /حميد عبدالقادر فيخار ( المغرب) Empty المعذبون .... مجموعة قصصية للكاتب /حميد عبدالقادر فيخار ( المغرب)

    مُساهمة من طرف السيد صابر السبت يونيو 13, 2020 2:54 am

    مجموعة قصصية
    {{ المعذبون }}

    المعذبون .... مجموعة قصصية للكاتب /حميد عبدالقادر فيخار ( المغرب) Pld10


    القاص حميد عبدالقادر فيخار من المغرب
    ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
    الإهداء : لأصدقائي وصديقاتي عشاق القصة القصيرة ، أهدي لكم ولكُن هذه المجموعة القصصية ، أتمنى أن تليق بذوقكم الأدبي وأن تنال رضاكم ، فهي قصص مستوحاة من واقعنا المعيش تمس شرائح اجتماعية واسعة في بلدنا العربي وأملي أن يحالفني الحظ في هذا اللون الأدبي والله الموفق .
    رقم ١
    { سلوى }
    لبست لباسها المعتاد يكادُ يُغطي نصَف جسدها المتلهف للنَّاظر ، المتربِّص بالتلصُّص...، وراء باب بيتها الذي يخْفيها عن الأنظار وسط حي يعجُّ بحركة الغرباء
    قطفت من بين أقْمشتها جِلْباباً أسود اللَّون وخماراً غطت شعرها المكوي قبل نومتها البارحة بدقائق ، انحنَت بشكل يوحي انها ستقيم صلاة العشاء ، فتمد يدها بين ثنايا السرير الذي يحضن عياءها، وجسدها المنهك صباح كل يوم عند الفجر، تحاولُ ان تخرج شيئا من هناك وتُمسك بفروة رأسها تُجهد التفكير للتذكر لكن دون جدوى ... تنظر للساعة وتعاود البحث بعنف متزايد تُتمتم و الفشل يغالبها..!
    منبه سيارة الأجرة رنَّ وانتهى الى مسامعها، أَغلقت باب غرفتها ووضعت المفتاح في ركن الدُّرج بين شقِّ الحائط المتهالك وهمت مهرولة بعد تنبيه تعدى المرة الرابعة .. حين بلغت زقاق باب المنزل كان السائق قد غادر، فليس من عادته أن ينتظر أَكثر...
    تحسست شفتيها ببلة لسانها ورمت بناظرها الى أَعلى هناك بالنوافذ من يحملقون خفيةً .. دكَّت الارض بخطى تلاحق دخان السيارة التي سرّعت برحيلها خشخشةُ النوافذ وتلصُّصات الأنظار عبر شقوقها...
    الحيُّ الذي تقطنه سلوى شبيه بما يوحي أَنه سوق يومي تتردد عليه المعروضات من شتى الأنواع فيما يشبهون البشر ولكنهم غير ذلك ! رموز وإشارات أوهام وأطياف.. ! أعناق تتطاول وعيون لا تهدأ عن الدوران ...
    الكل هنا يباع ويُشترى ... أقراص التخذير ، معجون حشيش ، وأجساد طرية تختلف حسب الدفع والطلب ، هناك زُوار يحجُّون إلى هذا الحي لشراء المتعة وبيع الغم والهم ودغدغة المشاعراللاحفة ...
    يعلم الجميع بعمل سلوى ، لا أحد يعاكِسُها ولا أحد يرد لها طلبا... منذ ان علم شباب الحي مأساتها أغدقوا عليها بالتوقير وليس الاحترام ... !
    تناثرت أنظار الحضور في جسد سلوى هناك من عشق صدرها ، وهناك من ترنح لمؤخرتها .. وهناك من أحبها .. وهناك من أغرقه الخجل في أن يتحدث إليها... فمن تكون سلوى ؟؟؟...أهي طليقة ذاك الزوج !؟ ام ارملة ذاك الذي قضى !؟ ام زوجة ذاك المسجون !؟ ام زوجة ذاك المسافر البعيد !؟
    ====================================================
    رقم ٢
    { الحَــنــان والحَــانــة... }
    لما أشرقت ابتسامتها قبالة محياه أدرك حينها أنها عشقت التقرب إليه، كان ثملا فقد غشت الجعة تماثيل أفكاره ، ورجت بمشاعره رجّاً ، بادلها النظرات والتي لم تكن بريئة في عرف الباحثين عن الهوى واللمس والاحتكاك ....من رغبة مُبيتة ... أن تبيتَ في حُضنـه ...
    جمع جسَده المنْهك ، ودلف نحوها يُجهِـد النَّفس في صناعة الموازنة ، موازنة الجسد لاموازنة الحكومة.. عيناه جاحظتان محمرتان ، لم تسعفه خطاه التي تخبط خبط عشواء ، يتراءى كبناء مهجور آيل للسقوط... ترنح جهة اليمين ، ثم جهة الشمال ..قاوم وغالب ثم تهاوى، فدك الأرض من طوله ، حاول عبثا النهوض ولم يستطع لذلك سبيلا. لا أحد يهتم لحاله جلبة وصراخ وأغاني ، اغلب المخمورين يتكلمون ومنهم من لا يقوى حتى أن يفي بجملة مفيدة واحدة... تقدم أحدهم ممسكا قنينة الجعة محاولا ان يُسعِف صاحبنا المطروح أرضا ً، لكن كبرياء خمرته رفض أي تدخل للتقويم الهيْكلي فآثر التَّحدي فلم يفلح ،...
    الفتاة التي كان ينشُدها لازالت ترقُبه ، لأنه صيد ثمين وهي تنظر لماله وليس لحاله ، تقدمت لجَنَابِه وجلست القرفُصاء، تشدُّ بيده وتنجح في هَيكلته من جديد تُجلسه على الكرسي ، لكنه ينتفض معلناً فصلاً جديداً من فصول المجون والعربدة .....
    هلّل يشتم ويسُب ... يسُب الملك ، وما ملكَ الملك ، وأسرة الملك ،وحاشية الملك ،وكانما الملك هو من نَخَــرَ قُواه وشلَّ وعيه.. كل من كان مخمورًا صَحَا بعد سُكره فالأَمر تجاوز الترفيه والتنشيط الى السُّدة العالية !.. ، الوقارُ والتَّوقير حسَب الدسْتور الجديد ، أَصبح في خبر كان ، هكذا علق أحدهم كان يعانِق إحدى بائِعات الهوى..حيث دفع للنادل ماعليه من مستحقات وهو مشروب كل البنات من كنَّ على مائدته يقتاتون على نفقته ، كثير من الحضور همُّوا بالمغادرة وشقُّوا طريق الثوبة على ان تُشقَّ في حقهم طريقُ المساءلة..
    للحانة زوار مياومون ، ملتزمون .. مسؤولون ومتقاعدون ، كثير منهم أشرق الشيب في رؤوسهم واثقلت السنون خطاهم وهم يتناوبون ذهابا وإيابا إلى المراحيض لإفراغ ما بمثانتهم التي نفختها الجعة ، والنبيذ الأحمر، وهناك شباب لواطيون وبنات سحاقيات ، سوق بشرية لعرض كل أنواع ما يسمونها المتعة....
    أركان الحانة أربعة ، ركن الواقفين وركن الجالِسين وركن العابِرين وهم من الشواذ وركنُ من لا ركنَ لهم أينما وَّليتَ وجهك في أرجاء الحانة تجدهم ،يتحسَّسُون وضع السَّكارى متملقين راغبين في أَي شيء ، لفافة سيجارة ، جعة ، خمرة حمراء .. لا يهم مادامت هبة مغدوق بها ممن لعبت الخمرة برؤوسهم فيصبحون مانحين واهبين وبسخاء كبير ، هؤلاء هم من تكلفوا بصاحبنا تحلقوا حوله وأوقفوا هرطقاته ، لأنهم هم الخاسِرون لو انفضَّ الحَجيجُ من الزبائن ، يمَاِرسون القِوادة بكل تجلياتها والثمن مُصان ومدفُوع ، القائمون عن الحانة يراقبون بحذر فإن لم ينجح الركن الرابع ، فالبديل موجود وحازم ، أربعة أشخاص لا يتكلمون يرمون بالمشاكس بعد لكمٍ مبين خارج الأسوار لتستمر الأطوار
    =====================================================
    ......
    رقم ٣
    { خريف العمر }
    تجَرَّع مرارة َالعُزلة والوحدة بزمنٍ بعيد فصبَغتِ الكآبة الموحِشة بيتَ "منصُور " وهَرشَتْ جسمَهٰ المنخُور، كلُّ ما هُناك بقَاَيا إنسان مترامٍ على كُرسِي تآكلت قاعِدته ، وفي رُكن يخَال للنَّاظر قبواً لشبحٍ تنَاثرت أطْرافه ....
    كانت عيناه مغمضتين دامعتين ووجهه شاحبا ذبلا وقد نما شعر لحيته الأبيض نموا كثيفا موحشا، وبرزت على وجنتيه كدمات زرق احتقنت بالدم ، هل هي لحظة الرحيل؟ لعلها مفاوضات فك الارتباط بين الروح والجسد ! فعقود التعايش أعلنت السماء الحسم فيها !
    كان يتنفس بصعوبة ، لا يقوى على الحركة ..
    مسْحةُ الحُزن غطَّت مُحَياه ولَجَمتْ بشَاشَته المعهُودة ، أشَاح بعيْنيه نحْو شُرفة البيْت المطلَّة على شجرة ِالزَّيتون وقد أثمرَت بحجِيجِ الفرَاخ التِي اعتَادت المبِيت على أغصانِها بعد أن ترْتوي من آنيةِ ماءٍ بجذعِ الشَّجرة ...
    اعتاد "منصُور" ان يسقي هذه الطُّيور كُل مساءٍ عند عودَتها من رحَابة الفضَاء الحُر الواسِع لكِن السِّنين اكلَت من نشَاطه ، وقزَّمَت حرَكته...
    لم يعُد يملِك من القُوة مقْدار الحرَكة ليأتي الى فراشِه الرَّث عند كل غبَش، فيتهاوى مكسور الإرادة وهو يُسابق العكازة بخطو متعثر !
    أمسَك بجنبَات الكُرسي متَثاقِل الحرَكة ومد َّرجْليه على مائِدته المهترِئة وعينَاه لاتَزالان جاحِظتين على العصافير وهي تتَراقصُ امامَ مرْآه ، تحُط على الشُّرفة شاخِصة الابصَار في صاحِب الدَّار...
    اليوم يومُ خميس وابن منصُور الذي يعمل حمالًا بالميناء لن يكونَ هناك قبْل نهاية الأسْبوع .. فهل ياتُرى سَتُعجِّل المنيَّة بأَخد الرُّوح للواهِب أَم ستكون رحيمةً بابنه الغائبْ ! ؟؟
    ليس ثمة أحد ! المنازل المجاورة صامتة كقبور الموتى ليست هناك حركة ! كما لو أنها أطلال خالية من الكائنات ، كل شيء صامت كعادته سوى الريح وحفيف الأشجار العالية أو حفيف المخلوقات المتسللة الى الغرفة كالفئران والحشرات...
    زحف الفجر الى البيت وأضاء زَوَايَا الغرفة ، حلَّقت الفراخ دون أن تعرف ماذا تفعل حامت حول الشبابيك والابواب وحول الجسد النحيل الُممَدَّد على الكرسي .... هبط الخوف عليها فارتجفت ..
    الفراخُ لم تخْلد كعَادتِها للسُّكون لان رائِحة الموْت تسَلَّلت الى أَرجاء البيْت تَنسَّم َّعِطرها "منصُور" وهو يدْفع أنفَاسَه بما بقِي من رَمقِ الحيَاة ثم يُصادِر ما علِقَ بقَصبتِه الهوَائية من نفَس ، وحده سُكُون اللَّيل من كانَ يُدوِّنُ حشْرجةَ الإحْتضار وقسوة الوحدة وألم الوهن .... فبلَّةُ مَاءٍ عِنْدَ سكَراتِ الموْت قد تكُون الفَيْصَل الفَاِصل لفَصلِ الرُّوح عن الجَسد بلطف ورحمة من الله ... آه !.. كم هي مُوجعة حياة بلا أُنس... وكم هي قاسية لحظات الرحيل من دون حولقة الأهل والأحبة !
    ماأقْسَى الوحدة في ليلٍ كئيبٍ تصارعُ فيه الموتَ بسِلاح الوَهَنِ والضعْفِ !!... وماأَقسَى لحْظة الإحْتِضار وأنْتَ لا تَملِك مِنَ القُوَّة قَدْرَ مِقْدار أن تـَكُـــح
    ================================================ ....
    رقم ٤
    { وجع الرحيل }
    انسل الفجر من أحضان الليل والغبش يرقب الانفصال ، الشمس تتثاءب لتعانق السماء و الأوكار هجرتها الفراخ خماصا في اتجاه المجهول ، قد تعود بطانا ، نسائم الصبح تحمل في طياتها آهات ليل العشاق وتأوهاتهم وترمي بها في سراديب الفضاء لتنعشها... لفحات شمس الصباح تمسح التَّل الذي يطل على الوادي ، ووريقات الصفصاف والياسمين تكسوها طلة الندى ، رائحة الرمل تشحد الأنوف بعطر فواح تلاعبه ريح باردة تلك التي تلوح بأطرافها على جموع الفلاحين وهم يسابقون الخطى للحقول محملين بالمعاول وأكياس البذور غير آبهين بنعيق البوم التي حطت كندير شؤم على مسكن القايد " المكي " المهجور منذ ان وجدته الجماعة مقتولا بحبل ملفوف على العنق ولم تفلح السلطات في فك طلاسيم الاغتيال وسجلت الواقعة ضد مجهول ... أصوات تزمجر مثل طنين النحل في حشد مهيب ، إنها أظلاف البهائم المتنوعة تقلع غبار التراب وتَخِزُهُ على ان يستيقظ ليضاجع صحوة الصبح ... قطيع من الغنم هنا تثغى وقطيع من البقر هناك تخور ، خرجت للثو من زرائبها بعد قضاء ليل هادئ استراحت فيه من عناء رحلة الأمس ، هناك رابية تحجب الفيالق من القطعان وهي تدلف بين جنان الصبار والساقية المغطاة باشواك الزقوم .. نباح الكلاب تكاد تغطيه زمجرة أظلاف القطعان وهي تشق طريقها نحو الحقول المعشوشبة في نسيج تخاله لوحة فنان يعشق سريالية المشهد ! كلاب تقود القطيع تحرسها من كل الجنبات وهي تلهو بأذيالها وعيونها لا تغفل ، تعدو في كل الاتجاهات وتتبادل المواقع بين الفينة والأخرى...فالمكان غير مؤمن من زوار غير مرغوب بهم ، ذئاب تتربص من أعالي القمم ترابض وتخطط ...
    دور ومساكن من الطين الأحمر شيدتها يد الفلاح الخشنة تتعالى من فوق أسطحها أعمدة الدخان ، أكوام من روث البهائم وفضلاتها تستعمل حطبا في اذكاء النار لطهي الطعام ، هبت نسائم الرغيف المطهي وخالطت هواء القرية ليتنسمها العابرون . بمنحى هذه المداشر المتناثرة على طرف التل ؛ مسجد انتصبت صومعته المشكلة من الطين والتبن ، وقد تمايلت بثقل السنين ، أطفال القرية يواظبون على الحضور يتأبطون ألواحا خشبية لحفظ ما سطره لهم "الفقيه " ليلة البارحة من" الكتاب المبين "وعلامات الخوف تسرق البسمة من وجوه البعض منهم بفعل تهاونهم في إنجاز ما أمرهم به الفقيه ليلة البارحة ... كُنتُ هناك بِمقربة البئر ، هيأت حالي للرحيل بعد ان ضاقت بي قريتي ، أنتظر عابرا بسيارة أو شاحنة وليست لي أي وجهة محددة .. فقط أوجاع وأحلام
    ==================================================== ...
    رقم ٥
    { مرارة الرحيل }
    صوت أذان الفجر يمزِّقُ هدوء الليل بشكل موحش ! فيه رُعْب يشرخ مسمعي كأمواج تلطم صخر بحر مهجور لا يحجُّ اليه أحدٌ ، لم أكن أرغب في سماع صوت القرآن في هذا الوقت بالذات ، أحسست حينها ان أمي سيحضنها الموت ويغيبها عني في ليل دامس وحالِك ، هكذا ارتبط في مخيلتي منذ الصغر حين أخذ الموت والدي كان فقيه المسجد يقرأ عند رأسه القرآن بصوت مرتفع ويُمسك بسبابة والدي من أجل التشهد ، صورة بقيت عالقة في ذاكرتي بكل ذاك الألم الذي تركه رحيل والدي وانا ابكي في حضن أمي بكاء صامتا ...
    كنت اتساءل حينها ألم يكن لأبي نصيب في الحياة لو عملنا على نقله الى المستشفى او مصحة لا تطلب منا دفع الثمن ! تدمعُ عيناي واستحضر كلام أمي للتو ( العين بصيرة واليد قصيرة ) ... لم نكن نملك شيئا ولا كان والدي يعمل عملا قارًّا بل كانت له حرفة الخياطة يزاولها في ركن من أركان السوق الاسبوعي يتنقل على دراجته المتهالكة ولازلت استحضر شكلها السُّريالي واستحضر صُحبتي له الى السوق يُردفني معه كلما كنت في عطلة ... فكثيرا مايحتاجني لتمريرالخيط عبر عين الإبرة في آلة الخياطة ، تلك الآلة التي آنستنا طوال حياة والدي حتى باعتها أمي بعد رحيل والدي بدافع الحاجة ...
    الآن كيف لي ان انام وأنينُ أُمي السقيم لا يهدأ بحشرجة بئيسة ترد صداها أركان وجنبات البيت ، فيغازلها وهن ذاك الجسد النحيف الممتد على السرير ، يبدو المشهد قاتما مريبا ، كنتُ ولا زلت على هذا الحال منذ مايقارب السنة والنصف الا ان هذا اليوم ليس كسابقيه من الأيام ، فالحنون أمي لم تعد تنطق بكلمة ابني .. فقط تتابعني بعينين ذابلتين تنفخ انفاسا تنبعث منها رائحة الرحيل وعلى مقلتيها مسحة حزن لِحالي البئيس المغيب عن اي عمل من شأنه أن أساعدها في مصاريف الأدوية .... فقط كنت انتظر الصباح وها قد حل وما باليد من حيلة ؟ لا نملك شيئا في البيت يستحقُّ البيع لتغطية الحاجة والعوز من متطلبات الحياة ... أجلست أمي على كرسيها المتحرك بعد ان ألبستها ملابسها وهي في وضع سيّئ للغاية ، أشارت الي بسبابتها الى كوب الماء وحبة الدواء والتي اعتادت ان تأخذها كل صباح بعد ان أناولها الفطور وهو عبارة عن حساء ، لكنها الآن لم تسأل الا عن حبة الدواء ولم تُعر اي اهتمام لشيء يسلك الى معدتها !
    هيأت نفسي للخروج والعودة بأي وسيلة نقل حتى تكون أمي في المستشفى وفي أقرب وقت ممكن لكن الحال بدأ يسوء وأصبحت والدتي في وضع لا تقوى على الحديث حينها صرخ الصمت في داخلي وسكنت أعصابي رعشة الخوف حين كلمتني بالقول : لا حاجة لي بالطبيب فلا مرد لقدر الله ، ياعمر .. لأول مرة اسمعها تناديني باسمي ولم تقل ولدي !!دنوتُ منها وأمسكت بيدها ثم ابتسمتْ في وجهي قائلة :
    - اسمع يا .. يا عمر انا لستُ أمك وزوجي المرحوم لم يكن أباً لك ، حينما تزُر قبره أدع له بالرحمة والغفران فقد كان فقير مال ولم يكن أبدا فقير مشاعر ، ربَّاك على قدِّ قدره ومقداره ، فقد أبكاه يومًا حين وجدك ملفوفا في قماط عند باب المسجد بعد صلاة الفجر وعاد الي بك محبورا ، هذه الشهادة ياعمر كان زوجي أوصاني أن أخبرك إياها .. فعارضت ما مرة ان
    يخبرك هو بالحقيقة ، والآن ها قد علمت ولا تسألني من وضعك على باب المسجد ولا تسألني من يكون أهلك فلا انا ولا المرحوم نعلم الحقيقة ...
    انا الآن على كرسي المرحومة من ربتني ، بقولها للحقيقة صدمتني ، لما سمعت الخبر أُغمي علي .. ولما فتحت عيني أخبروني بوفاتها بعد شهرين ، رحم الله من رباني ، ونعم الأبوين لكنني مُقعدٌ حبيس البيت فمن وضعني ذات يوم على باب ذاك المسجد فليتفضل ... لا لحاجة الا ليحمل نعشي ويصلي على رفاتي بعد الرحيل ويدعو لمن ربياني بالجنة ولمن رماني على باب المسجد بالغفران من رب العالمينا ...
    =====================================================
    رقم ٦
    { العِشقُ العابِر }
    خرج من وراء غيْمة الكون ثم لحا يساراً عن رصيف المارَّة الى الحافة يُثاقلُ الخُطى وهو يتذَكَّر ، يُشبه الأبله في تصرفاته لكنَّه ليس كذلك ، تعَّرى من الطقُوس التي كانت تقِي حُرمته ، وراحَ يُشدِّدُ بقبضَة يده ويطرِقُ باب الحاجَّة " فاطنة " ..
    إفتحي الباب !؟..
    فاطنة افتحي .وإلا كسَّرته ..
    من وراء المغْلق ... كان يسمعُ صوتاً لعبت به الخمرة .. وأَتقلتْ حباله الصوتية ، صَوْت امرأة ، لم تكن الحاجَّة .. بل ابنتها التي لم يتجاوز عمرها ربيعه الثاني كانت ثَمِلة ولا تعي ما تقول ، كل ما تتفوه به يتعرَّى من ُقمَّاشِ الحِشْمةِ ويُخْدشُ الحياء ..
    فُتِح الباب فشخصتْ أَبصار المكي في جسدٍ لم ترَ عيناه مثيلا في القدِّ والقِوام.. ولا في الأحلام ، ابتلع ريقه وشدَّ بالنَّواجد على لحمة خده .. كانت ابتسامتها تفوح عطراً وتزيد من جُرح الكُبت اللعين ، تمزَّقت بدواخل "المكِّي" كُلَّ الأحلام وعصَر من الكلام جملةً كانت المفصل الفاصل في رغبة المبيت وإطفاء الحريق المولع في شوق الرغبة لضم هذا الجسد الفاتِن والعزف على أوتار تضاريسِه الفاتنة ، عينان لـمّٓاعتان ساحرَتان، ثغرٌ باسِم وهَّاج ٌ ، أنف باسقٌ كحبة قمحٍ ، خدان موردان بِلفح الحياء ، سنابلُ شعْرٍ تسودُ بسوادِها كل متأمل ، وجيد تجود به لمن يُعانقها ويحْضُن خِصْرها ويهْواها ، وصدْرٌ ُيُسكِرُ من رَضعَ تذييها، ونفَسُها عبقُ عطرٍ يُحيي من قبَّلَ فاهَا..لم تتكلم.. جسَدهَا لسانٌ يتحدَّث .. والمسكين" المكي" نسِيَّ أُمَّها وباتَ يَهواهَا...
    =====================================================
    رقم ٧
    { سلطة القــرار }
    ضحك الحمار، وكان الأسد يُلقي في مجمع الحيوانات مشـروع قانون يخصُّ توزيع السُّلط و الغنائِم وتدبير الشَّأن الغابوي العام ، قطعَ الأسد الكلام وسأل الحمار:
    ما بك أيها المعتُوه ؟ أما تحترِم جمعَنا العام ؟ ..
    ردَّ الحمار بالاعتذار : اسمحوا لي يا أخيار وَيَا أهل الدَّار أنا أضحكُ على زوْجتي أرادَتني أن أصير المستشار...
    ساد صمتٌ رهيب ثم ضحِك الأسد ..
    انشرحَت أنثى الحمار بعد ضحك الملكِ المِغـْوار.. وظنَّت طلبها قد صار...فالحمار مستشار، والأتان ربَّة الدار... تداول الكبار مشروع القرار بمعية الثعلب المكار ! فجِيء بالحمار لدائرة المشورة والتصْويت . هلَّل الجميعُ نعم نعم للاختيار… نعم نعم للاختيار …
    قال الأسد : أبشِر يا حمار أنتَ الآن فُزت بالمستشار ...ثم همس في أذنه ؛ ما قولك في مأدبة الافطار ؟..
    حمْلق الحمار بحزن في أنثاه يودِّعها وقال : لكم من أرَادتْني أن أَكون
    =====================================================
    رقم ٨
    { شاشَـــة الشارِع }
    أيها المنْسِيون المشتَّتون ، يامن سمَّوكم بالمجانِين وأتثوا بكُم المشهد اليومي على قارعة الشَّارع ، تتسوَّلون عراة ًحفاة ًوتقتاتون على القُمامة ، تفترِشون الأرض لتهدأ آلامَكم بلقاح الوحدة والعزلة القاتلة ، على محياكم تُرْسم الكآبة بألوان الفقر والحاجة … في عيونكم يبرق الخوف والتَّشردم ، ذنبكم الوحيد أنكم مواطِنون من هذا البلد ، تقَيأكم الوطَن حين أثْخَمه الفسَاد وما عاد يسْتوعب أعدَادكم التي تكاثَرت كالفطْر ، تفرَّعت جَمعيات وجمعيات همها الوحيد جمع الأتاوات بما فيها جمعيات الشواذ والمثليين ، تقتحم بيوتَنا بغير اسْتئذان عبر قنوات الصرف الصحي من شاشَتنا المشْؤومة ولا من التفت الى أوضاعكم المكلُومة ، فالشارع هو التلفزيون الوطني الصَّادق والذي تغيبُ فيه المساحِيق ورابطات العُنق إنه
    البثُّ المباشر على مدارِ الأربعة وعشرين ساعة يُصور ويُعري واقِعنا البئيس .. مُتسوّلون ، مرْضى عقليون ، مرضى نفسيون، مُهمشون، مشرَّدون الكل في فلك يسبحون !! ألى تخجلون أيها المسؤولون ؟ أين وطنهم ؟ إن كانوا حقا لهذا الوطن ينتمون !!...
    ============================================================
    بطاقة الكتاب
    -----------------------------------------------------------------------
    عنوان المؤَلَّف : المعذبون
    المؤلِّف : الكاتب/ حميد عبدالقادر فيخار ( المغرب)
    التصنيف : مجموعة قصصية
    رقم الإيداع : 18/2020
    عدد الصفحات :
    رقم الإصدار الداخلى : 223
    تاريخ الإصدار الداخلى : يونيو / 2017 الطبعة الأولى
    -------------------------------------------------------------
    جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للكاتب، ولا يحق لأى دار نشر طبع ونشر وتوزيع الكتاب الا بموافـقة كتابية وموثـقة من الشاعـــر


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 12:10 am