منتدى جمعية إبداع الثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي ثقافي يعتمد علي الشعر و الأدب و الغناء


    المجموعة القصصية : ما بين الواقع والخيال بقلم: ريهام حمدي رقم الإصدار الداخلى 2020/354 أكتوبر 2020

    السيد صابر
    السيد صابر
    Admin


    المساهمات : 391
    تاريخ التسجيل : 18/05/2020
    العمر : 56

    المجموعة القصصية : ما بين الواقع والخيال  بقلم: ريهام حمدي  رقم الإصدار الداخلى 2020/354 أكتوبر 2020 Empty المجموعة القصصية : ما بين الواقع والخيال بقلم: ريهام حمدي رقم الإصدار الداخلى 2020/354 أكتوبر 2020

    مُساهمة من طرف السيد صابر السبت أكتوبر 24, 2020 11:17 pm

    ا
    لمجموعة القصصية : ما بين الواقع والخيال

    المجموعة القصصية : ما بين الواقع والخيال  بقلم: ريهام حمدي  رقم الإصدار الداخلى 2020/354 أكتوبر 2020 Oa10


    بقلم: ريهام حمدي
    هل يحبك الظلام؟؟؟؟
    ريهام حمدي
    - من فضلكِ يا أمي أغلقي النور.
    - ألا تخشى الظلام يا ولدي؟ قالتها أم مشفقة على ولدها الذي لا يتجاوز الثماني سنوات من عمره .
    كانت رجاء تستنكر إصرار ابنها العزيز معاذ على النوم بمفرده في حجرة وفي الظلام وغلق الباب كل ليلة , وهو الذي كان شديد التعلق بها والنوم بجوارها . والآن لا تعلم ما الذي حدث وما التغير الذي طرأ عليه فجأة , وبالرغم من كلماتِ الطمأنينة التي تسمعها باستمرار من زوجها صالح إلا أنها كانت تعلم يقيناً أن أمراً ما ليس على ما يرام وأن هناك عطب وخلل وإن كانت لا تعلم أين هو ذلك الخلل.
    - حسناً معاذ تصبح على خير .
    - تصبحين على خير أمي .
    أغلقت الأم الباب برفق وذهبت لتكمل باقي المهام المنزلية عقلها وقلبها في مكان آخر , مكان يتعلق بالولد العزيز وغصة بالقلب أدمعت عينها لا أعلم عنها الكثير فقلب الأم دائماً يصيب فيما يتعلق بالأبناء.
    في نفس الوقت تلاقت أعين في الظلام الدامس عينان لطفل صغير وعين حمراء تقطر دماً تظهر في الظلام ومن حولها العدم وتحتها بقليل فقط بقليل تظهر أنياب بيضاء ملطخة بدماء طازجة , في النهاية ربما كان ذلك الشيء يعلم كيف يضحك.
    بدأت الهمسات و نبضات القلب المتسارعة والأنفاس العالية المرتعبة , همس الظلام واعتصار القلوب . لا أحد يعلم يقيناً ما الذي يحدث . فقط اليقين بأن ما يراه هذا الطفل لا يتحمله شخص بالغ كبير .
    في الصباح وأثناء تناول الأسرة للطعام لاحظت الأم علامات لأظافر على رقبه معاذ وكعادته تهرب من الإجابة لربما كانت قطتنا يا أمي فكما تعلمين أحب اللعب معها .
    حسناً تعلم أنني لا أحب تلك القطة السوداء , رأيت قطة جميلة اليوم أحدهم عرضها للتبني سأحضرها لك بدلاً من تلك القطة .
    صرخ معاذ لا . كلا يا أمي لا تفعلي , أرجوكِ لا تفعلي.
    - حسناً لم يكن الأمر يتطلب هذا الصراخ , لا أعلم إلى متى سنظل على هذا الحال
    نهضت الأم غاضبة كعادتها وتمتم الأب ببعض الكلمات , ثم ذهب لعمله وقبل أن يذهب أخبر رجاء أنه تم انتدابه للسفر مدة أسبوعين وجهزت له بعض الملابس ولوازم السفر , ودعه الإثنان متمنين له الخير والرجوع سالماً .
    في المساء قررت الأم أن تنام بجوار ولدها وما أن صارحته بذلك إلا ووجدت منه الصراخ والإصرار على المبيت في غرفته وحيداً وأمام بكاء الطفل انهارت الأم ولم يعد لديها سوى الرضوخ لمطلبه ولكنها كانت تنوي أن تتسلل إلى الغرفة بعد أن ينام لتنام بجواره .
    أغلق الباب مجدداً ودخلت القطة السوداء لتنام بجوار صديقها , جاءت همسات المساء والعين الدامية والفم الضاحك مجدداً , هذه المرة تلخصت الهمسات في شكل تحذيرات بلهجة قوية لهجة من شأنها إحداث جروح على جسد رقيق تحذيرات بضرورة إبعاد الأم وإلا ستلقى مصيراً معروفاً .
    انتظرت رجاء لبعض الوقت وقررت فتح باب الغرفة بهدوء ودون أن يستيقظ معاذ , ولكنها لم تحسب حساب القطة فقد قفزت القطة تجاهها وهاجمتها لتصرخ رجاء من الفزع وينهض معاذ ويضيء الأنور لتتبدد الظلمات من فوقه تلك الأشباح التي كانت هائمة حوله وكأنه نقطة المنتصف والأشباح تلتف حوله .
    - ما هذا؟ ما الذي يحدث هنا ؟ ما تلك الأبخرة حولك؟ معاذ هل أنت بخير .
    - نعم يا أمي أنا بخير . لا يوجد أبخرة هنا . الغرفة مرتبة وهادئة وكل شيء بخير كنت نائماً . ولعل القطة هاجمتكِ لأنك فتحتِ الباب بغتة , رجاء يا أمي لا تفعلي ذلك مجدداً.
    - حسناً , هل يمكنني المبيت معك يا معاذ؟ أنسيت حضن أمك؟
    - لا يمكنكِ بالطبع . ناقشنا هذا الموضوع مراراً , كبرت يا أمي , في الصباح سأحتضنك . والآن تصبحين على خير .
    فشلت محاولة الأم لفهم ما يحدث هذا اليوم مجدداً , ولكنها الآن على يقين تام أن للقطة دوراً مهماً فيما يحدث .
    في الصباح كان يوماً عادياً للغاية , حتى أن معاذ لم يلحظ غياب القطة أثناء النهار ولم يهتم هل أكلت أو شربت وأين هي ؟ حتى حل المساء وبدأ في البحث عنها كأنه مدمن وميعاد جرعته حانت .
    - أين القطة يا أمي؟ أخبريني أرجوكِ أين هي ؟
    - تركتها صباحاً في الشارع يا معاذ ولن تعود مجدداً .
    - أمي أرجوكِ لا تقولي هذا , أعلم أنها مازالت هنا , أين هي ؟ أحتاجها .
    - فيم تحتاجها ؟ أخبرني يا عزيزي , أخبرني ما بك ؟ لِم تحتاج إليها؟
    - حكمتِ بموتي يا أمي , حكمتِ بعذابي.
    - ما معنى كلامك؟ أخبرني. ماذا كانت تفعل بك القطة اللعينة ؟ سأذبحها إذا علمت أنها تؤذيك فقط أخبرني.
    - تؤذيني؟ بل كانت تحميني منهم . والآن سيتمكنون مني , سيتملكوني , سيملؤني ظلامهم السرمدي سأصبح مثلهم ظلام فقط , دخان مظلم فاسد يأكل الأرواح .
    - تخيفني كلماتك بني , عيناك , ما بالها ؟ عيناك بيضاء لا سواد فيها , توقف معاذ لماذا تتقدم باتجاهي؟ توقف معاذ توقف , أرجوك أنا والدتك.
    - أنتِ حمقاء , لا تدركين شرور الظلام سألتِّهم روحك السخيفة وروح ولدك البائسة .لست طفلاً صغيراً .
    ظل معاذ يتقدم تجاه رجاء وهي تتراجع بخوفِ وحذر , عيناه الآن أصبحت حمراء دامية وأنيابه الحادة بدأت في الظهور , الهمسات اللعينة ترددت في كل مكان حولهم وأشباح سوداء هائمة كانت تحيط بهم تتخطف ما تستطيع أن تصل إليه منهم تريد أن تلتهم أرواحهم .
    أخذت رجاء بالتراجع إلى أن وصلت لباب غرفتها , تلك الغرفة التي كانت تحبس فيها القطة وما أن فتحت الباب حتى قفزت القطة نحو معاذ وأسقطته أرضاً أخذت تضرب بكفها الصغير على وجهه وتقوم بخربشات فيه ثم نظرت للأشباح وبدأت في المواء بصوت مخيف وكأنها تأمرهم بالإنحسار والتراجع ,
    ظل الحال هكذا لفترة همسات مخيفة تتردد في الأركان أشباح مخيفة تلتف وتحوم مواء عنيف يأمر وينهر ودموع غالية تنهمر من قلبِ مترقب ,
    إلى أن انتهى كل شيء وفتح معاذ عينه أخيراً وعاد لحضن أمه , لم يتحدث ولم يبرر , فقط يرتعش رعباً مما رأى .
    في الصباح وضعت الأم القليل من اللبن للقطة ونظرت لمعاذ الذي كان هادئاً وكأن شيئاً لم يكن , وكأنه لا يتذكر أحداث البارحة . لا مزيد من الأسرار لا مزيد من الأكاذيب .
    انقضت أيام وعاد صالح من السفر . كان يوماً جميلاً وتم استقباله خير استقبال من زوجة محبة وولد لطيف ,في المساء أمسكت رجاء بالقطة ومعاذ وتوجهت لغرفة معاذ أغلقت الأنوار والباب بهدوء شديد لتنام مع ولدها بغرفته .
    اندهش الأب كثيراً وقرر في الصباح مناقشة الأمر معهم وعلى مائدة الإفطار :
    - أفكر في عرض القطة للتبني يا رجاء ما رأيكم ؟
    نظر معاذ لرجاء وصاح الإثنان في صوتِ واحد ..... كلاااااااااااااااااااااا
    تمت

    طلقة في منتصفِ الليل
    بقلم : ريهام حمدي
    طلقه مدوية فى منتصف الليل ...فى تمام الساعه الثانية عشر والربع لأكون دقيقة. تبعتها صرخةِ عالية أغلب الظن انها سيده صغيرة فى السن لانها كانت حاده وعالية .
    لِم لم أنم اليوم باكراً كعادتى ؟ لم انتظرت كل هذا الوقت ؟ والآن انتظر سماع أصوات أخرى ... عويل ربما ... صافرات سيارات الشرطة . أى شيء . سكون تااااااااام .... أينبغى أن أقوم وأفتح النافذه وأرى ما يحدث؟ خائفه انا ولكن الفضول يقتلني .
    شارفت الساعه على الثانية فجرا. ربما لم يكتشف أحد الجثة , ربما كانت دعابة سمجة من أحدهم , ليت النوم يداعب عيناى , أشعر بثقلِ جفوني . ظلام دامس.
    الساعة الآن الثامنة صباحاً . لاشيء تغير لاشيء جديد . نفس السكون المخيف نفس الوحدة منذ أن تركني ورحل . تركني فى منتصفِ العمر لأحزن باقيه. زوجي الحبيب لا أكف عن التفكير فيه. ليت كان عندي منه أى ولد والآن ذهب وغربت الشمس . بضعُ لقيمات , خبر هنا مكالمة هناك وانتهى.
    جاء المساء أين النوم؟؟ دقات الساعة مميتة لماذا أركز على الوقت؟ طلقة مدوية .. تبعتها صرخة حادة .. ما هذا الهراء ؟ نفس صوت أمس . إذا هي دعابة سمجة من شخصِ سمج... لا أتحمل هذا ... أين النوم الان؟
    يومُ مكرر أمسي مثل يومي مثل غدي لا أقوى على فعلِ أى شيء جديد. وأخيراً مر اليوم بسلام .. الساعة الآن الثانية عشر بعد منتصفِ الليل هل سأسمع الصرخة اليوم؟ دقائق وأعلم . حان الوقت . وهاهى الطلقة تأتي . وتأتي , وتأتي يا لسخافتهم
    اليوم أشرب قهوة صباحي أفكر فيما أسمع أتراني أُبلغ عنهم الشرطة؟ ما الجدوى . لا أعرف مكانهم . لماذا لم يشتكي أحداً من الجيرانِ ؟ أمرُ محير .. حسمت أمري .. سأفتح النافذه لأرى مصدر الصوت اليوم.
    يا لسخافة دقات الساعة حين تنتظر مرورها .. هاهى الطلقة والصرخة . ما هذا ؟ لاشيء... لا يوجد حتى من يفتح نافذته معترضاً . شيءُ عجيب هل الكل استسلم لمثلِ تلك الأفعال؟ ربما أطفال صغار تلعب .
    اليوم مختلف أسمع أصوات رهيبه أشعر أن أحداً ما معي هنا .
    (هل ستكفين عن النظرِ من النافذة ؟ العواقب وخيمة )
    مهلاً هل سمع أحد هذا الصوت؟ من هناك؟ من هناك؟
    جريت أفتش فى كلِ مكان لمحت طرف ثياب أبيض ؟ ما هذا أيمكن أن تكون روح الفتاة المقتولة؟ أم تراه القاتل؟
    من هناك؟؟ من هناك ؟؟ ظلام دامس.......
    اليوم صباح جديد يوماً عادياً مثل غيره . لا أذكر أي شيء عن أمس متى نمت ؟ هل تكررت طلقة النيران والصرخة ؟ ما الذي يحدث معى كيف أنسى تفاصيل من حياتي؟ ينبغي علي أن أستشير طبيباً أصبح العالم كله مجنون والأحداث متلاحقة.
    في المساء قررت أن أكون انسان جديد . شيء ممل أن أضيع كل هذا الوقت في التفكير عن شيء تافه ولعب اطفال .
    ما باليد حيلة جافاني النوم أيضاً هذه الليلة ولكن أظل أسمع صوت تلك المرأة الحاد تصرخ في محذرةِ ألا أقرب النافذة . يقيناً أني لن أقربها ليس خوفا بالتأكيد ولكن كما قلت لا وقت عندي للألعاب .
    هل إذا فتحت النافذة سأسمع صوتها مرة أخرىن؟ لماذا لا أجرب؟
    حسمت الأمر . سأجرب . نهضت بالفعل وتوجهت للنافذة وما أن فتحتها حتى سمعت شخصاً يصرخ : أغلقي النافذة وعودي للنوم حالاً وإلا.....
    أغلقتها على الفور هذه المرة رعباً وليس فضلاً.... من هذا ؟ أتراه القاتل ؟ ماذا يحدث لي ؟ أيراقبني الناس ؟
    الخوف ؟ ليت زوجي هنا . لم يكن ليكون هذا هو الحال... ظلام دامس
    اليوم لن أسكت أتيت بسكينِ سأطارد الروح الشريرة . خبأتها بين طعامي ولن يقدر علي أحد ....
    الظهر أتى .. فتشت فى كل مكان ولم ألمح طيفها . وليكن ما يكون أنا مستعدة.....
    لمحت شيئا هناك . سأتربص له .. نفس البياض لا يمكن أن اؤذيها فالموتى لا يموتون مرة ثانية ولكن سأطردها فقط . قربت منها بالسكينِ إلى أن طعنتها وشعرت أن أصابها نصل السكين . ما هذا ؟ نوم مفاجىء؟ ظلام دامس
    الآن لا أدري هل أنا مستيقظة أم أحلم كل ما أفهمه أني لا أستطيع الحِراك. أحاول الصراخ بصوتِ غير مسموع .
    مهلاً أسمع همسات :
    السلام عليكم : أنا الطبيب الجديد الدكتور فؤاد صادق
    تشرفت يا دكتور . أنا الدكتور سعيد المسئول عن الحالة سأعطيك ملخصاً وبرجاء قراءة الملف كامل . المريضة قتلت زوجها بعد أن اكتشفت خيانته وفي حالة نكران تام لما حدث . بالأمس طعنت أحدى الممرضات بعد أن تكرر منها محاولات فاشلة للانتحار من النافذة . للأسف أنا سأنتقل من هنا أرجو الرعاية الكاملة للمريضة . الحالة لا تتحسن إلى الآن.
    تمت


    معاً لآخر العمر
    الاسم: ريهام حمدي
    أيها العُكّاز أبلغني هل تأثرت يده بك كما تأثرت يدي بعُكّازي؟ هل تركت على يده علامات كتلك التي امتلكها؟ هل كان ذلك مقابل الإمساك بك لفترةِ طويلة واِتّكانا عليك؟ عذراً فلم يعد بالعمر مثل ما مر وفات فلتغفر لي ولرفيقِ دربي وهوّن عليه , إن له يد حانية لطالما ربَّتت على كتفي ومسحت دمعي . أرجوك لا تغفل أثناء سيرنا معك فلربما يخون العقلُ مثل ما يفعل كثيراً هذه الأيام وربما تهرب منا الذاكرةُ وتطير كطائرِ أجوف البطنِ بَصَر على بُعدِ صيدِ وفير . فلا ندرك أين أصبحنا ولا نعرف للعودةِ سبيل , دعني أقصُ عليك خوفي وقلقي من الأيام القادمة واحذرك سأقوم باستعطافك حين تعلم أن رحلتنا هذه المرة ستكون الأخيرة وأن كل ما وجدته معنا من مشقةِ وتعب سينتهي أخيراً . فقط اصبر ولا تكن عَجولاً كطفلِ حُرم من الحلوى ورأى البائع يقوم بتوزيعها مجاناً,
    أعلم أن الطريق ليس ممهداً وأن صخوره قاسية ثق بأنها ليست بقسوةِ ما نحن فيه , تحول جمالُ الوجهِ لتجاعيدِ عريضة , خطوط كثيرة لست أدري متي وكيف وجدت سبيلاً لوجهي كي تعيش فيه وتتكاثر بهذا الشكل ؟ رعشة يديّ ما بالها؟ أيضاً خاصمتني عافيتي وجافتني حركتي السريعة , أصبحت أبطأ من سلحفاةِ برية في موسمها الشتوي وقد كنت يوماً أسرع من قطارِ يحاولُ الوصول لمحطتهِ سريعاً حتى لا يتأخر عن ميعاد الوصول . كتبَ الزمانُ حروفهِ وخطّ بيدهِ ضعفنا . نال منّا كما ينالُ الجزار من أُضحيّتهِ صبيحة يوم العيد . مازال الطريق طويل أرجوك لا تسأم ولا تملّ حاجتنا إليك الآن كبيرة ولم يعدُ لدينا سواك رفيق .
    أعلم أن الفضول قاتلك وربما بدأ في الحفرِ ليأكل من خشبِ ساقك وقد تخرُ ميتاً من الألمِ , دعني أولاً أقصُّ عليك كيف كانت حياتي وقريباً سيصبحُ الأمر جَلياً كالشمسِ وسيُكشف لك كل شيء , سأسردُ لك كم عشت أياماً طِوال من السعادةِ والمحبة مع زوجي ورفيقي أُقسم لك أني لا أرى غيره بالوجودِ ولم أرغب يوماً في سواه ولازلت أحبه كأول يوم قابلته فيه , معا نسجنا أجمل الذكرياتِ , أشعرُ من صوت دبدبتك على الأرضِ بسخريتك من حديثي , أعرف شكك في صدقِ كلامي , كيف أحبه وقد مر كل ذلك الوقت ولم نتحدث ولو كلمة لم ينظرُ حتى تجاهي لم يمد يده ليمسك يدي , هل فرّت الكلماتُ وانعدمت بيننا ؟ لماذا لا يوجد بيننا حديث ؟ وعِوضاً عن ذلك أتحدثُ إليك أنت؟ قلت لك سابقاً لا تتعجل . أرجوك ترفق به وتمهل . والآن سأُكمل لك وحذارِ أن تسأل .
    كان لي منه ولداً واحداً مسكنه الآن تحت التراب , رُبما لو كان هنا ما كان ما كان رُبما لو كان بيننا كانت الأمور في اختلاف شديد , رحلَ عن عالمنا وترك وراءه جثتين خاويتين , نعيشُ ولا نشعر نتنفس ولا نرتاح كل منا اختار طريقاً واتبعه وعالج صدمةِ حياته على طريقته , كنت أنا الأقوى واحتفظت بذكرياتهِ بقلبي , كالجمرِ تشتعل فتشعل صدري , كالجمر أقبضُ عليها ولا أريدها أن تنفلتُ من يديّ لا أُريد النسيان لا أُريد أن أفقدَ هويّتي وروحي لا أريد أن .....
    وصلنا الآن أخيراً : طبقاً للعنوانِ المدون في الورقة بخط الدكتور سعيد وكما وصَّى ونصح زوجي العزيز :- دار الفردوسِ للمسنين ومرضى ألزهايمر .
    هل فهمت الآن أيها العُكّاز اختار زوجي أسهل الطرقِ , اختار النسيان , تركني بعقلهِ وأَبت ذاكرته إلا أن ترحل وتُدفن مع فقيدنا والآن لم يعدُ لي سوى هذا الرجل الذي ينظرُ في وجهي كل صباح ولا يتذكر حتى ما هو اسمي حتى شعرت أن لا حاجة لي في ذاك الاسم , لا حاجة لي طالما لم أسمعه يخرج من شفتيه كما تعودت.
    والآن تستطيع أن ترتاح ,ألم أقل لك سترتاح بعد قليل سنمكثُ هنا للأبد سنقضي أنا وزوجي ما بقى من حياتنا سوياً في هذه الدار.
    - أهلاً بك , مرحباً , هل لديك موعدِ مسبق؟
    - نعم , قد وصَّى الدكتور سعيد بإقامتنا هنا بالدار وقمت بتحويلِ الأموال نظير ذلك , وهاهي الأوراق التي تخصُ حالة زوجي . من فضلك أرغب أن أكون معه في ذات الغرفة وضيفي ما شئتِ من التكاليف .
    - بالطبع , دقائق وسيتم تسجيل الأوراق وسيأتي الطبيب المُختص لفحص زوجك والتوصية بالأدويةِ التي تتناسب مع حالته.
    - عُذراً سيدتي ما الاسم؟
    - اسمي هناء وزوجي أمين.
    - أتمنى لك إقامة سعيدة بيننا .
    - شكرا لكِ .
    تمت



    حالة داون
    الاسم: ريهام حمدي
    جلس في شرفته وقد ضاقت عليه الدنيا بما فيها. بالأمس اِلتف مجموعة من الصبية حول أخيه الصغير . بأصوات عالية وسِباب مستمر تعالت ضحكاتهم من هيئته . ولأن أخيه مُبتلى بكونه من حالات داون . فإن له وجه يراه من كان سليم القلب وجهًا ملائكيًا . وتراه الأنفس المعطوبة سببًا للسخرية. بالرغم من صغر سنه . إلا أنه أخذ على عاتقه الدفاع عن أخيه . وحدث أن تكررت سخريتهم منه أكثر من مرة. والاَن وقد غلبوه وطرحوه أرضًا حينما حاول الدفاع عن صغيره زادت كراهيته لهم وللجميع. فها هو والده يعتذر لوالد الطفل المتنمر لا لشىء إلا لأنه يعمل بورشته ليًلا. وها هى والدته تنهاه عن تكرار فعلته حتى وإن كان مٌدافعًا عن أخيه حتى لا يتأثر دخلها الشهري. وها هى أخته تنهره ليًلا ونهارًا لأنه كان سببًا فى معرفة اصدقاءها بحالة أخيها . وكأنه عَار لابد من وأده. وكأنه خطيئة لابد أن يُقُتل. وكأنه مَسخ والكل يداريه.
    غيظًـًا بقلبه يكبر باستمرار . ينمو وينضج ويفيض مثل بُركان قذَف بحممه فأكلت ناره ما أكلت دون شبع. جمرة بقلبه تحرقه وتحرق الدماء فى عروق جسده. إحساسا بضئالة حجمه أمام ما يُصب على رأسه من قهر .
    لم يعلم فى ذلك الوقت أيهم أكثر سببًا فى غضبه . هل هو والده الذي تخلى عن حق ابنه مرارًا وتكرارًا. أم هى أمه التى لم يهمها غير أن تتم أيام شهرها دون أن يجوع أحدًا فيهم. أم هو ابن صاحب الورشة . الفتى المُدلل الذي يلتف حوله الجميع ويرغب الكل في صحبته.
    بعقليته الصغيرة ذات الأربعة عشَر عامًا , استيقظ فى الصباح وأخذ أخيه وقرر ترك المنزل . لايدري إلى أين يمضي . لا يدري ما هو المصير . كل ما يعرفه أنه يريد الهرب .
    بعيون قلقة ومصير مجهول أمسك يد أخيه وأخذ يسير دون توقف . وبدأت قائمة من الطلبات . بدأها أخيه بإحساسه بالتعب ممزوجًا بقليلٍ من البُكاء . تلك الدموع الغالية التي تنهمر داخل قلبه لا على وجه أخيه. جلس الإثنان على كرسي اِنتظار بإحدى المحطات . ثم طلب الملاك طعامًا . فتركه رامي وذهَب ليشتري له طعامًا بسيطًـًا بما مُتاح معه. وحينما عاد لم يجد أخيه .
    طار عقله وصرخ بأعلى صوته . اِنهمر دمعه لا اراديًا وكلما سأله أحد عما يُؤلمه . كان يقول صغيري ضاع. صغيري ذهب.
    وعلى الفور نظم الناس فِرقا للبحث عن أخيه . ولبضع ساعات بحث دون جدوى . لا يمكن أن يكون قد ابتعد لكل تلك المسافة . أيعقلُ أن يكون ركب فى أي حافلة ؟ أيعقلُ أن يكون أحدًا ما اختطفه؟ أيعقلُ أن يكون هو سببًا فى فقده للأبد بعد أن كان يريد فقط حمايته.
    رجع للمحطة مرة أخرى وجلس مَحَله . وكُلما تَحَمَس أحدهم وسَلك طريقًا للبحث عنه . مرالقليل ورجع دون جدوى .
    إلى أن سَمِعَ صوت أخيه يُنادي فى همس . رامى . رامى.
    فتش حوله . لا يراه . ولكنه سَمِعَ صوته . أين أنت يا مُعاذ؟
    شخصًا ما أشار إلى تحت المقعد . وأخيرًا وجده .
    كل ذلك الوقت كان مختبئًا . كل ذلك الوقت كان ينتظر . ولأنه على فطرته تقوقع على نفسه .ولأنه على فطرته ظل ساكنًا . ولأنه على فطرته كاد أن يموت . أو أن يُفقد للأبد.
    بعد أن ذاق مرار الفقد والعجز قرر أن يرجع إلى المنزل . لم يمر الكثير وبقليل من الارشادات من الناس عاد . كان الليل قد أوشك على الحلول.
    عندما طرق الباب فتحت أمه. بدموع ثائرة وعيون متورمة اكتفت بالجلوس مكانها . لا أعلم إن كان جلوسها اطمئنان أم أنها فقط لا تقوى على مزيدًا من الوقوف.
    وقف الأب صامتًا يترقب ووقف رامي منتظرًا عقابه مستسلمًا . واقترب أبوه منه رافعًا يده . لم يضربه ولم يأذيه ولكنه احتضنه . لم يقل غير كلمة واحدة .
    سامحني .
    تمت


    بهجة
    الاسم: ريهام حمدي
    اليوم مر قرب الثلاثةِ أشهر منذ أن فقدت بصري , لم أعد أرى النور ولا جمال القمر . هل مازالت الشمس بنفس لونها ؟ زرقة البحر والسماء ؟ ملامح أبنائي ؟ أشياء كثيرة افتقدتها , أتدرب كثيراً على أمور حياتي فأنا لا أريد أن أكون عبئاً ثقيلاً ولكني أحزن طوال الوقت , أحزن من صمت حديثهم فجأة عند دخولي عليهم مراعاة لمشاعري , أعلم أنهم يكملون حديثهم بأعينهم أثناء جلوسي معهم . أحزن كلما رغبت في شم الهواء لابد لي من اصطحاب مرافق معي .
    أحزن من أمور كنت أقوم بها من أجل عائلتي والآن أجلس وهم يقومون بها بدلاً عني , أكاد أختنق كلما سمعت أحدهم ينادي باسمي "بهجة" بالرغم من كوني مصدر للحزن والكآبة في هذا البيت .
    - صباح الخير يا أمي , كيف حالك اليوم غاليتي.
    - أحمد ؟ هل لازلت هنا ؟ لماذا لم تعود لزوجتك وولدك؟
    - تعلمين يا أمي لابد من مكوث أحدنا معك كل يوم , لا نستطيع تركك وحيدة .
    - بلي تستطيع , مازلت قوية لا أحتاج رعاية , بالأمس رحلت أختك وأخيك , كل منهم رحل لعمله وبيته والآن دورك ,يكفي تعطيل حياتكم كل هذا الوقت منذ الحادث, على كل حال أحتاج لهدوء حولي لترتيب أفكاري والاعتماد على ذاتي .
    - يا أمي نحن نخشى عليكِ ..
    قاطعته , لست عجوزاً لهذا الحد , أستطيع تدبر أموري وحدي وجارتي رجاء مثلي تعيش وحدها تعودنا مشاركة حياتنا معاً , أرجوك يا أحمد لا تجعلني أشعر بالعجز , يكفيني زيارتكم المعتادة مثلما تعودت منكم ولكل منكم حياته الخاصة به كما لي أنا أيضاً.
    قلتها كي يرحل ولدي ولكني يقيناً لم أكن بتلك القوة التي أظهرتها , ارتجف القلب مع صوت غلق الباب وبدأت في رحلة تحسس ما حولي , جهد كبير لإحضار كوباً من الماء وجهد أكبر من أجل أبسط الأشياء .
    أول يوم وحدي في البيت مر بسلام إذا ما تغاضيت عن الطبق الذي وقع سهواً وكُسر على الأرض وعن مساعدة رجاء لي في بعض الأمور, أيضاً تغافلت عن حبي الشديد في القراءة وشغفي الذي كنت أرويه بقراءةِ الروايات في المساء , لكم أفتقد ذلك حقاً , لابد لي من الذهاب للمتجر غداً وشراء كتب جديدة لحالتي الجديدة . ولكن بشكل عام لا بأس بيومي , لابد فقط من التعود على الأوضاع الحالية.
    في الصباح لاحظت نقص العديد من الأشياء بالمنزل وأيضاً أرغب في شراء بعض المستلزمات كان لِزاما علي أن أذهب إلي البنك وأقوم بسحب بعض الأموال , ولأني لا أرغب في مساعدة جديدة من أبنائي قررت الذهاب وحدي , بمساعدة رجاء قمنا بطلب سيارة خاصة مدفوعة الأجر لتقوم بتوصيلي ذهاباً وإياباً , ارتديت نظارة سوداء وأمسكت بعكاز زوجي الراحل , ودعت رجاء التي كانت تُصرّ على المجيء معي , ولكني عند رأيي لن أتنازل عنه ومعي السائق يرافقني لضمان سلامتي .
    رافقني السائق الأمين في رحلتي الصغيرة وكنت أخيراً بقاعة البنك في انتظار سماع دوري ثم فجأة سمعت صوت طلقات رصاص .
    الكل يصرخ من حولي وطلقات متتالية أسمعها في أرجاء المكان , سحقاً لا أرى ما يحدث حولي , على ما يبدو هذه نهاية المطاف و المثير للسخرية أني لن أرى قاتلي .
    - الكل يجلس مكانه إذا تحرك أحداً منكم سنقتله على الفور , سنأخذ ما نريد ونرحل.
    - أمسك بيدي حسام السائق , لا تقلقي سيدتي , يريدون سرقة البنك أنا معكِ , لن يصيبنا أحد .
    شددت على يده وبدأت بتلاوة ما أحفظ من كلام الله عز وجل ,صرخة أو إثنان كل دقيقة كنت أسمعها وترتجف أوصالي بها , شيء مؤلم ألا ترى من أي مكان يأتيك الخطر , أستنشق هواءاً مليء بالخوف والفزع تمتليء به رئتاي خنقاً فينبض القلب وتتسارع نبضاته فيكاد ينفجر أو يتمرد ليقفز خارج الجسد من الرعب.
    على مايبدو ظهر وجه أحدهم وتعرف عليه الأمن , فقد سمعت شخصاً ما يقول باندهاش معتز؟؟؟؟؟ بعدها سمعت طلقة وصراخ متواصل من الحضور,
    - هيا لنسرع قبل وصول الشرطة. من رأى وجهك منهم ؟
    - هؤلاء الثلاثة .
    لم أدرك أين أشار بيده وأي خمسة يقصدهم ولكني سمعت طلقتان وشعرت بيد السائق تنفلت من يدي , علمت أنه دوري , لكم كنت أود إغماض عيني حين أموت ولكن هي مغمضة بالفعل بغير حول ولا قوة مني.
    - اترك العجوز إنها ضريرة , لن تتعرف عليك بأي حال . هيا بنا نسرع الآن.
    تركوني ورحلاً بعدها استمر الصراخ وحضرت الشرطة , جاء أبنائي ورافقوني للمنزل .
    لم أتحدث كثيراً فقط طلبت أن أنام ولو لقليل .
    - أعلم أنكم قلقون ولربما عاتبتوني على عنادي معكم , لن أجادل بعد اليوم , سأتقبل مصيري سأتقبل نعمتي وأعيش معها , قد وهبني الله عمراً جديداً ويقيناً سأغتنمه.
    تمت


    ملاك في الحجر
    بقلم: ريهام حمدى
    أحداث قصتنا الصغيرة تدور في إحدى مستشفيات الحجر الصحي . هناك قصص بأبطال حقيقيين ليسو كأبطال الروايات العادية . إن ما ستقرأه هنا ليس كقصة سندريلا . ليس لها نهاية سعيدة كنهاية سنو وايت . بل إن نهايتها للآن ما كُتبت . وكل يوم تبدأ وتنتهي قصص كثيرة لا يعملها أحد ولا يرغب في سماعها أحد.
    سلوى ممرضة في العشرينات من عمرها تم انتدابها لإحدى مستشفيات الحجر الصحي وبصدر رحب لبّت النداء وكانت سلوى خطيبة لابن عمها علاء . وبعد عناد من الطرفين سافرت سلوى لإحدى القرى النائية حيث تحولت المستشفى العام في القرية لمستشفى حجر صحي .
    منذ اليوم الأول حالات طارئة تتوافد باستمرار يتم استلام الحاله وعمل الفحوصات المبدئية لتحديد مدى خطورة الحالة وتصنيفها على حسب غرف العزل المتاحة وتحضير الادوية اللازمة والمحاليل. عمل متواصل طوال اليوم بلا رحمة وبلا تكاسل .
    جلست سلوى بعد ليلة طويلة من العمل . مليئة بالمشاعر التى يلين لها الصخر. أم فارقت الحياة تاركة أطفال صِغار . دكتور بالأمس كان يعالج واليوم يتم علاجه . طفلُ رضيع ورجل يتصل بابناءه لآخر مرة مودعاً. دوامة ليس لها نهاية . والآن جلست تفكر كيف حال ابن عمها منذ أن كان آخر ما دار بينهما شجار؟ لماذا لم يتصل إلى الآن . معزولة هي عن الجميع لاتستطيع الخروج لأيام طِوال . يوجد هنا من لم ير عائلته منذ ستون يوماً ويوجد أكثر من ذلك . الجميع صامد ولديه عناد كبير في تحقيق أهداف نبيلة .
    -ماذا تفعلين يا سلوى؟ لماذا تجلسين وحيدة؟
    - لاشيء يا نهى . فقط اتفقد هاتفي حادثت أمي وطمأنتها .
    -إلى الآن لم يراسلك علاء؟
    -هكذا عادته . أنا أعلم بالتأكيد سينتظر يومان ويرسل . أنا على يقين من طيبة قلبه . لن أهون عليه.
    هرعت سلوى إلى عملها استلمت اليوم حالات كثيرة فيها الحرج وفيها الحالات الخفيفة . وكعادتها حضرت العلاج وحقنت المرضى . تواسي هذا وتسمع آخر الكلماتِ من ذاك . كيف طلب منها الآ تذهب ؟ وإذا لم تتواجد خوفاً على نفسها وفعل ذلك مثلها فمن لهؤلاء ؟ من يسقي آخر شربة ماء من يمسك يد يطمئنها من يعطي الدواء ويسهر من يفرح بخروج مريض تحولت تحاليله من إيجابي إلى سلبي ؟
    مر اسبوع إلى الآن لا يوجد اتصال . تتحدث مع والدتها يومياً وكعادتها تطمئنها وتنقل لها الأخبار الجيده فقط . وفي نهاية كل مكالمة تسأل عن علاء وتسمع نفس الاجابة . عله ينتظر منك المبادرة يا عزيزتي .
    اليوم وقد مر قرابة الشهر . تبدلت كل المشاعر في قلبها . تحولت كثيراً من الايجابيات لسلبيات . أصبحت في محاولة بائسة لفصل مشاعرها . لا تريد أن تتعلق بأحد هنا خشية الفقد . حتى العاملين في محيطها . الكل ليس بأمان بالأمس فقط اصيبت نهى صديقتها . كادت أن تنهار سلوى ولكن صبرّت نفسها . لا اجازات لا راحة . حتى الاتصال بوالدتها أصبح في أضيق الحدود فأمها أكثر من مرة تحسست نبرة صوتها وعلمت ما تخبىء عنها وبكاء أمها كان أكثر إيلاماً مما تعانيه .
    الآن قررت الاتصال بعلاء كفاها انتظار . لهفتها وهى تمسك الهاتف لا توصف . كلمة منه ستزيل الشعور بالألم ولو أنها عاتبة على طول المده إلا أنها بالفعل تحتاج لكلماته بل تحتاج لسماع صوته بل لسماع حتى تنهيدته . صوت انفاسه الذي يطمئنها كلمتان تعطيها طاقة لتكمل المشوار . كلمة تشجيع تريحها وتدرك بها أن ما فعلته هو الصواب . تركها لأمها وحتى لبيئتها المحيطة ليس بالأمر الهين .
    كل تلك الأفكار كانت في عقلها . صوت جرس الهاتف والثواني المنتظرة مرت كالدهر . خوف وقلق كأنها في انتظار نتيجة الثانوية العامة بل أكثر قلقاً . لم يرد .
    ربما لم يلحق سأرن هذه المرة أكثر إصرار . جرس مرة أخرى .
    -الو .
    -أهلاً علاء . كيف حالك
    -كيف حالك يا ابنة العم . كيف حالك
    -الحمد لله . الناس هنا كثيرون . وكل يوم تتوافد أعداد والجميع هنا يعمل على مدار .....
    قاطعها.
    -عفواً . كان سؤالاً خبرياً . لم اعنيه
    -ماذا تقصد؟
    -لا أرغب في السماع لأي شيء . أنا تركتك منذ أن رحلتي وبالأمس أخبرت والدتك بالاحتفاظ بالشبكة . وإن كان ردها يليق بكم أكثر .
    -تركتني ؟
    -بل انتِ من فعل .
    -حسناً . قل لي . إذا ما كنت في صحراء لا ماء فيها ولا حياة ووجدت كوب ماء وحبة بطاطس . إلى ماذا ستهرع اولاً ؟
    -كوب الماء بالطبع .
    -إذاً اتمنى لك أياماً سعيدة يا حبة البطاطس.
    اغلقت الهاتف وعيناها تفيض دمعاً . سمحو لها باجازة أخيراً ولكن بالطبع لابد من إجراء التحليل قبل الرحيل . انتظار النتائج كان مرعباً للجميع إلا هي . فالقلب جريح ويحمل اعباء أكثر من ذلك .
    في النهاية أتى الممرض . التحليل سلبي عزيزتي . اجازة سعيدة.
    هرولت لوالدتها . هي الآن أقوى بما رأت . هي الآن أكثر إصرار وعزيمة . هي الآن من المقاتلين على الجبهة إما النصر أو الشهادة . صعدت السلم وكلها شوقاً . فتحت الباب وبابتسامة رمت الحمل من على ظهرها لتتلقاه أمها بحنانِ وللحظة كل شيء على صواب وكل شىء مريح فى حضن أمها.
    تمت


    السيد صابر
    السيد صابر
    Admin


    المساهمات : 391
    تاريخ التسجيل : 18/05/2020
    العمر : 56

    المجموعة القصصية : ما بين الواقع والخيال  بقلم: ريهام حمدي  رقم الإصدار الداخلى 2020/354 أكتوبر 2020 Empty رد: المجموعة القصصية : ما بين الواقع والخيال بقلم: ريهام حمدي رقم الإصدار الداخلى 2020/354 أكتوبر 2020

    مُساهمة من طرف السيد صابر السبت أكتوبر 24, 2020 11:18 pm

    شهقة ندم
    الاسم: ريهام حمدي
    جلس صاحب السبعون عامًا في مكتبه في ليلةِ عصيبة . لم يجد سوى دموعه صاحبة له . تلك الدموع الحارقة التي تجري بدون توقف على وجنتيه تاركة أثر كأنها نهرًا من حِمم بُركانية تسيل فتدمر تلمس فتحرق تمر فتكوي.
    الآن فقط تذكر ... ضحك ضحكة ساخرة ممزوجة بألم في جميع أجزاء جسده .
    في النهاية علم أنه لازالت لديه أكياس دمعية وتلك المقلتين تعرف سبيل الدموع وذلك القلب ينبض بعد أن كان متحجرًا ...لم يتذكر آخر مرة دمعت فيها عيناه , ربما كانت مقلتيه متحجرة كقلبه طوال عمره.
    خمسون عامًا قضاها في جمع المال الحرام . بشتى الطرق التي يمكن أن يسلكها المرء . كم كان ظالمًا في شبابه والآن يجني دعوات المظلومين وأصحاب الحقوق.
    فتح يده وإذا بورقة أتى بها مندوب من المحكمة . على ما يبدو أن ولداه قد ورثا عنه الكثير . وكيف لا ؟ وقد نبت جسدهم من الحرام؟
    يريدون أن يرثوه في حياته .. يريدون تلك اللعنة التي بحوزته والتي ستستمر وتستمر دون توقف . أي قلوب هذه؟؟؟؟ قلوب تشبه قلبه.
    لِم العجب إذا؟ لِم الرثاء على أيام كان أكبر همه فيها رؤيتهم يضحكون ويأكلون ويلبسون.
    والآن وقد ضحكوا وأكلوا ولبسوا. هل هذا ردهم؟.
    كم كان تائهًا مغيبُ العقل آن ذاك . كم كان لاهيًا قلبه . كم كانت الدنيا تتزين له بألوان وأشكال . لقد تفنن في سرقةِ حقوق الناس ولم يهمه أحد .
    كم بقي له من الوقت وبماذا سيرد حينما يُسأل عن ماله من أين اكتسبه؟
    هل ينفع الندم الآن حقا؟ الآن ولم يعد يمكنه التصرف في قرشًا واحدًا مما يَملك.
    اتسعت حدقتا عينيه وأحس بوخذ في قلبه . اعتصرت تلك المُضغة المُظلمة من الألم . وتصبب عرقا كأننا في منتصف أغسطس . جف ريقه فجأة وبالرغم من وجود الماء بجواره لم يكن مهتمًا بالوصول إليه.
    جل ما كان يهمه أن يصل إلى ورقة وقلم . ربما تكون آخر كلماته . ربما كَفر بها عن سيئاته . ربما لحق بها ولديه.
    شُعور بالذنب والندم على ما جنى في حياته من أشواك سترحل معه لعالمه الآخر . سلاسلُ ثقيلة ستُعلق في رقبته كل سلسلة تزن أكثر من بيته الذي يؤيه . كل سلسلة بمظلمة لأحدهم . بشكوى من شخص ما . شخص ما سينهل من حسناته حتى يشبع ويرضى . شخص ما من بين أشخاص كثيرون معلقون برقبته .
    بهذه الأفكار في رأسه أمسك بالقلم وكتب :
    يومكم مثل أمسي ومستقبلكم حاضري فاعتبروا . أما عني . فلا أعلم هل تكفي دموعي عند خالقي؟ حتى طريق الإصلاح لم يعد بمقدوري السير فيه . قد حصدت ما زرعت فهل أنتم مستعدون لتحصدوا يوما ما؟
    قالها وابتسم .... ثم عبس.... ثم فزع .... ثم جحظت عيناه .... ثم شهق شهقة ندم . شهقة كفيلة بانتزاع قلبه . ذلك القلب الذي ظل صامتًا لا يندم ولا يرق ولا يحن ولا يلين ولا يتوب ولا يشعر وفجأه توالت عليه كل الأحاسيس من كل حدب وصوب . لا أعلم يقينًا ما كان سبب موت ذلك الرجل . هل كان أسفه على ما قدم في حياته أم حسرته على ما فعل ولداه أم كان قلبه قاتله؟؟
    بعد بضعة أيام وفي إحدى الصُحف كان هناك خبر صغير لم يهتم إليه أحد :
    وفاة رجل أعمال شهير بفيلته والعثور على جثته بعدها ببضع أيام. والجدير بالذكر أن جنازته لم يحضرها أحد.
    تمت


    مازلت أرى أنفاسها
    الأسم: ريهام حمدي
    - يُقال أن الأطفال وحدها تستطيع رؤية الملائكة .... هل هذا صحيح؟؟
    - لستُ أدري .. ولِم السؤال؟
    - كنت أريد أن أسأل هل يستطيعون أيضا رؤية الأرواح ؟
    - لا تفكر بهذا الشكل . كفاك تعذيباً و ...
    قاطعه شريف :
    - لم أكن أفكر بهذا الشكل إلا عندما لاحظت ابنتي تمد يداها وتفتحها كلما سرنا معا وكأنها ترى شيئاً .
    لعلها تعودت ليس أكثر , تعودت على إمساك يد والدتها ويدك أثناء السير لا تنسى أنها مازالت صغيرة لم تُدرك بعد.
    - ليست وحدها من لم تدرك , إلى الآن مازلت لا أصدق أني فقدتها . حُلم عمري ورفيقتي والآن لم يعد يتبقى لي سوى تلك الدمعة التي نزلت من عيناها قبل أن تغمضهما لآخر مرة وإفلات يدها من يدي للأبد.
    صمت شريف قليلاً وكأن ألف ذكرى عابرة تزاحمت لذهنه بدون رحمة ,ألف كلمة ولقاء وحديث يجمع بينهما , بلمح البصر استحضرتهم ذاكرته المسكينة ولم يستطيع التعبير عن ذلك سوى بدمعةِ حارقةِ نزلت منه عن غير قصد ثم استأذن وعاد للمنزل برفقة ابنته مُحملاً بهموم تُثقل أكتافه.
    اليوم كان مخصصاً لمحاولة الخروج والتنزه برفقة غاليته ولكن غلبه الهمُ وصرعه وانتصرت عليه أحزانه ورفعت شعارها الأسود الكئيب فوق صدره فغمست في قفصه الصدري عصاة توغلت في القلب , طرفها مُدبب وأخرها رايةُ سوداء كلما رمشت عيناه ناحيتها رفرفت بجحود.
    في الصباح استيقظ كعادته أعد القهوة وطالع الأخبار , اتجه ناحية النافذة , تلك التي كانت تقف فيها الراحلة كل صباح تنظر بصمت وكأنها تنال جرعتها من منظر الأشجار والعصافير المحيطة بهم قبل أن تنشغل في تفاصيل يومها .
    نظر ناحيتها ولاحظ بخار ماء قليل جداً على النافذة وكأنه أنفاس لشخص ما , حاول مسح الزجاج واكتشف أن هذا البخار من الخارج لا من الداخل.
    لم يعير الأمر اهتماماً وانشغل وقته ما بين المنزل والعمل بالطبع كان هناك أوقات يضطر فيها للذهاب لوالدته وترك ابنته لديها ليوافق مواعيد عمله , إلا أنه نجح في التوفيق بينهم ومراعاة الإثنان . كان دائماً يخاف أن تُصر والدته على أن يتزوج بأخرى إلى أن طمأنته بأن لا رغبة لها في ذلك أبداً . ولا تريد لأخرى أن تحل محل زوجته وأنها ستكون عوناً له في حياته . كم كان فرِحا بهذه الكلمات .
    تكرر وجود بخار الماء على النافذة كثيراً إلى أن اعتاد رؤيته كل صباح , كان لا يدري يقينا من أين يأتي هذا البخار إلا أنه كان يعتبره أنفاس زوجته الطيبة تراقبهم بحب , كان هذا اعتقاده الذي لم يصارح به أي أحد خشية أن يتهموه بالجنون ولكن بين ضلوعه كان يشعر بها .
    وكيف لا تكون هي وحينما يكون خائفاً حزيناً يأتي إلى النافذة فيبكي ليجد الراحَةَ والسكينة . كيف لا تكون هي وحينما يُعنف ابنته لا يجد أنفاسها وكأنها تعاقبه لتعنيفه لابنته . كيف لا تكون هي وقد أقسمت له قبل مماتها أنها يوما لن تتركه وهي التي لا تحب أبداً نقض العهود.
    كم كانت بقعة البخار الصغيرة التي يراها على النافذة عنصر هاماً في حياته لم يفرط في رؤيته أبدا وكأنه يعوض به ما حدث حتى بعدما مرت الأيام وكبرت الفتاة الصغيرة لم ينسى أبداً نافذته .
    واليوم عُرسها وقبل الزفاف كعادته وقف أمام أنفاس زوجته يحكي لها ويشاورها , دخلت صغيرته جنا :
    - هل مازلت تقف هنا يا أبي ؟
    - نعم والدتك سعيدة اليوم وأريد أن أشاركها الفرح.
    - نعم , أنفاس أمي المترقبة .
    - نعم هي لم تفارقني أبداً. والآن اذهبي وانا خلفك حان وقت الزفاف.
    كان يوماً جميلاً . وفي الليل جلس في شرفته يفكر ناظراً للسماء, من آن لآخر تسقط دمعة لا يعلم عنها أحد ولا يلحظها أحد .
    يقينا يومها لم يعرف أنه وبعد عامين وأثناء الصباح ستستيقظ ابنته لتعد القهوة أمام النافذة لتنظر وتجد بقعتين من البخار لا بقعة واحدة وأنها سترتاح لرؤيتها وتنتظرها كما كان يفعل .
    يقينا لم يدرك عند إغلاق عيناه تعباً أن هناك من يراه ويَسعد به ويحاول أن يقابله في الأحلام فقط ليقول كلمة واحدة .
    "وَفيت "
    يقينا وبعد مرور كل تلك السنوات لم يجد من يجيب على سؤاله إلى الآن
    هل يستطيع الأطفال رؤية الأرواح؟
    تمت


    ابتسامة أمل
    الاسم: ريهام حمدي
    دقت عقارب الساعة معلنة العاشرة صباحاً . دقات مميتة بأصواتها المرعبة . طالما كانت تخشاها عندما كانت تمر ليالي تقضيها وحيده . كثيرا ما طالبت بتغيير الساعة لأن صوتها بالفعل عالي ومرعب.
    والآن فتحت عيناها . للحظة لم تستوعب في أى يوم كانت هي . للحظة لم تدري لماذا يؤلمها قلبها. للحظة استنكرت احساس غريب . كأن هناك ثِقل ما على صدرها . صخرة عظيمة لا تتحرك. لماذا هذا الألم؟
    وفجأة . وكأن قطاراً سريعاً صدمها . تداركتها الأحداث كلها مرة واحدة بلا هوادة . بلا رحمة . وكأن شخصاً أتى بملحِ ووضعه على جرح مفتوح مرة واحدة .
    كل شيء أصبح جلياً الآن . كل شيء أصبح مُفسراً . أحداث الأمس المرعبة . مكالمة الهاتف التي حولت كل شيء إلى خراب. والخمس كلمات: البقاء لله توفى زوجك اليوم.
    لم تذرف عيناها دمعة واحدة. إلى الآن لا تعرف لماذا. جل ما تعرفه هو ذلك الشعور المميت وكأن أحداً قد أمسك قلبها واعتصره.
    لم تراه إلا حينما ذهبت لاستلامه من المشفى . لم تعلق بأى كلمة حينما أخبروها أنه قد مات مدافعاً عن بنت صغيرة . لم تريد سماع أي تفاصيل عما حدث. لا شىء سيغير طبيعة الحاضر . لا شىء سيزيل ذلك الشعور من قلبها .
    كل ما تعرفه هو انتظارها لعودته من السفر . ومكالمة منه عن مكانه الحالى والوقت المتبقي ليصل . ثم أحداث كئيبة متلاحقة انتهت بعودتها بدون رفيق عمرها . انتهت بعودتها بظهر مكشوف . انتهت بعودة جسد بلا روح. تيقنت أنها تركت شيئاً ما معه. شيئاً ما دُفن معه . شيئاً ما خرج من قفصها الصدري ودُفن بجواره.
    استيقظت بحجرِ مدبب الأبعاد يتحرك في قلبها غارساً أسنانه الحادة كلما تحركت شعرت بوخزة . كلما قامت أو جلست أثبت وجوده بألم رهيب.
    لم يتوقف هاتفها عن الرن . الكل يريد أن يطمئن عليها . الكل يسأل عن موعد إقامة العزاء . الكل يرغب فى مكوثها عنده .
    وكان الرد واحد. بوجه جامد لا خطوط فيه . وصوت ثابت غير متقطع . وبلا أى دموع . كانت تجيب بأنها لن تترك منزلها لأى سببِ كان . ولا تستطيع أن تقابل أى شخص فى هذا الوقت .
    مكالمة واحدة كانت من ظابط شرطة أخبرها أن عليها أن تحضر ليتمم المحضر وترى من تسبب فى موت زوجها بالخطأ.
    أى خطأ يتكلم عنه؟ ذلك الرجل قتل إثنان وليس واحد. قتل روحان وجسد .
    لم تقرر إذا كانت ستذهب أم لا . في الوقت الحالي لا تريد أى شيء . سوى النوم . ذلك الهروب الجميل من الواقع . ذلك الوقت الذي لا يعمل فيه عقلها . راحة أن يتوقف عقلها عن التفكير . منتهى أملها .
    لأسابيع لم تفعل سوى أن تنام وتستيقظ لتنام مجدداً . لأسابيع اعتزلت الجميع عدا والدتها التي كانت تتصل بها يوميً باكية وتجعلها تُقسم أنها تأكل جيداً وكانت بالفعل تأكل حتى تتركها والدتها دون أن تأتى إليها . لم ترغب سوى في فترة حداد . لم ترغب سوى أن تُترك لحالها . لم ترغب سوى فى الإبتعاد.
    عقلها مازال لا يستوعب ما حدث . صدمة لم تفكر فيها أبداً . بعد فقدانها لوالدها منذ سنوات حاولت التظاهر بالصلابة كي لا تتأثر أمها . أين هى من تلك النصائح الآن؟ أين هى من كل تلك الكلمات التي كانت تلوم بها أمها؟ سواد اللبس . قلة الطعام . استرجاع الذكريات .
    نفس ما حدث قديماً يتكرر . دائرة مفرغة وهي بداخلها تدور . تتكرر نفس الكلمات آلآف المرات في اليوم الواحد . تتذكر كلماته مازحاً . مداعباً. غاضباً . حنوناً. جائعاً .غيوراً. مثقلاً بالهموم.
    لم تصاحب خلال هذه الفترة سوى الساعة المرعبة. دقاتها تدق في جدار قلبها . أحبت الشعور بالخوف منها فقد كان ذلك هو الشعور الوحيد الذى يدل على أنها مازالت حية وتشعر . ثم إن زوجها لم يكن ليرغب في التخلص منها على كل الاحوال .
    مر حوالي أربعون يوماً للآن . وجاءت أمها طارقة الباب. لتستجيب بعد وقت طويل وتفتح لها الباب.
    - مرحبا أمى .
    - مرحبا ابنتى .
    ارتمت في أحضان والدتها التي انفجرت في البكاء . وأخذت توبخها على هزال جسدها وانعزالها . وكلام كثير . لم تسمع منه سوى ربعه ولم تعقل منه شيء.
    قررت الأم المكوث معها فترة من الوقت . لاحظت فيها أشياء كثيرة . علامات عليها ظاهرة. وأخيرا قررت الذهاب بها إلى طبيب نساء . وحدث مالم يكن في الحسبان.
    مبروك . هديل حامل.
    لم تستوعب هديل في البداية أي شيء ولكن أمها عادت بها إلى المنزل بفرحة كبيرة وسرور .
    أمل جديد طالما رغبت فيه وسعت إليه وشاء الله أن يتحقق الآن .
    الآن فقط ؟ ولِم الآن يا أمى ؟ ولماذا وهو ليس معي ؟
    دق قلبها مجدداً وشعرت مرة أخرى . هذه المرة أيضا بالخوف ولكن ليس من الساعة الكئيبة . الخوف على ولدها حتى يأتي . والخوف أكثر عندما يأتي . ولكنها ولأول مرة كانت سعيدة لأنها تأكدت بوجود قلبها مكانه . أكاد أقسم أنها لم تكن متأكدة من قبل .
    مرت الأيام سريعا وعلمت بنوع المولود . أقصد المولودين . الإثنان ذكور. كم كان ليفرح زوجها بهم . كم كانت لتكون سعادته.
    حان الوقت لاستقبال إياد ومعاذ أحضرت أمها الطبيب في البيت . وكل شىء تم فى عجالة ويسر . وحينما انتهت ورأتهم لأول مرة . كل شيء رأته أمامها مجدداً .
    الآن فقط انفجرت في البكاء عليه . الآن فقط انهمرت الدموع الجامدة . الآن فقط أمسكت مطرقة وكسرت الساعة المخيفة. الآ فقط صرخت بأعلى الصوت على زوجها . الآن فقط احتضنت جزءاً منه. جزءاً لذيذاً صغيراً يبكي . جزئين في الحقيقة.
    ولأول مرة شبه ابتسامة على وجهها . ابتسامة أمل ممزوجة بالخوفِ والحبِ . حزن مغلف بفرحِ لذيذ . خوف مغطى بإصرار على الصمود. ضحكة ممزوجة بدمعِ حارق . ودمعة ممزوجة بنظرةِ حب.
    تبدلت الأمور كثيراً بعد ذلك . كانت أمها خير عون لها . بقى شيء أخير مازال عليها القيام به . اتصلت بمحامي ليتقصى ما حدث لقاتل زوجها وأحضرت إذن لتراه.
    ذهبت ولأول مرة رأته واقفا متساءلاً من أنتِ؟
    لم ترد . وأكتفت برؤيته. وذهبت .
    فى ذلك المساء لم تستطيع النوم . ولكنها نظرت لنجمة فى السماء وأسمتها على زوجها . معاذ.
    تمت


    أصنام جهل
    الاسم: ريهام حمدي
    أنت لست فاشلًا إلا إذا انتهيت من كل محاولات نجاحك . وكل يوم جديد به محاولة جديدة , لن تنضب محاولاتي حتى أنجح.
    بهذه الأفكار نشأت ألينا في إحدى البلاد بالقرب مِن الهند حيث مازالت بعض القرى تملؤها أخلاق الجاهلية وتتحكم فيها عادات من شأنها طمس أجيال بأكملها وتدميرها .
    شباب تنشأ على الحد من دور المرأة في مجتمعاتها بل وبعضهم يقومون بوأدهم أحياء . فلا حق لهم في التعليم وهذا ما لم تقبل به أبدًا ألينا .
    أسوأ شيء أن تعيش مَسلوب الإرادة في مجتمع لا يقبل سوى أن تعيش كما يعيش الجميع وأن ترضى كما يرضى البقية , إن لم تكن مِثلهم فعليهم تدميرك ومحاربة أفكارك.
    منذ أن أصبح عمرها أربعة عشر عامًا علمت بأنها ليست مثل باقي البنات من جيلها . ليست ممن يفكرون في الزواج في سن صغير أو ينشغلن بأعمال ليست من أهدافها .
    كان أكبر همها هو مصارحة أهلها بما تُريد . اختارت والدتها للجوء إليها والتوسل على عتبة قلبها لعلها تتفهم وتستجيب.
    - أمي . أريد أن أصارحك بشيء هام.
    - تفضلي عزيزتي . ماذا تريدين ؟
    - أريد أن أتعلم . أن أكتب و أقرأ.
    - ولكنك تستطيعين بالفعل كتابة اسمك وبعض الكلمات .
    - ولكن ذلك أبدًا لا يكفي .
    هنا أغمضت الأم عينها لبعضٍ من الوقت . لا أعلم فيما فكرت أو ماذا استرجعت من ذكريات . كل ما أعرفه هو سقوط دَمعة غالية على وجنتها شرحت فأوجزت وكَفت .
    - اسمعيني ابنتي الغالية . إني لن أسمح بتكرار ما حدث معي . اذهبي إلي عائشة . صديقتي التي تعرفيها وهي ستقوم بكل ما تحتاجيه .
    ولكن حذاري أن يعرف أحد بما جرى .وأنا سأتولى الباقي.
    فرحت ألينا كثيرا وبالفعل ذهبت إلى عائشة ,التي استقبلتها خير استقبال وبدأت تُسقيها من العلم وتَرتوي مِن ذكائها .
    مَرت الأيام . كانت الأم تبرر غياب ابنتها على أنها أرسلتها للعمل مع عائشة ببيتها ومساعدتها بمقابل مادي . ولم يعترض الأب على ذلك فالقرية بأكملها ترضى بمثل تلك الأعمال للفتيات صغار السن .
    حتى أن الأم كانت تقترض من زميلاتها بعض الأموال لإعطاءها للأب حين يسأل عن المقابل . وكثيرا ما دفعت عائشة مبالغ بالفعل عن رضا منها . لعِلمها بقسوة الأوضاع ولحرصها الشديد لإتمام ما بدأته مع ألينا .
    طوال ثلاثة أعوام قرأت فيهم ألينا أكثر من ألفي كِتاب وتَعلمت في شتى المجالات حتى تغيرت رؤيتها وزاد جَمالها الداخلي . أصبحت الآن أنضج وأقل تعصبًا حتى لو كانت على صَواب وأصبحت طيبة حتى على والدها قاسي القلب , تفهمت أنه ليس قاسيًا كما كانت تراه والتمست له أعذار أهمها الفقر والتربية التي نشأ عليها ولم يقف ليسأل عن صحتها .
    - شاء القدرُ أن يموت الأب تاركًا ألينا وأمها وَسط بِركة من الدموع والأحزان .
    وفي يوم كانت ألينا تفكر وكعادتها قررت وذهبت لأمها :
    - أمي . الآن أريد أن أطلب منك شيئا .
    - إن ما ستطلبينه أعرفه جيدا . أعرف أن مكانكِ ليس هنا . وأعرف أنكِ تريدين الرحيلَ للمدينة . وبالرغم من جهلي فأنا أستطيع أن أقرأ عيناكِ جيدًا . تريدين التقدم إلى الجامعة . ترغبين في المزيد .
    نَظرت ألينا إلى الأرض ولكن لا سبيل آخر أمامها , كلام الأم صحيح ومن بدأ شيئا فعليه إتمامه , وبمباركة من الأم رغم دموعها القاتلة وبمباركة من عائشة , الأمُ الثانية لها , رحلت ألينا إلى المدينة تاركة قلبان يخفقان وقرية مليئة بمتربصي الخطأ وأعداء التغيير . حتى وإن كان للأفضل .
    على مدار أربعة أعوام عاشت فيهم الأم مُلامة من الجميع , البعض اكتفى بنظراتِ ثاقبة والبعض تطاول بقبيح الكلام وكثير تجنبها وتجنب حتى أن يبيع لها السلع في الأسواق . وكأنهم يخافون على بناتهم منها . وكأنهم يحاربون وجودها كَبثرة نبتت في وجه أحدهم لا يريد إلا اقتلاعها كي يرتاح . لم تجد غير عائشة بجانبها , صديقتها الوفية التي لولاها ماكانت حققت كل ما وصلت إليه . حُلم تاه منها في الصغر فرأته يتحقق في ابنتها . بسمة اختفت من وجهها قديما لتراها بقلبها ترتسم على وجه ألينا .
    ليست كل الدموع دموع حُزن كما قد يخفي الابتسام الكثير من الألم
    إن ما قرأته عزيزي القارىء ليس من الواقع ببعيد . وبالرغم من أن التغيير اقتصر على أسرة أو أسرتين إلا أني فخورة بصديقتي الغالية :
    ألينا . وابنتيها عائشة و أليشا . وقد أصبحت مُعلمة ومُربية أجيال, بقوة إرادة منها وبطولة من والدتها لتتحدى الواقع وتهدم أصنام الجهل وتصنع مستقبلها بيدها لا بأيدي ثقافات وعادات كانت ولا تزال وصمة عار على معتنقيها .
    تمت


    بطاقة الكتاب
    -----------------------------------------------------------------------
    عنوان المؤَلَّف : بين الواقع والخيال
    المؤلِّف : الكاتبة / ريهام حمدى إسماعيل
    التصنيف : أمحموعة قصصية
    رقم الإيداع :
    عدد الصفحات : نشر بمنتدى جمعية إبداع الثقافية
    رقم الإصدار الداخلى : 2020/354
    تاريخ الإصدار الداخلى : 10 / 2020 الطبعة الأولى
    -------------------------------------------------------------
    جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للشاعر، ولا يحق لأى دار نشر طبع ونشر وتوزيع الكتاب الا بموافـقة كتابية وموثـقة من الشاعـــر


    المجموعة القصصية : ما بين الواقع والخيال  بقلم: ريهام حمدي  رقم الإصدار الداخلى 2020/354 أكتوبر 2020 Oa11

    ريهام حمدي اسماعيل يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 6:39 pm