منتدى جمعية إبداع الثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي ثقافي يعتمد علي الشعر و الأدب و الغناء


    رجلان .. وامرأة "مجموعة قصص.." بقلم فيصل خشافة( اليمن ) رقم الإصدار الداخلى 2020/367 نوفمبر 2020

    السيد صابر
    السيد صابر
    Admin


    المساهمات : 391
    تاريخ التسجيل : 18/05/2020
    العمر : 56

    رجلان .. وامرأة         "مجموعة قصص.."   بقلم  فيصل خشافة( اليمن ) رقم الإصدار الداخلى 2020/367 نوفمبر 2020 Empty رجلان .. وامرأة "مجموعة قصص.." بقلم فيصل خشافة( اليمن ) رقم الإصدار الداخلى 2020/367 نوفمبر 2020

    مُساهمة من طرف السيد صابر الأحد نوفمبر 01, 2020 5:12 pm

    رجلان .. وامرأة         "مجموعة قصص.."   بقلم  فيصل خشافة( اليمن ) رقم الإصدار الداخلى 2020/367 نوفمبر 2020 Yaa_ii10

    ( رجلان ..وامرأة )
    (مجموعة قصص)

    بقلم
    فيصل خشافه
    ===========================================================

    نيران الإغتراب.
    " جريمة بشعة تهزّ أركان المجتمع اليمني ..مراهق يقتل والديه ، بدافع
    الشرف..! "
    يعيد قراءة تفاصيل هذه الحادثة مراراً وتكراراً ..
    ثم يطلق العنان لضحكاته تارة ، ودموعه تارةً أخرى..
    ولا يلبث أن يضع قصاصة الجريدة التي تحوي تفاصيل الحادثة بين دفتي كتاب
    بجواره ، ويخر على وجهه فوق فراشه منهاراً شبه مغشياً عليه..
    ليفيق بعد لحظات على وخز إبرةٍ في ذراعه تخرجه من حالته التي دخل فيها منذ سنةٍونصف تقريباً ، إثر قيامه بهذه الجريمة الشنعاء ، والتي نفذها دون أن
    يعلم شيئاً عن حقيقة الموقف بين والده ووالدته..
    ينظر الى الطبيب الذي حقنه نظرةً زائغة ، ثم يغمض عينيه ليستعيد تفاصيل تلك الحادثة التي سببت له مرضاً نفسياً أصبح إثره على شفير الانهيار..
    خصوصاً بعد أن قامت المحكمة بالعفو عنه من جريمته التي اقترفها بحق أقرب الناس إليه ، دون وعي أو إدراك ، وفي غياب جزء كبير من الحقيقة التي كان يجهلها..
    وبعد تدخل كافة أسرته_ أو بالأصح ما تبقى منها_ لتخفيف الحكم عليه ، لأنه
    كان وحيد والديه ، وكان يجهل حقيقة الرجل الذي قتله مع أمه ذلك اليوم..
    بالإضافة الى إندفاعة الشباب المراهق وطيشه..
    كل ذلك جعل المحكمة تصدر قراراً بالعفو عنه..
    وكم كان يتمنى أن يُلحقوه بوالديه ، لكي تنتهي عذاباته ومعاناته التي أوصلته
    الى حافّة الجنون..!
    عاد بذاكرته الى الوراء ..
    الى ذلك اليوم ، حيث كان عائداً من مدرسته ، في قريته النائية التي اشتهرت
    بكثرة مغتربيها ، وطول فترة بقائهم في بلدان الاغتراب..
    وكان أباه أحد هؤلاء المغتربين ، الذين أطالوا في غربتهم حد أنه لا يعرف شكل
    والده ، الذي غادرهم وهو لا يزال في بداية ربيعه الخامس..
    كما أن والدته لم تكن تحتفظ حتى بصورة " فوتوغرافية " لوالده..
    فنشأ وترعرع حتى وصل سن المراهقة ، وهو لا يعلم عن أبيه شيئاً سوى انه في
    الغربة ، وأنه لن يعود قبل مرور عشر سنوات على الأقل..!
    كان كأنه يتيم الأب ، يتمنى أن يتعرف على والده..
    يريد أن يتذوق شعور أن يكون بجوار والده كبقية أصدقائه..
    تذكر عندما تم تكريمه في المدرسة ، وأن كل أقرانه حضروا برفقة آبائهم ، وكانوا فخورين ، إلا هو ، لم يأتي معه أحد ..
    لشدّ ما كان يؤلمه ذلك ، لكنه تعود على عدم وجود أبٍ في حياته ، وعاش مع والدته على هذا الأساس..
    وفي ذلك اليوم المشئوم ، كانت قد مرّت تسع سنوات لم يرَ فيها والده ، أو يسمع
    بأخباره..
    وبينما هو يدلف ، عبر باب البيت ، الى الداخل سمع صوت ضحكات متعالية مصدرها أمه ، تنبعث من غرفة نومها ، وصوت شخص ما يداعبها ويلاطفها ويبادلها الضحكات..
    شعر أن الأرض تميد به.. وأن قدماه لا تكادان تحملانه..
    _ لا يُعقل هذا..!!!؟
    أخذ يردد في نفسه..
    _ أمي رمز الطهارة والنقاء..! .. أيمكن أن تفعل ذلك..!! ؟
    لا ..لا ..لا أصدق هذا..!!!
    حاول طرد هذا الهاجس من رأسه..
    اقترب أكثر ليتفاجأ أن شخصاً ما مع أمه في سريرها..!!!
    إرتدّ كالمصعوق..
    زاغ بصره..
    وتلاحقت أنفاسه..
    وضاقت عليه الأرض بما رحبت..
    _ يا إلهي .. هي الحقيقة إذا..!
    تردد صدى الكلمات في قلبه كصوت الطبول ..
    أحس بالإختناق..
    كاد يُجن..
    لم يشعر إلا وهو يتجه الى جدار ردهة المنزل ، ليتناول بندقيةً آليةً ثم يندفع الى غرفة نوم والدته ، ليفرغ خزانة البندقية بكل ما فيها من رصاصات في الجسدين الممدين على السرير..ونظرات أمه _ التي كانت وكأنها تريد ان تقول شيئاً _ كانت آخر ما رأت عيناه ..قبل أن تلفظ أنفاسها..
    وقبل أن يسقط هو مغشياً عليه..!!!

    " انتهت "
    السياني،، ١٦ _ يونيو _ ٢٠٠٧
    ===============================================================
    الرجال الذين قالوا.. " لا ".
    دوّت أصوات أجراس الجمع في أرجاء المعسكر المترامي الأطراف ، والذي يعد من أكبر المعسكرات في تلك ( الجمهورية الملكية ) من حيث عدد أفراده..
    فهذا المعسكر وغيره من المعسكرات ، أُنشئ أساساً لغرض إمالة كفّة الحزب الحاكم في الإستفتاءات والانتخابات الشكلية ، التي تقيمها الأحزاب الحاكمة في بلدان العالم الثالث ، بغرض إلهاء الشعوب وزرع الفتن بين أبناء البلد الواحد ، ومن جهة أخرى ليثبتوا للعالم المتقدم أنهم بعبقريتهم الفذة وسياساتهم الفريدة _ التي لا ينافسهم فيها الا الديك في مزرعة كلها دجاج _ يثبتوا لهم انه باستطاعتهم تفصيل ديمقراطية _ عالم ثالثية _ على مقاس شعوبهم التي لم يكتفوا بتصنيفها ثالثاً ، بل انها تتهاوى في هوّةٍ ليس لها قرار..!
    المهم ان الجند إثر سماعهم لهذا النداء انهالوا على ساحة الجمع الرحبة ، من كل حدب وصوب ، كأنهم جرادٌ منتشر..
    انتظمو في صفوف متتالية أمام منصة العرض التي انتصب قائد المعسكر واقفا عليها ، وحوله قادة الكتائب والأركان والمسؤلون في هذه الثكنة العملاقة..
    بعد أن حياهم خطب فيهم قائلا:
    _ تعلمون ان الاوضاع في البلد غير مستقرة ، بعد وفاة الرئيس السابق وتعيين نجله رئيساً للبلاد ، للحفاظ على استقرار البلد وحمايته من التمزق او الدخول في حرب أهلية لا يعلم الا الله ما ستنجم عنه ..
    كما أن الأعداء يتربصون بنا الدوائر ، ويشككون في شرعية الرئيس الجديد ، وينتظرون سنوح الفرصة لينقضوا على هذا الوطن المعطاء ..
    وطن الآباء والاجداد ، ليعيثوا فيه الفساد ويشعلوا نار الفتن..
    لذا قرر سيادة الرئيس عمل استفتاء شعبي ، ليثبت للعالم شرعيته وأحقيته بمنصبه الذي منحه له الشعب ، فهو من الشعب والى الشعب ، ولا همّ له العمل على رقي وتقدم هذا الشعب الأصيل المعدن والكريم المحفد..
    إذا فما عليكم _ عرفانا بالجميل _ إلا خوض هذا الإستفتاء والتصويت بنعم للرئيس القائد ، نصير المظلومين ورمز عزتنا وكرامتنا ، والآخذ بأيدينا الى مستقبل مشرق..
    مالم فإن طامةً كبرى ستعصف بهذا المعسكر ، وعاصفةً هوجاء ستقتلع ثكناته وخيامه وترمي بجنده الى قارعة الطريق ليكونوا طعاماً للسباع..
    هذا وقد أعذر من أنذر..!
    قالها وصرف الجنود بعد أن أدّوا التحية العسكرية ، ثم اتجه بصحبة ثُلّة من القادة المقربين الى مكتبه ليتناقشوا في هذا الموضوع..
    قال ركن التوجيه المعنوي في المعسكر:
    _ لقد نفذنا التعليمات بحذافيرها ، والمسئولية الآن ملقاة على عاتقنا ..
    فالإستفتاء سيكون غداً ، والمطلوب أن نصوت بنعم لأننا لنا ثقلنا وتأثيرنا على مجريات الأمور..وإلا فالويل لنا..!
    التفت قائد المعسكر ناحية القادة من حوله وقال:
    _ لا عليك ..نفذوا التعليمات وحسب..هيا ..كلٌ يذهب الى كتيبته لينجز المطلوب منه ، ويضمن نجاح الإستفتاء على الوجه الأكمل..
    انطلق الجميع الى كتائبهم ، وبقي القائد وحيداً يفكر في هذا الأمر الذي يجب أن يخوضه ويعلن الولاء المطلق للرئيس الجديد ، من خلال التصويت ب " نعم" للرئيس ، فالمسؤلين يعولون عليه في إخضاع الجند لمشيئة الرئيس ، فبضمانه الأصوات داخل المعسكر ، فإنهم سيضمنوها خارج أسوار المعسكر بكافة وسائلهم وأساليبهم المشروعة وغير المشروعة..
    حزن كثيراً لحالة الشعب المغلوب على أمره ، والذي يُورّث كالمتاع من الرئيس لنجله ، والمتجرع للغصص الواحدة تلو الأخرى بصبرٍ وخضوعٍ عجيبين ..!
    فعزا ذلك للجهل والقهر وعدم الوعي..
    فأنّبه ضميره وشعر ان عليه دَيناً لهذا الشعب الصابر المحتسب ، ويجب عليه ان يرد ولو جزءً من دَينه ، لان لديه وعياً وبقايا من ضميرٍ مستتر..!
    لذا أبرم في قرارة نفسه أمراً استقر عليه ، فأغلق جفنيه ثم نام استعدادا للإستفتاء صبيحة اليوم التالي..
    كل تلك الأفكار والهواجس دارت في رؤوس قادة الكتائب كلٌ على حده ، وهموا بأشياء أضمروها لوقتها..
    مع شروق شمس اليوم التالي كان الجميع يتأهبون للإدلاء بأصواتهم ..
    وعندما حانت ساعة الأستفتاء كان أول جندي داخل " كابينة" الإقتراع يحدث نفسه :
    _ لماذا لا أقول " لا " وأعيش لحظة واحدة ، من لحظات حياتي ، أمارس فيها حريتي ..
    أُدلي بصوتي بمحض إرادتي ، دون ضغط أو إكراه..
    لا ضير فصوتٌ واحدٌ لن يؤثر حتماً في نتيجة الإستفتاء المحسومة مسبقاً ، فهو كذرة رمل في صحراء ..!
    * * *
    بعد الانتهاء من فرز الأصوات ، وظهور النتيجة ، إنطلق ركن التوجيه الى مكتب القائد مهرولا ، وهو يندب ويلطم كالنائحات والثكالى ويصيح مولولا :
    _ سيدي ..إنها لعمري نكسة النكسات..وكارثة الكوارث..!
    صاح فيه قائده وقد انتفض من مقعده قائما:
    _ ما بك يا رجل ..ماذا جرى..!!؟
    رد عليه بصوت كالبكاء :
    _ لم يصوت أحد بنعم للرئيس ..المعسكر بأكمله _ وعن بكرة أبيه _ صوت ب" لا " ..قُضي علينا ..انتهى أمرنا..
    * * *
    ورغم كل ذلك فإن الرئيس أعلن فوزه بنسبة كبيرة جداً ..
    حيث استطاعت قوى الفساد والتزوير أن تضمن النجاح خارج أسوار المعسكر ، الذي خيب ظن الجميع ..
    وبالرغم من ذلك أيضاً لم تزور نتيجة المعسكر ، بل أُعلنت كما هي من قبل الهيئة المختصة بالاستفتاءات والانتخابات ، وبمباركة الحكومة التي رأت أن هذا الموقف ، من قبل أفراد المعسكر _ قادةً وأفراداً _ لم يكن بتحريض من المعارضة التي تحتاج الى التذكير دائما بأنها معارضة..
    لأنه ليس لها من المعارضة سوى الإسم..!
    فهي منشغلة بالصراع بين فصائلها تارة ، والتسكع أمام أبواب الحزب الحاكم لعرض خدماتها عليه وتزيين وجه النظام القبيح تارة أخرى..
    ولأن هذا المعسكر كان عبارة عن دائرة مغلقة خاصة بالحزب الحاكم..
    وكانت نتيجة هذا الموقف ان تحول المعسكر الى ساحة لتصفية الحسابات ، ودفع ثمن قول كلمة " لا " .
    أما هيئة الاستفتاء والانتخاب فقد أعلنت نتيجة الاستفتاء ..
    حيث هبط المعدل درجةً واحدة في جميع الخانات المكونة للنسبة الخالدة " ٩٩'٩٩" معلنةً _ ولأول مرة في تاريخ ديمقراطيات العالم الثالث _ فوز الرئيس ( الملك) بنسبة " ٨٨'٨٨" بالمئة ..
    بفضل رجال ٍ قالوا كلمة " لا ".
    " انتهت "
    السياني.. ١٢_ مارس _ ٢٠٠١
    ================================================================
    رجلان وامرأة.
    ( نشرت في صحيفة الثقافية اليمنية)

    كانوا ثلاثة _ رجلان وامرأة _ يعملون كممرضين في إحدى مستشفيات المدينة..
    الاول كان ( علي ) يعتبر زير نساء ، لكثرة علاقاته الغرامية وانكبابه حد الغرق ، في جحيم من القبل كما يقول موسيقار الأجيال ( محمد عبدالوهاب) ، وتقلبه في جنان بطائنها من شفاه ، رغم أنه متزوج..
    وكان يعاقر الخمر ويعُبّ الكؤوس مع الندامى عباً ، كما أنه لا يحل حلالاً أو يحرم حراماً ، وبالطبع لم يكن لِيُفلت صيده الثمين _ زميلته الممرضة( نرجس) _ لأنه بذلك سيكون قد أهمل في دروسه الماجنة ، وكسب سخط أستاذه العظيم إبليس ..
    فزميلته ( نرجس) كانت بمثابة الفتنة المجسدة ، ببشرتها البرونزية وجسمها الممتلئ دون إفراط ، وصدرها المكتنز ونظراتها الممتلئة جوعاً وحرماناً ..
    فقد عرف أنها مطلقة ولديها طفلة وأبوين تعمل لإعالتهم ، مما استثارحماسه وألهب خياله ، وسرعان ما نسج الشيطان حباله بينهما لتنضم الى قائمة عشيقاته اللاتي لا تنتهي ولن تنتهي ..
    أما ثالثهم فكان ذلك الشاب الهادئ الخجول الملتزم ( سهيل) الذي كانت أُذناه تحمرّ خجلاً كلما ألقت عليه ( نرجس) تحية الصباح ، فكان يرد تحيتها وهو منبهر الأنفاس مختلج الفؤاد لفتنتها وسحرها ، إلا أنه كان يحاول جاهداً إخفاء رغبته ومشاعره نحوها..
    كان من ذلك النوع المصاب بالحرمان لسنين طويلة ، تتقادم به السنون وهو لم يتزوج بعد ، ولم يذق طعم امرأة أو يشم رائحتها في حياته ، إذا استثينا أمه طبعاً.
    كانت الرغبة تعربد بين أضلاعه ، وتكوي أحشاءه عندما يراها ، إلا أنه يملك زمام نفسه ليبدو أمامها وكأنه مثال على الطهر والاستقامة والعفة ..
    نعم هو كذلك لكن سنوات الحرمان في انتظار الزواج الذي تأخر ، بالإضافة الى ذلك الجسد الأُفعواني الملفوف والممتلئ شبقاً حتى أطرافه
    بدءا في تحطيم ذلك السياج من الورع والتقوى المحيط بشخصيته..
    كانت لا تفتأ تبارح مخيلته كل ما اختلى بنفسه ليلاً أو نهاراً ..
    وكان مما يزيد ناره استعارا أنه كان على علم تام بما يدور بين ( علي) و( نرجس) من أدق التفاصيل ، وما أدراك ما أدق التفاصيل في خيال شاب ٍ محرومٍ من حنان امرأة .
    فزميله ( علي) كان يخبره بكل شيئ ، ويصف جسد ( نرجس) قطعةً قطعة ، مما يُلهب خياله ويزيد في ولعه وحرمانه..
    فكان يعرض عليه الدخول الى سوق الهوى والمتعه فيأبى ويقول :
    _ معاذ الله .. إني أخاف الله .
    إلا أن كل ذرة في كيانه كانت تصرخ بالرغبة والإشتهاء ..
    وكان عندما يخلو بها في غرفة الإستراحة ، ولم يعد من ثالث لهما سوى الشيطان ، كانت تحدثه عن حياتها الخاصة وأسرتها الصغيرة ، وهي جالسة بجواره وأطراف ثوبها تلامس أقدامه وأنفاسها تلفح وجهه ، وهو يشم عبير عطرها الفواح فيكاد يخرج عن طوره ، فينهي الجلسة بشكل فظّ قبل أن يتصرف تصرفاً طائشاً يخرجه عن إطاره الذي حجّم نفسه فيه .
    _ يا الله ..
    كم يعيد تكرار مثل هذه المشاهد في رأسه عندما يأوي الى الفراش في مساءاته التي تتطاول حتى لا تكاد تنقضي ، وهو هائم في أحلام اليقظة ، يفكر في تلك الحسناء التي سلبت عقله وخلبت لُبّه .
    كان الصراع على أشده بين ملاكه وشيطانه ، فكان يستسلم أحيانا لشيطانه ويقرر أن يذهب في الغد ليلقي بنفسه بين أحضانها ، فيحدث ما يعكر تلك النية وتلك الرغبة ، فيعود وقد ثاب الى رشده ليحمد الله أنه لم يقع بعد في المحظور.
    ذات صباح تلقى زميله ( علي) نبأً سيئاً مفاده ان صديقه وشريكه في مغامراته ومتعه ، قد لقي مصرعه وهو في قمة شبابه ، فتلقى ( علي) الخبر كصاعقة هزت كيانه وزلزلت الأرض من تحت قدميه ، وكانت هذه الحادثة هي نقطة تحول في مصير ( علي) غيرت مسار حياته ، فقد ترك العمل في المستشفى وعاد الى قريته ليعمل في مركزٍ صحيّ بعد أن تاب وآب ، وهوكذلك يعلم أبناء قريته القرآن .
    أما ( سهيل) فالأمر لم يُعنهِ بشيئ ، وكأن موت صديق ( علي) يخص ( علياً ) فقط أما هو فالأمر لا يخصه من قريب أو بعيد ، فلقد بدأ الشيطان يلقي حبائله في طريقه ، وجذبه الى أحضان ( نرجس) بعد أن خلى له الجو بابتعاد ( علي).
    أصبح الان أكثر جرأة في التعامل معها والإقتراب منها ، أما هي فقد لاحظت تحوله بعد أن نجحت في طباخته على نار هادئة طيلة الفترة السابقة..
    وأخيراً دخل جنتها ، وهو ظالمٌ لنفسه ، بعد ان ظل لمدة سنةٍ كاملةٍ واقفاً على بابها يتردد في طرقه ..
    وفي ذلك المساء الذي احتفلت فيه الشياطين بذلك العضو الجديد المنظم ، كان
    ( سهيل) يغادر شقة ( نرجس) بعد أن ذاق _ ولأول مرة _ طعم الحب المحرم ، وودع _ إلى الأبد _ حياة الحرمان التي ظل يكتوي بما يتصور أنه نارها ..
    وانطلق عبر الشارع وهو يلتفت الى الشرفة التي كانت تحتلها ( نرجس) وهي تلوح له بأناملها ، وابتسامة واسعة تكلل وجهها ..
    ابتسامة ظفر بشخص كان لها شرف افتضاض "عذريته" ، واكتشاف فحولته..!
    كان يبادلها الإبتسامة عندما رأى ملامح وجهها تتبدل بسرعة الى ارتياع وجزعٍ شديدين ، ثم سمع صرختها التي رددتها الشوارع الخالية في تلك الساعة من الوقت ، وكان هذا آخر ما سمعه عندما اصطدمت به سيارةً مسرعة ، قذفت به ثلاثة أمتار في الهواء قبل أن يرتطم رأسه بجدارٍ مجاورٍ فارق على إثره الحياة..
    ..........................................................................................................
    ( نرجس ) تعمل الآن في جمعية خيرية يمتلكها زوجها ، رجل الخير الذي تزوجها بعد أن أُعجب بتدينها وتفانيها في أعمال الخير التي تقوم بها لخدمة الفقراء والمعوزين..
    " انتهت "
    السياني.. ٢٧ _ مايو _ ٢٠٠٤.
    =================================================================
    الرمال الحية.
    " قصة من الخيال العلمي "
    بعد عودتي من أداء خدمتي العسكرية في صحراء الربع الخالي على حدود سلطنة عمان ، لم أجد ما أحمله معي كتذكار عن هذه الصحراء سوى كمية من الرمال ، أودعتها قنينه بلاستيكية أخذتها معي الى قريتي ، حيث كنت تقريبا أول مواطني قريتي تطأ أقدامه هذه البقعة من اليمن ..
    وكانت كمية الرمل التي أخذتها عجيبة بحق..!!!
    فلقد كانت أكثر تماسكاً وأشدّ لمعاناً ، وكأنها بللورات ذهبية لا مجرد ذرات رمل عادية..
    كما أنها تختلف عن الرمال الأخرى بكونها ناعمة للغاية ، ورخوة لدرجة تبدو أن فيها نوعاً ما من الحياة..!
    وكان هذا هو سبب أخذي كمية الرمال كتذكار..وهو غرابتها..
    المهم أنني بعد عودتي الى منزلي ، وضعت تلك الكمية من الرمال في اصيص ، ووضعت فيه نبتة من نبات الزينة ، وأنا أعتقد أنها لن تنمو حتماً ، ولكنني لسبب لم أفهمه قررت خوض التجربة..
    وبدأت أتعهد النبتة بالماء والسماد ، ولشدة إندهاشي وتعجبي فقد نمت النبتة وترعرعت بشكل غير طبيعي او إعتيادي ، وكأنها تنمو في بيئة معدّة خصيصاً لها ، وكنت ألاحظ كثرة إقتراب الحشرات منها ثم إلتصاقها بها وكأن شيئا يجذبها ، وبعدها تفارق الحشرة الحياة..
    لم أُعِر الأمر أهمية في البداية ، إلا أن نمو النبتة الغير طبيعي وتضخمها والتهامها للمزيد من الحشرات وبأحجام مختلفة ، وكذلك نصائح أمي وطلبها المتكرر بأن أنقل هذه النبته الى خارج المنزل في الفناء الخارجي ، جعلاني أهتم أكثر بهذه الظاهرة العجيبة ، فنقلت أصيص النبات الى الحديقة الأمامية للبيت ، وأنا أفكر في هذه النبته التي كانت مجرد نبتة زينة عادية ، يمتلئ بها المنزل ..
    الا ان هذه النبتة بالذات كانت تبدو وكأنها تخفي سراً لا يعلمه الا الله..
    بعد أن عجزت عن تفسير هذه الظاهرة ، تجاهلت الأمر مرةً أخرى الى أن عُدت ذات يوم فوجدت قطتي المسكينة مستلقية بجانب النبتة وقد فارقت الحياة ، وآثار هجوم عنيف تبدو حول عنقها ووسطها فصحت بأمي :
    _ أماه ..من الذي قتل قطتي بهذه الطريقة الوحشية ..!؟
    أجابت والدتي مندهشة:
    _ لست أدري ..ولا يوجد بالبيت أحد ، فأشقاؤك في المدرسة ، وانا منشغلة بإعداد طعام الغداء .والقطة خرجت للتو من المطبخ فلا يعقل أنه تم قتلها بهذه السرعة ..!
    ذُهلت للأمر ، فتركت أمي تواصل حديثها وعدت الى تلك النبتة وأنا غارق في التفكير بأمرها ، وقد شغلت بالي كثيراً ..
    دخلت الى غرفتي أقلب الأمر في رأسي على كل الوجوه ، وانتبهت فجأة الى أن
    الأمر ربما يكون متعلقاً بالرمال العجيبة التي أحضرتها من الصحراء..!
    تذكرت ايضا البقعة التي أخذت منها عينة الرمال تلك ، كانت عبارة عن منطقة منخفضة ، تشبه الفجوة الناشئة من سقوط نيزك على سطح الأرض ..
    وكانت البقعة منتظمة الحواف ، وتختلف كثيراً عن المناطق المجاورة لها ، حيث أنه لا نبت صحراوي فيها ولا زواحف ..
    ربما كانت من أثر نيزك ضرب تلك البقعة يوما ما ، وقد أتت من الفضاء الخارجي وتحمل نوعاً من الحياة البدائية ، بكتريا او فيروسات او أي كائنات حية دقيقة..!
    وأنها في قلب الصحراء لم تجد الوسط المناسب لنموها ..
    وعندما أتيت بها الى منزلي ربما أثرت فيها المياه والرطوبة ودرجة الحرارة المنخفضة والسماد ، فاجتمعت كل تلك العوامل وربما عوامل أخرى ، وأعادت لها الحياة ، فانتقلت الى تلك النبتة وأظهرت فيها كل تلك الظواهر العجيبة ..
    بدأت أرتاح لذلك التفسير ، عندما شقّ مسامعي صوت أحد الأرانب في الحديقة وهو يطللق أصوات عالية ، وكأنها نداء استغاثة ، لم يلبث ان توقف فجأة..!
    فهرعت الى مكان النبتة لأجد أنها قد التفت حول الأرنب المسكين ، وانتزعت منه الحياة ، لتعود ساكنة هادئة وكأن شيئاً لم يكن ..
    فبدأت أخاف وأقلق..
    وقررت أن أتخلص سريعاً من كمية الرمال هذه مع النبتة تلك ، قبل أن تتضخم مشكلتها ويستفحل أمرها ، ولا يعلم الا الله ما ستؤول اليه حالتها..
    فكرت بالطريقة المناسبة للتخلص منها ، وهداني تفكيري الى حرقها..!
    لأنني قرأت أن النار تغسل الشرور..
    وهذا شرٌ مستطير ، قدم إلينا من ماوراء النجوم ، ولا بد من حرقه
    والتخلص منه..
    أخذت الأصيص بما يحويه من نبات ورمال ، كما أخذت جثتي الأرنب والقطة أيضا ، واتجهت الى تنّور حجري قديم في طرف الحديقة ، أضرمت فيه النار ..
    فقد قررت التخلص من كل أثر يمكن ان يبقى ، أو يهدد الحياة والامن على سطح هذا الكوكب ، بعد أن أخذت على عاتقي مهمة تطهير الارض من الخطر القادم من الفضاء ، فقد اعتبرت القضية قضية أمن كوكب وأنني أنا المسئول عنها..!
    ألقيت بالنبتة والرمال والحيوانات الى قلب ذلك التنور المضطرم ، وقعدت أنظر الى النار التي التهمت كل ذلك بشراهة ..
    وأُقسم أنني قد سمعت ساعتها أصواتاً خافتة تنبعث من قلب النار ..
    أصواتاً تعاني آلاماً رهيبة ، وكأنها لشياطين في أعماق الجحيم..
    إرتجفت لهول ما سمعت الا أنني تماسكت ، وانتظرت حتى أتت النيران على كل شيئ ، ودفنت التنور مع الرماد المتبقي في حفرةٍ عميقةٍ جافة ، بعيدة عن الماء والنبات للحيطة والحذر ، وعدت أدراجي الى حيث كانت تقبع تلك النبتة اللعينة جوار باب البيت ، فرأيت على إطار الباب ذبابة حجمها أكبر من اللازم ، وتبدو عليها تحورات وراثية تجعلها مختلفة عن بقية الذباب المعروف ، خصوصاً عيونها التي كنت أراها بوضوح ترمقني بحقدٍ وغلٍ ، وكأن بيننا ثأر..
    ثأرٌ لا بد من الأخذ به..!!!
    " انتهت "
    السياني .. ٢٨ / مارس / ٢٠٠٤

    =====================================================================
    تمرد
    قلت لصاحبي الذي التقيته بعد طول غياب ، عقب تسلمه وظيفته وممارسته لمهنة التدريس في إحدى القرى :
    _ كيف وجدت مهنة التدريس ..؟ لعل في داخلك ثورة توشك على الانفجار نظراً لضخامة المسئولية الملقاة على عاتق المدرسين المخلصين .. وقليلاً ما هم..
    أجاب قائلا:
    _ صدقت والله .. فالمدرس المخلص أصبح نادراً في هذا العصر لأن كل مدرس أصبح همه هو أداء عمله الروتيني طوال الشهر ، انتظاراً لراتبه آخره ، خوفاً من الخصميات..!
    كان الله في عوني .. فأنت تعرف أنني انتظرت عاماً كاملاً ، حتى حصلت على الوظيفة ، وهاأنذا أُزجي وقتي في هذه المهنة النبيلة ، بعد الملل والفراغ القاتلين الذين رافقاني لعامٍ كامل ..
    فالغربة والوحدة في القرية التي أُدرس فيها لم تبددهما إلا قصة غريبة حدثت لي ، ولا زالت فصولها مستمرة..
    _ خيراً ..!!! وما هذه القصة..!؟
    قلت لصاحبي وقد أثار اهتمامي..
    رد مسرعاً :
    _ كنت مؤمناً ، طوال حياتي ، أن الانفتاح والتحرر يبلغان أدنى مستوياتهما في الأرياف..
    إلا أنني فوجئت ذات ليلة بإحدى الطالبات اللائي يدرسن عندي ، تأتيني عشاءً حيث أسكن وحيداً ، لتعطيني مظروفاً ثم تنصرف..
    ففتحت المظروف لأجد داخله رسالة من هذه الفتاة تبثني فيها إعجابها بشخصي المتواضع ، وتثني على أسلوبي في التدريس الذي نال إعجابها وجميع زميلاتها في الفصل ، وتتمنى مني أن أقبل هديتها المتواضعة ، والتي كانت عبارة عن طقم قلامات أنيق ومنديلاً فاخراً معطراً ..
    فلم أنم ليلتها وأصابني السهاد وأنا أفكر في هذه الفتاة ، وتصرفها الجريئ الذي خِلتُ انه لن يصادفني في هذه القرية بالذات ، نظراً للعادات القبلية والتقاليد الاجتماعية المتشددة في هذه الجوانب..
    قلت له وانا أحاوره:
    _ ولماذا تسمي هذا إنفتاحاً وانفلاتاً .. فأنت تعلم ان التعليم قد انتشر في الارياف وتغيرت بعض العادات _ أقول بعض وليس كل _ وقد تكون الفتاة واقعة تحت تأثير ظروف اجتماعية ونفسية وأسرية ، جعلتها تُقدم على هذا الفعل ، ثقةً فيك ، علماً انك غريب والغريب غالباً ما تسلم له مفاتيح القلوب ، خصوصاً من النساء ، فالفتاة ربما أرادت ان تعبر عن شكرها و تقديرها لك كأستاذ ليس إلا..!
    خاصة وان الهدية هدية عادية تعطى كل مدرس ، ولا تفوح منها رائحة أخرى..
    او أن الفتاة وجدت فيك الأب المثالي ، بعد أن افتقدت المثالية في والدها ..
    قال منفعلا:
    _ فكرت في هذا بدايةً ..ولكن نظرات الفتاة داخل الفصل في الأيام التالية ، وحديثها الدائم معي أوقات فراغي ، وكثرة الهدايا التي قدمتها بعد ذلك ، جعلتني أنحو في تفكيري منحاً آخر ، ليس كما تتصوره انت ..!
    سألته :
    _ وما هي الأحاديث التي كانت تدور بينكم ..؟
    رد قائلا:
    _ كانت دائمة الحديث عن حياتها داخل أسرتها ، وعن مجتمع القرية القبلي ، وعن أبويها واخوها..
    _ وماذا كانت تقول..؟
    _ كانت في معرض حديثها عن أخيها تتكلم عن الاوامر والنواهي التي يفرضها عليها ، ليثبت بها رجولته الناقصة ، في الوقت الذي يعطيها رسائل غرامية ، ويطلب منها ان تسلمها لصديقتها ..
    وكانت تتخبط في تفسيرتصرفه هذا ، عندما يحل لنفسه ما يحرمه على غيره.!
    وكذلك تصرفات والدها ، وهي تراه يثور على أتفه الأسباب في وجه أمها التي لا حول لها ولا قوة ، كما تزعم ، لتكتشف هي وأمها بعد حين أن أباها على علاقة آثمة بإحدى عاهرات القرية ، بعد فضيحةٍ فاحت رائحتها في أرجاء القرية فما كان منهما ، هي وأمها ، إلا الانكماش على نفسيهما والبكاء طيلة الوقت ، لأنه ليس بيدهما ما تفعلانه ، أمام بطش وجبروت والدها..
    وكانت ، قبل ذلك ، تسمع من والدها مواعظ وخطباً عصماء عن الدين والفضيلة يتشدق بها ويتلوها على مسامعها ليل نهار..!!!
    قلت له وانا استوقفه معتذرا :
    _ آها..الان توضحت لي الصورة .. فالفتاة بالفعل واقعة تحت ظروف عائلية ونفسية قاهرة ، فهي تسمع شيئاً وترى شيئاً عكسه ..
    حيث تشاهد الفتاة أباها وأخاها دائمي اللوم عليها .. وحصارها وإحاطتها بطوق من الممنوعات والمحظورات ، يجب ان لا تجتازها ..
    واستخدام أساليب الترهيب والترغيب ، وتوسيع دائرة المحرمات والعيب والعار وغيرها من المفردات التي تملأ قاموس حياتنا الاجتماعية ، حيث التقاليد العتيده والعادات المتوارثة _ كابراً عن كابر _ تُحكِم قبضتها على الأنسجة المكونة لعقليات رجعية قبلية تعيش على هامش الحاضر ، وتأبى أن تفارق أكفان الماضي الذي دفنت نفسها فيه ، ناهيك عن دخول مفردة المستقبل قاموسها اللغوي..
    فالفتاة تعيش في هذا الجو البيئي المغشوش مع أمها المظلومة ، حيث أن جيل الأم كان جيلاً مظلوماً ، حرمت فيه المرأة من معظم حقوقها ، باسم الدين والعيب..!
    فصارت أَمَةً في بيت زوجها ، أو بالأصح سيدها ( سي السيد كما في ثلاثية
    " نجيب محفوظ" الشهيرة ، وشخصية السيد " أحمد عبدالجواد " ونظرة الذل والخضوع والإستكانة في عيني زوجته..)
    فأبو الفتاة حطّم شيئاً ما بداخلها ، بعد أن كانت تراه _ كما ترى أي فتاة أباها _ كاملا منزهاً من كل عيب ..
    فإذا به يتهاوى أمام عينيها في هاوية الخطيئة ، فهو يقول مالا يفعل ، ويأتي ما ينهى عنه ، بعد أن كان يُملي عليها قائمة المحرمات باسم الدين ، الذي جنى عليه مسلموا هذا العصر أيّما جناية..
    إذ تراهم في مناظراتهم نُسّاكاً وقساوسة ، وفي تطبيقاتهم مسوخاً شيطانية ومستنقعات خطايا متحركة..!
    فالفتاة ينقصها الوعي السليم ، وإلا فإن ردة فعلها في التعبير عن شخصيتها ستتخذ منحناً سلبياً ، سيكون له أثرٌ سيئٌ على مستقبلها..
    وربما يقودها هذا الى الإنحراف..
    قال وقد بدأ يتململ إستعداداً للإنصراف :
    _ لقد قدرت هذا.. فبدأت بإعطائها بعض الكتب الدينية والتربوية النافعة والهادفة مما سيكون له الأثر الأكبر في تشكيل وعيها ، واتساع مداركها..
    تمتمت ساهماً :
    _ حسناً فعلت .. فبالقراءة والتوعية ستفهم الفتاة دينها ومجتمعها وحقوقها وواجباتها ، بعيداً عن " التابو" والغلو ، ومزج ماهو ديني بما هو قبلي ، لتبدأ رحلة جديدة من المعرفة والتنوير تقوم بها الفتاة الجديدة ، المستمسكة بثوابتها المأخوذة من الينابيع النقية التي لا تشوبها شائبة ، والآخذة بإيجابيات الحضارة بعيداً عن السطحية والقشور والزيف ..
    المتفهمة لواقعها وعصرها ، وذلك ما ينقص أمتنا ..
    نساء رصينات متفتحات ، يُعدِدن أجيالاً متميزة ، يعيدوا لنا مجدنا الغابر وحضارتنا التليدة..
    كان هذا ختام حديثي لصاحبي وأنا أحاوره قبل أن ينصرف..
    فجلست أفكر في أمر هذه الفتاة ، التي تمردت على واقعها وتقاليد مجتمعها الحديدية ، وسعت الى كسر الطوق الذي أحاطها به مجتمعها ..
    " انتهت "
    السياني .. ٢٠ _ أبريل _ ٢٠٠٢
    ============================================================
    ترقب
    غاصت الورقة داخل فتحة جهاز " الفاكس" العلوية ، لتبرز من الجهة الأخرى أسفل الجهاز ، فالتقطها بطرف أصابعه وأودعها بين أوراقه ، وأمل كبير يراوده أن تصل قصته القصيره التي كتبها وأودع فيها أسلوبه وفكرته ومعاناته ، الى تلك الصحيفة الأكثر رواجاً والأوسع انتشاراً ، ليعلم القراء بموهبته ويتعرفوا عليه..
    فهذه هي المرة الأولى التي يرسل فيها بعمل أدبي الى الصحف ليطبع وينشر ..
    أخذ ذلك المشهد يجول بذهنه بعد أن انطبع في ذاكرته وأبى أن يفارقها ، وهو جالس في منزله يترقب وينتظر صدور تلك الصحيفة التي أرسل إليها قصته..
    فمنذ أرسلها بداية الأسبوع ، وحتى اليوم _ نهاية الاسبوع _ وهو يحسب الايام والساعات والدقائق ، في انتظار أن يقرأ عمله الأول في الصحف ..
    الوساوس تنتابه ، والهواجس تقضّ مضجعه من عدم نشرها ، لا يريد ان يصطدم بعدم النشر ، لان ذلك سيحطمه ويقضي على أحلامه ، ويصيبه بالاحباط التام..
    يجلس الان في غرفته ، ويفكر بالمطابع وهي تطبع المقالات والقصائد والقصص ويتخيل قصته بين تلك الاعمال الادبية ، فيزداد تلهفه وتتسع آماله..
    ثم تهاجمه المخاوف من عدم نشرها ، فيتكوم حول نفسه ويصغر العالم في نظره ، ويشعر بالخوف من الفشل في تجربته الاولى ..
    تذكر ان كثيرا من أصدقائه لم يحالفهم الحظ في نشر أعمالهم ، وان بعضهم عاود المحاولة ، والبعض الآخر يئس وأُحبط ، وفي كلتا الحالتين لم تنشر أعمالهم ..
    ولكنهم لم يأبهوا أو يبالوا ..
    لكنه يختلف..
    هو يرى نفسه غيرهم ..إنه لا يشبههم ..
    هو شديد الحساسية والتأثر ، رفض الصحيفة لقصته يعني انتحاره معنوياً ..
    ويعني يأسه وإحباطه وعدم اعتراف بموهبته ..
    باختصار يعني نهايته وخسارته لنفسه وتحطمه أمامها ..
    وهو لا يريد أن يخسر نفسه..
    الوقت يمضي بطيئاً ..اليوم هو موعد صدور الصحيفة ، وصاحب الكشك الموجود في نفس الشارع الذي يقطنه لم يفتح بعد..
    أطلّ من النافذة ، هاهو يرى الكشك قد فتح أبوابه أخيرا..
    يلبس سترته على عجل ويرتدي حذاؤه وينطلق مسرعاً الى الكشك..
    _ صباح الخير ..
    قالها بسرعة ..واضاف:
    _ صحيفة " ..... " من فضلك ..
    _ آسف يا صديقي .. لم يحضرها الموزع بعد..
    رد صاحب الكشك وهو منشغل بصف وترتيب الصحف على الطاولة أمامه ، دون أن يرفع حتى نظره بوجهه..
    قطب جبينه وأطلق تنهيدة تجمع بين التبرم والسخط والضيق ، وانطلق الى مقهى قريب فطلب فنجاناً من القهوة وأخذ ينتظر..
    انتهى من شرب القهوة ، فطلب فنجاناً آخر..
    الوقت يمر والموزع لم يصل بعد ، ينظر الى ساعته مراراً وتكراراً ..
    _ تباً لهذا القلق..وهذه الصحيفة.. لماذا اليوم بالذات تأخرت عن موعدها..!!؟
    كأن القدر يأبى إلا أن يعاندني..!!!
    حدث نفسه..
    لاحظ رواد المقهى حركاته العصبية ، ونظراته المتكررة لساعته ، لكنه لم يعر ذلك اهتماماً ..
    انتصف النهار .. وموزع الصحف لم يأتي بعد ..
    إنطلقت زفراته كحممٍ بركانية ، من شدة ضيقه وتبرمه..
    صوت سيارة في نهاية الشارع ، يقطع عليه الاستمرار في حالته العصبية تلك ..
    يلتفت نحوها بلهفة..
    _ أخيراً ..إنها هي ..سيارة الموزع.. تباً لك ولصحيفتك..
    نطق بهذه العبارة وهو يندفع نحو الكشك ، الذي وصلته السيارة في تلك اللحظة
    والموزع يرمي بحزمة كبيرة من الصحف الى صاحب الكشك ، الذي ما أن رآه مقبلا نحوه ، حتى دفع له بنسخة من الصحيفة التي تلقاها بلهفة بعد ان دفع ثمنها وانطلق يتصفح عناوينها ويجول ببصره بين صفحاتها باحثاً عن بغيته ودقات قلبه تتزايد ، وأنفاسه تلهث ، ونظرات عينيه تسبق الكل وهي تستقر عند الصفحة الخاصة بنشر أعمال المواهب الجديدة ..
    إندفعت نظراته بين العناوين والسطور تبحث عن قصته أواسمه..
    ولكنها ارتدت خاسئة وهي حسيرة..!!!
    شق عليه الأمر..و أصيب بالذهول والحسرة..
    أبعد كل هذا الانتظار ، وهذا القلق ، والترقب..لا شيئ البته..!!!
    _ تباً لك من صحيفة..وتباً لك من رئيس تحرير ..وتباً لكما من موزع وصاحب كشك..بل تباً لك من حياة..
    ردد كل ذلك وهو يقذف بالصحيفة الى الارض ، ويدوسها بحذائه ، ثم يركلها الى نهاية الرصيف وهو يقول:
    _ الى الجحيم أيها الأدب..الى الجحيم أيتها الموهبة ..!!!
    وهام على وجهه في الشارع على غير هدى..وخواطر في رأسه تموج وتثور وتضطرب ..
    لم يعرفوا أنهم بعدم نشر قصته ، انهم قد قضوا على أحلام أديب ناشئ ..
    كان يصارع لإثبات نفسه ووجوده ..أديب يجاهد ليخرج من قمقم الجمود والانغلاق الى فضاء الحرية والابداع ..
    لم يعرفوا انهم بتجاهلهم لقصته ، قد أعلنوا نعي كاتب وُئِدت أحلامه قبل أن ترى النور..!
    " انتهت "
    ==
    السياني ،، ٣٠ /ديسمبر/ ٢٠٠٣
    ===========================================================
    نداء البحر.
    أخيرا وطأت قدماي ثراكِ _ ولأول مرة _ يا عدن..
    يا أجمل وأروع المدن..
    الآن _ فقط _ عرفت سرّ تهافت الغزاة على شواطئك..
    هذه الشواطئ التي أقف عليها الآن ، وانا أتطلع الى الأفق ، حيث الشمس بدأت تلملم أطراف ثوبها الذهبي على استحياء ، كعروس خجلى تدفقت دماء الخجل الى وجنتيها ، معلنةً الرحيل والبحر يستعد لاحتضانها..
    ذلك البحر الذي يثير في الشوق والحنين لشيئٍ ما بداخله ..
    خلعت ملابسي ووقفت أرقب الموجات الصغيرة ، وهي تتكسر عند قدميّ محدثةً صوتاً رنّ في أُذنيّ كأعذب موسيقى عزفتها يد الطبيعة الساحرة..
    ألتفت يميناً ويساراً فأرى الأجساد شبه العارية مستلقيةً هنا وهناك ، كأوراق الخريف الجافة التي عصف بها تيار هوائي جبار ، لم يرحم ضعفها وعجزها ، أو كأسماك لم تتحمل صراع القوى داخل البحر ، فلفظها من جوفه لتستقر عند قدميه..
    _ لبيك أيها البحر..
    أطلقتها من أعماقي كأسير يتطلع الى الحرية ، ويشتاق لتنسم عبيرها..
    واندفعت الى أحضانه..
    شيئٌ ما في البحر يدعوني إليه..!
    وأشعر أن في داخلي قوةً تدفعني نحوه ، فلا أملك مقاومةً سوى التوغل أكثر فأكثر..
    الشمس بدأت تغوص حتى منتصفها في البحر ، مرسلةً أشعةً انكسرت على صفحات الماء مبدعةً أروع لوحة رسمتها يد فنان ..
    حيث امتزجت الألوان الأرجوانية والقرمزية والفيروزية في مشهد طبيعي أخاذ..
    _ لكم بت أحسدكم يا سكان " عدن" على هذه الطبيعة الآسرة ، التي تستثير خيال الشعراء والفنانين..
    أحدث نفسي..
    نداء خفي يدعوني إليه ، مبعثه الأعماق _ أعماق البحر _ وشيئ في داخلي يلح بإصرار أن أقدم ولا تحجم..!
    كقطبين مغناطيسيين نتجاذب _ أنا والأعماق _ لا يستطيع أحدنا الفكاك من الآخر..
    صوت واهن ينبعث من أعماقي أن عد ، ولكنني كنت أسير تلك الرغبة الجامحة ، وكأنني علي موعد مع حورية من حوريات البحر..!
    فأزداد اندفاعا ..وأبتعد عن الشاطئ أكثر وأكثر..
    آخر معاقل المقاومة داخلي تهاوت ، أمام الرغبة الشديدة في تلبية النداء..
    أصوات تنبعث من الشاطئ البعيد ، وشعلة الشمس تنطفئ ، بعد أن غاصت في غمد البحر ..
    والليل أرخى سدوله ، ولكني لم أحفل أو أهتم ..
    كل ذلك لم يعد يعنيني في شيئ ، عندما استقر قراري على ان يستضيفني البحر في غياهبه..
    حيث كنت أستجيب لذلك النداء..
    نداء البحر..
    " انتهت "
    عدن . . ١١ _ مايو _ ٢٠٠١
    =================================================================
    هجرة شياطين وادي عبقر.
    " وهكذا كنا وإياكم _ مشاهدينا الأفاضل _ مع هذه القامة الشعرية السامقة ، والمعجزة الأدبية الفذة ، والشخصية التي وصلت الى العالمية في ظرف زمني قياسي..
    نأمل _ أعزاءنا _ أن تكونوا قد قضيتم معنا وقتاً ممتعاً ، بصحبة ضيفنا العزيز ..
    وإلى اللقاء في حلقة قادمة من برنامجنا.." المشهد الأدبي " .
    نطقت بهذه العبارة تلك المذيعة التلفزيونية المتألقة ، وشاشات التلفزة تنقل للمشاهدين في كل بقاع المعمورة ، عبر البث الفضائي الرقمي صورة ذلك الشاعر الجالس أمامها بوجهه الشاحب وعينيه الغائرتين وجبهته العريضه كأنه مومياء..
    كانت ملامحه تحمل علامات النبوغ وسيماء الذكاء الخارق ، وتبدو على محياه أمارات العبقرية..
    فالرجل ظهر الى الحياة الثقافية والأدبية فجأة ، من خلال أعمال تميزت بالجودة
    والإبداع ، ونفذت الى عمق المشاعر الإنسانية ..
    حتى أنه أبهر القراء والنقاد والقائمين على المشهد الثقافي ، وتجاوز قامات أدبية كان يشار اليها بالبنان في وقت قياسي قصير بلغ فيه العالمية ونال جائزة
    " نوبل" للأدب .
    ولم يكن هو فقط وحيد عصره وفلتة زمانه من مثّل هذه الطفرة الأدبية في زمن الجدب الثقافي ..
    فقد ظهرت حالات أخرى متفرقة هنا وهناك ، في مجالات الشعر والقصة والرواية..
    وامتلأت الصحف والمجلات والدوريات بمقابلاتهم وبأعمالهم الرائعة والإبداعية ، حتى أصبحت صورهم تتصدر الصحف وشاشات التلفاز ، ليزيحوا الشخصيات السياسية
    والإجتماعية جانباً ، ليس في بلادنا فقط ، وإنما في جميع أنحاء العالم..
    والعجيب ان ملامحهم _ بلا استثناء _ كانت تبدو متقاربة متشابهة بذلك الشحوب
    والضمور في أجسادهم ، وكأنهم أشباح او بقايا بشر..!
    أثار نبوغهم وملامحهم اهتمام العالم ..
    فثارت حولهم ضجة من الأقاويل والإدعاءات ، والهجوم أيضاً ..
    فقرر مجموعة من العلماء والمختصين والأطباء ، إخضاع عينات منهم للفحص كحالات إنسانية ،يجب دراستها ليقف العالم عليها ويستكنه ماهيتها..!
    وبالفعل تم إخضاع عينة للفحص بالتنويم المغناطيسي ، وكانت النتائج مخيفة ومفاجئة ، فقد تكلم أحدهم قائلا:
    _ قد تستغربوا سرّ هذا الظهور المفاجئ لنا ، والنبوغ العبقري في المجال الثقافي
    الأدبي ..
    ولكننا لم ننبغ في الأدب فقط ..
    فنحن عباقرة في كل المجالات وفي شتى العلوم..
    لا غرابة في ذلك ، خاصة وأننا ننتمي الى ذلك الوادي الشهير في جزيرة العرب
    " وادي عبقر " ، ذلك الوادي الذي كان الشعراء العرب الأوائل يذهبون إليه ، ويلتقوا بشياطينه ليستلهموا منهم قرض الشعر ، فتجود قرائحهم بأعذب الشعر وأروعه..
    وكان لكل شاعر شيطان خاص به ..
    كان "وادي عبقر " يقع في منطقة معزولة ساكنة لم تلوثها يد الحضارة والعمران ، وكنا نعيش فيه بأمان وهدوء ، دون أن يعكر صفونا شيئ ..
    حتى أتى القرن العشرين ، قرن اكتشاف المعادن والبترول ، وكان وادي عبقر منطقة اكتشف فيها البترول ، فامتلأت بالبشر والآلات والمعدات ، فبدأنا نتململ ونتضايق من كل ذلك ، فقررنا الهجرة ، وكلّ له أسبابه..
    فالبعض هاجر بسبب الانفتاح في المنطقة..
    والبعض اعتراضاً على التدخل الأمريكي في أرضنا..
    والبعض الآخر هام في الشقراوات الامريكيات والاوروبيات اللاتي ملأن البر ، فاحتلوا أجسادهن ، وهاجروا معهن..
    وآخرين لأسباب خاصة بهم..
    تعددت الاسباب والموقف واحد ..وهو الهجرة..
    المهم أننا بعد هجرتنا لم نكن سلبيين ، بل تحركنا وتعلمنا علوم ولغات العالم وقمنا
    باحتلال أجساد ضحايانا وتحركنا من خلالهم ..
    فهذا هو سبب شحوبهم وهزال أجسادهم ..
    فقد أصبحوا أجساداً بلا أرواح ..
    نحركهم ونتحكم بأجسادهم كيفما نشاء..
    فسيطرتنا لا تقتصر على بلد واحد فقط ، بل تعدينا ذلك الى كل المواقع الحساسة
    والهامة في هذا الكوكب ، وما منا إلا وله مركز مرموق..
    نحن أصحاب نظرية العولمة ..
    نحن أصحاب السيطرة ..
    السيطرة المطلقة..
    أطلق ضحكةً شيطانيةً مجلجلة ، وصدى صوته يبتعد..
    ويبتعد..
    ويبتعد..!
    " انتهت "
    السياني،، ١٤ _ مارس _ ٢٠٠١
    =================================================================
    السيد صابر
    السيد صابر
    Admin


    المساهمات : 391
    تاريخ التسجيل : 18/05/2020
    العمر : 56

    رجلان .. وامرأة         "مجموعة قصص.."   بقلم  فيصل خشافة( اليمن ) رقم الإصدار الداخلى 2020/367 نوفمبر 2020 Empty رد: رجلان .. وامرأة "مجموعة قصص.." بقلم فيصل خشافة( اليمن ) رقم الإصدار الداخلى 2020/367 نوفمبر 2020

    مُساهمة من طرف السيد صابر الأحد نوفمبر 01, 2020 5:12 pm

    على مقعد في السينما.
    لاأعرف سرّ ذلك الشعور الذي ينتابني ، وأنا جالس على مقعدي في صالة عرض الأفلام السينمائية ..
    شعور غامض لذيذ يعتريني لا أستطيع تفسيره ، مردّه في اعتقادي _ ظنّاً وليس جزماً _ إما الى قرويتي التي تجعل أبناء الريف ينبهرون بكل شيئ في المدينة ويفغرون أفواههم إندهاشاً وإعجاباً لمرأى أشياء لم يألفوها ، أو يعتادوها في قراهم النائية البائسة..
    أو الى فترة المراهقة التي أمر بها ، والتي تجعلني أسبح في عالم من اللذة الزائفة ، التي تصنعها أحلام اليقظة خاصةً مع حالمٍ مثلي ، يبني قصوراً في الهواء ومدناً من سراب ..
    حيث تبدأ تلك اللذة رحلتها معي بدءاً برؤيتي ل( أفيش الفيلم) الذي يُعرض إعلاناً للفيلم ، ومرأى صور تلك النساء العاريات البارعات الحسن والجمال ، اللاتي يُثرن
    خيالاتي ويقفزن بي في عوالم النشوة الرائعة وانا المراهق المحروم ، أو صور أبطال
    " الاكشن " وانواع الأسلحة والدراجات والسيارات وطائرات "الهيليوكوبتر" التي يستخدمونها ، والتي تجعلني ألهث بشدة ، وأنا أتابع لقطات الفيلم وكأني أحد ابطاله ، وتندّ عني تصرفات قروية بلهاء تجعل الجالسين بجواري _ من المتمدنين طبعا _ يطلقون ضحكاتهم وتعليقاتهم الساخرة على ذلك الريفي القادم من أغوار القرون الوسطى.
    ذلكما السببان _ المراهقة والقروية _ هما برأيي سبب ذلك الشعور الذي ينتابني كلما دخلت إحدى صالات العرض السينمائية ..كما أن إطفاء الأنوار يزيد من سريان الخدر اللذيذ الى مفاصلي ، والتي كنت أستغرب بدايةً إطفاءها ، فما المانع أن نرى الفيلم
    والأنوار مضاءة _ تفكير ساذج طبعاً _ إلا أنني بدأت أتفهم وأستسيغ عملية إطفاء
    الأنوار هذه..
    فبعد أن تنطفئ الانوار وتبدأ ماكينات آلة العرض بالدوران ، أتحفز وألملم أطرافي ، وكأني مقبل على أمر استثنائي ..
    تتوالى لقطات الفيلم تباعاً ، ويعم نوع من السكون يقطعه تعليق ساخر ينبعث من هنا أو هناك ، أو صوت أحد الباعة المتجولون الذين يملأون صالة العرض معلنا عن بضاعته :
    _ بارد .. حليب .. علك.. لب..فول سوداني..
    ومن ثم يعم السكون النسبي ، سوى قزقزة اللب والفول السوداني ..
    أجول ببصري في أرجاء الصالة الكبيرة فارى ومضات السجائر التي يدخنها رواد السينما كأنها نجوم صغيرة لامعة ، تبزغ من هنا وهناك ، صانعين سحباً خفيفة من الدخان الرمادي تظلل سماء الصالة..
    اللقطات تتوالى وجمهور السينما يواصلون بحلقتهم في الشاشة الضخمة التي تحتل جداراً بأكمله أمامهم..
    لقطات جنسية ساخنة تُعرض ، فتتوقف الأسنان عن قزقزة اللب ، وتكف الفكوك عن مضغ " القات " ، وتنتهي التعليقات الساخرة ، ليتحول السكون النسبي الى سكون مطلق..!
    لا تسمع خلاله حتى همساً ..
    وتمتد الأيدي عابثةً الى مناطق حساسة في شبقٍ شهواني لذيذ ..و..
    تك..!!!
    ينقطع ذلك المشهد المهيج فجأة ، يليه انقطاع الفيلم بأكمله ..
    فتغرق الصالة لبرهة قصيرة من الوقت في ظلام دامس ، ثم لا يلبث الفيلم أن يتواصل حاملاً معه عاصفة من الاحتجاجات والانتقادات الساخطة والغاضبه والمعبرة عن الرفض الشديد لهذا التصرف الذي لم يراعي شعور الرواد ، فتنطلق الهتافات بكلمة واحدة ترتج لها أرجاء الصالة المغلقة :
    _ يا أعور..!!!
    يليها سيل من السباب والألفاظ البذيئة ، التي يخلو منها معجم اللغة ، يطلقها الجمهور على المشرف على دار العرض ..
    والى اليوم لم أعرف أصل او سبب التسمية _ أعور _ التي يطلقها رواد السينما على مشرف دار العرض ، والتي سمعتها في معظم صالات العروض في طول البلاد وعرضها بعد ذلك..
    تخفت الأصوات رويداً رويداً ..
    ويعود الوضع الى ما كان عليه سابقاً ..
    ويتواصل تدفق الأشعة من نافذةٍ صغيرةٍ في مؤخرة صالة العرض
    لترسم صوراً متحركة على الجدار المواجه ، تتابع حتى تصعد في منتصف الشاشة كلمة ( النهاية ) معلنةً للجمهور بداية المغادرة..
    فتسطع الاضواء فجأة ، بعد طول ظلام ..
    وتنفتح الابواب ..
    فيغشي الضوء الساطع عيناي ، فأقطب جبيني وأضيق فتحات عيني كي لا يُؤذيهما الضوء القوي المبهر ..
    لأبدو كخفاش ساذج فاجأه ضوء النهار ، عندما بات ليلته تلك خارج كهفه السرمدي ..!

    " انتهت "
    السياني .. ١٨/١٠/٢٠٠١
    ===========================================================
    غزاة البداوه.
    قريتنا الوديعة المسالمة ، التي غدت مدينة صغيرة ، لا تمتّ الى القرية بصلة كونها مركز مديرية ، فكل مظاهر المدينة ومزاياها متوفرة فيها ..
    لم تعد هادئة وآمنة كما كانت..
    فلقد لطختها أوساخ وقذارات رجال القبائل الهمج ، الذين أصبحوا شبه محتلين لمدينتنا الصغيرة ، التي هي بمثابة واحة عصرية في بيداء الهمجية البدوية المنتشرة في منطقتنا ..
    ولقد أتوا بكل حقدهم وبغضهم وظلاميتهم ، ليطمسوا نور مدينتنا التي كافح آباءنا وأجدادنا من أجل الوصول الى ما نحن عليه من مدنية وتحضر..
    فهم لا يستطيعون العيش الا في الحضيض وخلف جدران الكهوف ، وعقلياتهم تمثل بيئة خصبة تعشعش فيها الطحالب والفطريات العفنة..!
    حتى مظاهرهم تثير الإشمئزاز والتقزز ، فتراهم يأتزرون بقطع من القماش الى ما فوق الركبة ، وتتدلى بندقيات الكلاشينكوف من على أكتافهم كأنهم يولدون وهي معلقة عليهم ..
    يمضغون " القات " بشراهة طوال اليوم ، فترى وجناتهم المنتفخة كأنها أورام سرطانية ، مما يضفي على منظرهم قبحاً الى قبحهم ، وكأنهم مسوخاً شيطانية أتوا من أعماق الجحيم..
    بالإضافة الى " البردقان " الذي يضعونه تحت شفاههم السفلى بجانب القات ، في منظر يبعث على الغثيان..
    وشعر رؤسهم الطويل والغير مرتب ولا منظف والشبيه بالحشائش الجبلية..مما يزيد في قبحهم وسوئهم..
    تراهم غادون رائحون في الشوارع والأزقّة ، يُمشّطون المنطقة بحثاً عن شخصٍ واحد وهم بالعشرات ..
    شخص واحد يطاردونه لأنه في عرفهم تجرأ وتهجم على أحد كبراءهم الذي انتقل للعيش في مدينتنا ، بحكم عمله في إدارة المديرية ، فانطلقت كلابهم تعوي خلف ضحية او فريسة يريدون ان ينهشوا لحمها ، لأنها تجرأت وتعرضت بالسوء لأحد رموز القبيلة ذو الحسب والنسب ..
    أما الضحية فإنه بمنظورهم أقرب للحيوان منه للإنسان ، فلا حسب ولا نسب ولا أصل قبلي يستند عليه ، وهو وضيع لا بجوز له ان يتعرض ولو بالإشارة لصاحب الجاه
    والسلطة..
    وعند تمشيطهم للمدينة ، خصوصاً في الليل ، فإنهم يدمروا كل وسائل العصر الحديث من "كلوبات "و"لمبات" الإنارة ..
    يريدون تحويل نور مدينتنا الى ظلام تألفه نفوسهم التي لم تعرف النور والحضارة
    والحياة العصرية..!
    فالضحية التي يطاردونها كانت في حالة دفاع شرعي عن النفس ، عندما مرغ أنف ذلك المتنفذ الذي يستند على عصبة همجية من الغلاظ الحفاة القساة. .
    ولم يكن جُلّ أهل المدينة راضون بهذا الوضع المزري ..
    فارتفع بينهم صوت يقول :
    _ أين الحكومة..!؟ ..إنها تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها..!!
    رد صوت آخر بتهكم وسخرية معجونة بالمرارة :
    _ الحكومة مع الأقوى..! ..ومع الجلاد ضد الضحية..!
    انبعث صوت ثالث يقول :
    _ وأين العدالة والمساواة التي يتشدقون بها ليل نهار ..؟
    أم انها هي الأخرى في إجازة..!
    أجابه :
    _ لا تنس أننا الوحيدون في هذه المنطقة التي لا تخضع لسلطة المشايخ ، كما هو الحال في المناطق المجاورة ، حيث لا نعترف ولا نقبل بوجود شيخ يقود مجموعة من البلاطجة وقطاع الطرق ليجعل منهم حكومة داخل حكومة ، تكون لها الأمر والنهي..! ٣٢
    حيث ان لكل شيخ مجموعة من الحرس والجند ، وله أحكاماً عرفية خاصة به ،لا
    يعترف بشرع سماوي ، ولا بقانون وضعي ، كما ان لديه سجنه الخاص ..
    يسجن من يشاء ويعفوا عمن يشاء..!!!
    وتكون له الكلمة العلياء ، في ظل غياب الدولة وسيادة القانون..
    إنطلقت الأراء من هنا وهناك ، وكلٌ يدلو بدلوه في إعتراض واضح لكنه خجول وخائف ، وهم يرون المدينة وقد استبيحت من قبل ههذه العصبة المفسدة في الارض..
    قال أحد المثقفين :
    _ لقد ذكرني هذا الوضع ، بوضع " صنعاء " بعد ثورة " ثمانية وأربعين " حين استباحها الطاغية السفاح " أحمد حميد الدين " ، وأباحها لرجال القبائل ثلاث ليالٍ وأياماً حسوماً نهباً وتقتيلاً وهتكاً للأعراض..!
    لقد لُطّخت لوحة مدينتنا الراقية ببقعٍ من زيت الهمجية القبلية ودهون الحقد الرجعي ، من نفوسٍ تكره كل ما هو جميل وراقٍ ومشرق..!

    " انتهت "
    السياني ..٢٣ _ شباط _ ٢٠٠٣
    ==================================================================
    انت في اليمن.
    وصلت به الحافلة الى موقف الحافلات في " باب اليمن " في العاصمة " صنعاء " قادمة من مدينة " إب " ، واندفع الركاب بكاملهم الى باب الحافلة ، رغبةً في النزول ..
    كانوا يتدافعون بمناكبهم وأيديهم ، وكلٌ يدفع الآخر فينحشروا في باب الحافلة الضيق وكأنهم غازات حبيسة زجاجة مشروب غازي رُجت لتوّها . .
    وكان يرقب تصرفهم هذا بشيئ من الأسى والأسف ويقول :
    _ يا جماعة .. ما هكذا يكون التصرف الحضاري ..
    النظام النظام .. الأول فالأول ..وكلنا سننزل..
    ردّ أحد الركاب المتدافعين :
    _ أي نظام هذا الذي تتكلم عنه ..؟
    أفق يا رجل ..انت في اليمن..
    أسكته هذا الرد القاسي ، وحزن على على هذه التصرفات الغير مسئولة والغير عابئة من قِبل بعض فئات المجتمع التي تسيئ الى المجتمع بأسره ..
    فنزل من الحافلة آخر الجميع ، ووقع بصره على منظر الأوساخ والقاذورات المتكدسة على جانبي الطريق ، فهاله المنظر وحزّ في نفسه ، ثم اتجه الى مكتب البلديه ليقابل المدير المسئول ، حتى إذا وجده حيّاه وقال له :
    _ لا يصح أن تكون " صنعاء " عاصمة للثقافة العربية ، وهي تستقبل زائريها بهذا المنظر المخزي..
    لقد أتيت الى "صنعاء" لأراها وهي تُتوج عاصمة ً للعرب ، في عرسها الثقافي البهيج ، فهالني ما وجدت من مناظر القمامة والقاذورات والمجاري..!
    نظر إليه المسئول وشبح ابتسامة ساخرة يلوح على ركن فمه قائلا:
    _ هذا هو وضع العاصمة .. سواءً كانت عاصمةً لليمنيين أو عاصمة للعرب ..
    أو حتى عاصمة لغزاة الفضاء . .
    انت في اليمن .. أفهمت . في اليمن..
    دُ هش لأنه قد سمع هذا الجواب من قبل ، فما كان منه الا أن أخذ نفسه وانصرف..
    كان قد بدأ يشعر بارتجافة خفيفة من البرد ، رغم حرارة جسمه ، فأيقن أنه على وشك ان يصاب بالحمى ، لأن أعراضها بدأت تهاجمه منذ البارحة..
    اتجه الى مستشفى " الثورة العام " وفي طريقه مرّ على باعة الأطعمة والخضروات والفواكه ، فرأى الأطعمة والحلويات والمأكولات الشعبية مكشوفة والذباب والحشرات تحطّ عليها ، والاتربة تلتصق بها ، وكل شخص يريد شراء شيئٍ يلمسه مباشرةً دون حاجز ، ثم ينصرف عنه الى غيره وهكذا..
    فقال لأحد الباعة :
    _ يا أخي .. أعتقد ان عرض بضاعتك بهذا الشكل يعرضها للجراثيم والميكروبات
    ويعرض من يتناولها للأمراض ، فيجب عليك اتباع أسلوب أكثر نظافة وحضارة ورقي..
    التفت اليه البائع ورمقه بنظرة هي مزيج من السخرية والاستنكار ثم قال:
    _ نظافة..! حضارة..! جراثيم..!طول عمرنا بين الامراض يارجل..
    إنصرف من أمامي .. انت في اليمن ..أم تحسب أنك قد انتقلت الى امريكا..!
    ما يحزّ في نفسه ويثير فيه السخط والضيق ، هو ان الكل يستخدم عبارة
    " انت في اليمن "..
    وكأنهم يستكثرون على اليمني الحضارة والتقدم والرقي..
    ساقته قدماه الى المستشفى ، وقد بدأت تظهر عليه أمارات الإعياء والتعب..
    ظل لمدة ساعتين تقريباً ، يتنقل بين ممرات وأجنحة المستشفى المختلفة
    وهو يحاول ان ينقذ نفسه قبل أن يفترسها المرض ، الا ان ما لقيه من معاملة وروتين وفوضى وتسيب واستغلال ، جعله يصاب بأمراض فوق المرض الذي يعاني منه ..
    فخرج من المستشفى دون أن يكمل علاجه ، وعند بوابة المستشفى رفع رأسه ناحية اللوحة المثبته فوق المدخل الرئيسي والمكتوب عليها
    " مستشفى الثورة العام "..
    فقال يحدث نفسه بسخرية :
    _ أي عام تقصدون ..!؟ ..لعله عام٢٠٠٤ عام الثقافه ، ام انه عام الفيل ..
    لقد أصبح أشد خصخصة من المستشفيات الخاصة..!!
    سمعه أحد المرضى وهو يتمتم بهذه العبارة فقال :
    _ أنت في اليمن..فلا فرق بين مستشفى عام ومستشفى خاص الا بالتقوى والعمل الصالح..!
    قالها بسخرية..
    على قدر ما أصبح يكره هذه العبارة ، التي أصبحت وكأنها نبض الشارع وحديث الناس ، على قدر ما أصبح يؤمن بها مع مرور الوقت..!
    جرّ نفسه جراً الى وسط الشارع المليئ بالقمامة والعلب الفارغة ، فصبّ جام غضبه على علبة كانت بين أكداس القمامة ..
    ركلها بكل ما تبقى في جسده من قوة فانطلقت في الهواء لترتطم بجسد رجل أنيق ببدلته الجديدة وربطة عنقه الأنيقه ونظارته الشمسية ، لتتناثر بقاياها على جسده ووجهه وذراعيه ، فتراجع الرجل وهو يمسح عن وجهه وبدلته الأوساخ صارخاً :
    _ ما هذا ..!؟ .. الا ترى يارجل..!؟ ..انظر ماذا صنعت ..أين الحس الحضاري ..؟ ..اين الثقافه واللياقة ..؟ ..أي تصرف هذا ونحن في القرن الحادي والعشرين ..!؟
    ألا تخجل..ألا....
    قاطعه صاحبنا ، وقد انفجر من شدة الغيظ واليأس والإحباط قائلا:
    _ أي ثقافة .. وأي حس حضاري هذا الذي تتحدث عنه..!؟
    أنسيت أنك في اليمن..!!!؟
    " انتهت "
    السياني،، ٣ _ يناير _ ٢٠٠٤
    ================================================================
    نظرة أمل..ودمعة أسى.
    اندفعت الى حجرته صائحةً :
    _ أخي .. أخي .. لقد أصبحت طالبة ..
    كان البِشر يغمر كيانها ، والسعادة تلوح على محياها ، ذلك أنها تخطو أولى خطواتها في مشوارها الدراسي الطويل ..
    حيث كان اليوم هو اليوم الأول في العام الدراسي الجديد ، وكانت شقيقته الصغرى ( زينب ) قد عادت لتوّها من مدرستها ..
    كانت سعادتها لا توصف ، أخذت تتحدث بصوت طفولي عن معلمتها وصديقاتها اللاتي التقت بهن لأول مرة ، وعن مدرستها وفصلها الدراسي ، وتريه نماذج من رسوماتها وكتاباتها الشبيهة بخربشات دجاج على سطح ترابي أملس ..
    تختلج أحاسيسه وتضطرب مشاعره لبراءتها ، لشدّ ما يحبها ..
    فهو الآن بمثابة والدها ووالدتها ، كانت أصغر شقيقاته بالنسبة لأسرته المكونة من ثمانية أفراد ، كان هو عائلها الوحيد ، بعد أن تخلى عنها والده وتحملت مسئوليتها في البداية والدته _ تلك السيدة العظيمة التي يجب أن يقام لها تمثالاً تخليداً لتضحياتها _ حيث تحملت مشاقاً كبيرة ومسئولياتٍ عظيمة ، عجز عن القيام بها بغال الرجال ، قبل ان تعلن انسحابها ورحيلها عن عالمنا ..
    تركها تتحدث وتتحدث ، ونظرة أمل كبيرة تطل من بين رموشها الصغيرة..!
    لم يستطع وصف مشاعره في تلك اللحظة ..
    كانت الأحاسيس والمشاعر داخل صدره تموج وتضطرب في تناقض واضح ، وهو يرى صغيرته تتطلع الى المستقبل بهذه النظرة المفعمه بالأمل ، ويرثي لحالها مما يمكن أن يصيبها في قادم أيامها ..!
    لقد كان هو أمل أسرته في تحقيق حياة كريمة لها ، في رغد من العيش والخروج من دائرة الفقر والعوز التي طحنتها ..
    كانت والدته العظيمة تعلق علية آمالاً عريضة ، وأحلاماً أفنت حياتها في سبيل تحقيقها ، ولكن القدر أبى إلا أن يأخذ مجراه..!
    تلك حكمة الله ولا اعتراض على مشيئته ..
    دار كل ذلك في رأسه ، وهو يجول ببصره في أرجاء الغرفة ، قبل أن تستقر عيناه على تلك الشهادة المعلقة وسط جدار الحجرة ، والمزدانه بشرائط من الورق الملون..
    كانت شهادة البكالوريوس التي نالها قبل ثلاث سنوات ، والى الان وهو مازال ينتظر قرار تعيينه في وظيفة حكومية محترمة ، يستطيع من خلالها رفع ولو جزء يسير من المعاناة التي يلقاها هو وباقي أفراد أسرته ..
    ولكن ما من أمل ..
    فاتجه للعمل في أشغال شاقه ، ليعيل أسرته الكبيرة..
    هبط ببصره نحوها يتأملها بنظرات ملؤها العطف والحنان ممتزجة بالشفقة والأسى على مصيرها الغير محدد الملامح ، في مجتمع ذكوري أِمتُهِن فيه الذكور وسلبت حقوقهم ، ناهيك عن الإناث..!!!
    إغرورقت عيناه بالدمع وهو يحدث نفسه قائلا:
    _ مسكينة انت يا صغيرتي ..لا أحد يعلم _ الا الله _ ما يخبئه لك المستقبل..!!؟
    قالها ودمعة متمردة استطاعت إجتياز السياج الأمني في مقلتيه ، لتنطلق في فضاء وجنته..
    دمعة حملت الكثير مما يعانيه ..
    ويقاسيه..
    دمعة أسى..
    " انتهت "
    السياني .. ١٧ / سبتمبر / ٢٠٠١
    =========================================================
    " من أدب المقاومة ".
    أول واحد
    " مبارك عليك..فقد تم تعيينك معيداً في كلية الهندسة ، لأنك حصلت على المركز الاول في الكلية.."
    أغلق هاتفه بعد سماعه تلك العبارة ووضعه في جيبه ، وشريط من الذكريات يمر بشكل سريع في مخيلته ..
    فلقد كان الاول في كل شيئ ..
    وكان حريصاً على ان يكون الاول في كل أفعاله..
    فهو الاول من الأوائل في جميع مراحله الدراسية ، حتى تخرج من كلية الهندسة ، وهاهو يُعين معيداً فيها..
    ابتسم وهو يتذكر لقب " أول واحد " الذي اشتهر به بين أقرانه ..
    في المدرسة ..
    في المسجد..
    في الملعب..
    حتى في الكشوفات الرسمية ، اسمه اول اسم " ابراهيم "..
    وحتى عندما أطلّت الفتنة الحوثية بقرنيها ، كان اول من التحق بالمقاومة الشعبية ، ووقف في وجه همج العصر الجدد ، الذين أعادوا اليمن قروناً الى الوراء..
    كان مقداماً شجاعاً غير هيّاب ، لا يخشى الردى ..
    وتراه يندفع من بين الصفوف لملاقاة العِدى..
    يطلب الشهادة ، ويحث الخطى في سبيلها ..
    يحدث نفسه مراراً وتكراراً :
    _ أريد أن أكون أول شهيد..في سبيل الله والدين والوطن..
    ولكن هيهات ..
    فالشهادة لا تأتي عندما نطلبها..
    بل.." ويتخذ منكم شهداء.."..
    التقاه قائد المقاومة في جبهة " تعز" وقال له:
    _ يا إبراهيم .. نحن بحاجة اليك..الوطن والمقاومة يحتاجانك ، فهّون عليك ..
    ولا تسابق الموت..!!!
    رد عليه وهو ينظر الى المجهول ، كأنه ينظر الى شيئٍ ما :
    _ أريد أن أخُطّ بدمي مستقبل بلدي ..وأن أحفظ دينه وترابه ، ومستقبل أجياله..وان أكون قدوة لغيري..فإذ لم نتقدم نحن ، فمن سيتقدم..!!؟
    لكن ذلك لم يتحقق له ..
    فقد سبقه شهداء كُثر ، وحزّ ذلك في نفسه ..
    وكلما علم بفتح جبهة جديدة انطلق الى هذه الجبهة ، محاولاً أن يحظى بشرف
    الاستشهاد ..
    فتنقل بين جبهات القتال في كل المحافظات ..
    لكنه لم يحظَ بالشهادة التي يتمناها..
    تذكر عندما كان في جبهة الضالع ، برفقة الشهيد القائد " نايف الجماعي" ..
    وتذكر أحاديثهما عن الشهادة والفداء ، وتمني كل منهما أن يسبق الآخر بنيل الشهادة ، لكن القدر اختار" نايفاً " ..
    وكان بجواره عندما أصابته طلقة قناصٍ غادر ..
    يومها قبّل جبين الشهيد المبتسم وهو يردد:
    _ كم كنت اتمنى ان اكون مكانك ، أيها الشهيد القائد..
    اللهم تقبله في الشهداء .. وأكرم نزله..واغسله من خطاياه بالثلج والماء والبرد..
    استمر في حصد المراكز الاولى في شيئٍ يفعله ..
    وكان بحق " أول واحد " ..
    عندما فُتحت جبهة " صعدة " ، كان أول من اقتحم " البقع" علّه يظفر بالشهادة..
    فنالها آخرون..
    وحُرِم هو منها ..
    وكان كثيراً ما يحدث نفسه :
    _ يا ترى .. هل سأظفر بالشهادة.. أتمنى أن أكون أول شهيد في جبهة " صعدة "..
    استمر مع اخوانه الابطال في تطهير محافظة " صعدة " ، حتى بلغ أبطال الجيش الوطني المظفر جبال " مرّان " ..
    فعزم أن يكون أول من يستشهد في جبال مران ..
    ولكن القدر أبى ذلك أيضاً ، وكأن مقولة " إحرص على الموت توهب لك الحياة " تتحقق فيه..
    وعند تطهير جبال مران المطلة على كهف الأحمق المطاع ، زعيم الميليشيات الحوثية ، قرر قادة الجيش والمقاومة أن يرفعوا علم الجمهورية على جبال مران..
    تنفيذاً للوعد الذي قطعوه على أنفسهم ..
    فوقع الاختيار على " ابراهيم " ، ليكون أول من يرفع العلم الجمهوري على وكر الشر
    والارهاب العابر للحدود من جمهورية الشر الايرانية ، نظراً لشجاعته وتميزه وإقدامه..
    وكانت هذه الأمنية إحدى أُمنيات حياته..
    أن يرفع علم " اليمن الاتحادي " على جبال مران..
    فاستلم اللواء ، وصعد الى أعلى قمة ، وغرس العلم فيها ترافقه الكاميرات وأصوات التهليلات والتكبيرات..
    فكانت بحق لحظةً تاريخيةً تجلّت فيها العزّة والكرامة ، وهي تنتصر ويرفرف علمها..
    فدمعت عينا " ابراهيم " تأثراً ، وهو يرى حلم الشهداء والجرحى والثكالى واليتامى يتحقق على أرض الواقع ..
    وعلى يديه هو..!!!
    وأخذته نشوة النصر بعيداً ، فانتزع العلم ورفعه عالياً خفاقاً في السماء وهو يصيح بأعلى صوته :
    _ الله أكبر .. ولله الحمد..بالروح بالدم ..نفديك يا يمن..
    وإذا بنافورة من الدم الزكية الطاهرة تندفع من جبينه الطاهر ، إثر رصاصة غدر لقناصٍ ماكر ، سقط على إثرها " ابراهيم " ، لكنه ظلّ متمسكاً بالعلم الذي تلقفه مقاوم آخر ، ورفعه عالياً لتظل راية الحق عاليةً خفاقةً ، ولو كره الإنقلابيون وسادتهم في الخارج..
    وتحققت أمنية " ابراهيم " أخيراً ..
    ليكون " أول واحد" يرفع العلم فوق جبال مران..
    ويسقط شهيدا..
    فنال المجد مرتين..
    مجد الشهادة ..ومجد الخلود والنصر ..
    وكما عاش " أول واحد " ..استشهد كما كان يريد ويتمنى..
    " أول واحد.."..!!!
    " انتهت "
    العدين..١٧ _ ١٠ _ ٢٠١٦
    ====================================================================
    كفاحـ..ها
    " ماذا أنجبت لنا هذه العجوز..؟ "
    _ فتاة..
    _"فتاة..".!!! يلوي فمه باشمئزاز ، ويكفهرّ وجهه ، ويولّي بوجهه مُعرضاً ، بعد أن يكيل لزوجته كمية لا بأس بها من السباب والشتائم..
    تقول الزوجة:
    _ نسميها " كفاح"..
    بصرخةٍ زلزلتها يرد:
    _ كلا..بل" حورية " كإسم زوجة الشيخ..
    حفلة ختان تصنعها النسوة للطفلة لبتر جزءٍ من بظرها ، مخافة أن تسلك طريقاً مُشيناً عند صباها..كما يتوهم الأهل..!
    في سن السادسة ، تتوسل والدتها لوالدها ان يدخلها المدرسة..
    _ أرجوك ..أتوسل إليك.. دعها تدرس كأترابها..
    يرفض مصراً على منحها ثلاث نعاجٍ لترعاهن في الوادي المجاور..
    وبعد محاولات وتدخلات من الأهل والجيران ، يوافق على إدخالها المدرسة وإلزامها بلبس " البرقع" لإخفاء وجهها..!!!
    تقضي الثلاث السنوات اللاحقة بين المدرسة والمرعى ومساعدة أمها في البيت والحقل ، وجلب الماء وطعام الماشية من أماكن بعيدةٍ ووعرة ..
    في سنّ التاسعة يتم منعها من مواصلة الدراسة ، مكتفية بما تحصلت عليه من العلم ..
    ويتم تهيئتها للزواج من أقرب خاطب..!
    تتزوج برجلٍ بسن والدها ، لا يراعي فيها طفولةً ولا إنسانية..
    تقضي سنيّ شبابها وراء الجدران ، فلا زيارات ولا رحلات ، بل محاسبة على كل صغيرة وكبيرة..
    تضيق الحال بزوجها ، فيقرر الهجرة للعمل ويتركها مع صغيراتها الثلاث..
    تتولى تحمل مسوؤلياتهن لمدة خمس سنوات هي فترة غربة زوجها..
    تقضي لياليها وحيدة ، باكية ، شاكية ، مكتئبة ، تعاني ويلات الوحدة والظمأ العاطفي ، والخوف والرعب من المجهول..
    _ أما لهذا العذاب من خاتمة..!!؟
    لم أتزين كما تتزين النسوة..! ، ولم أتذوق طعم الحب كبقية النساء..! ، ولم أعش حياتي الزوجية كالأخريات..!!! " تمتمت باكية.."
    تعيش صراعات نفسية رهيبة بين الظمأ العاطفي ، ونظرات الذئاب البشرية التي تطمع في هذه الفريسة الغائب عنها زوجها ، والتقاليد القبلية المكبلة لحركتها ، وكذا وحدتها الموحشة..
    عند مرضها او عندما تضع مولودها ، وتعسر عليها ذلك ، لا تجد مستشفى او وحدة صحية قريبة ، او طريق سهل لتنتقل الى أقرب طبيب ، فتشهّد وتكبّر ألف مرة ، لعلها تكون نهايتها..
    فتلد على يد إحدى نساء القرية بعد أن تذوق آلام المخاض أضعافاً مضاعفة..
    جاءها الخبر الصاعق..!!! لقد توفي زوجها في بلد الاغتراب ، وتركها مع بُنَيّاتها الثلاث بدون مُعيل..!
    أصبحت أرملةً ، وهي لا تزال في عقدها الثاني..! ومسؤولة عن أسرة..
    تردد ودموعها تغرق وجهها:
    _ آه .. يا شبابي الضائع..لم أذق طعم الحياة بعد..حتى أصبحت أرملة..!!!
    استولى أقارب زوجها على كل ما يملك ، ولم يتركوا لها وأطفالها ما يسدّ رمقهم ، ويعينهم على تحمل أعباء هذه الحياة..
    صرخ شقيق زوجهها في وجهها:
    _ ماذا..!!؟ تريدين ميراث..!!! هههههه .. وهل هذا الميراث ملك أبيكِ ..!!؟ أم أنك شقيقتنا من دون أن ندري..؟
    إغربي عن وجهي..غربت عينك..
    ابتلعت إهانتها وقهرها ، ومضت شاكيةً حزنها وبثها الى الله..
    تمرض إحدى بناتها فلا تستطيع إسعافها ، لضيق ذات اليد ، فتموت بين يديها لتصبح ثكلى ، بعد ان كانت أرملة..
    يشق سكون القرية صوتها وهي تصيح:
    _ ابنتيييييي..يا الله..
    وتخرّ مغشياً عليها..
    تفرض عليها التقاليد الزواج بشقيق زوجها المرحوم بدون أي رغبةٍ منها..
    فلا تستطيع العيش معه ، لسوء معاملته ، واحتقاره لها ، مما يفاقم المشاكل بينهما ويؤدي للطلاق..! تصبح مطلقة ، بعد ان كانت أرملة وثكلى..!!!
    تبدأ الشائعات تلوك سيرتها ، عن سبب طلاقها..!
    وتكشر الذئاب البشرية عن أنيابها أكثر ، وتدخل في جحيم لا يطاق من العذاب والمآسي..
    تبدأ رحلة المحاكم والقضايا ، مع أسرة زوجها ، بسبب حقوقها وحقوق أطفالها..
    يهدها التعب والمعاناة ، فتصاب بعدة أمراض ، تتكفل بالقضاء على صحتها وفتات مدخراتها للعلاج والاستشفاء..
    تطالب بميراثها بعد والديها ، لتنفق على أطفالها ، وثمن علاجها ..
    فيتصدى لها أشقاؤها الذكور ، ويحرموها من ميراثها ، لتخوص معركتها الأخيرة معهم..
    تنطلق صرخات أطفالها ، معلنةً رحيلها عن دنيانا بعد أن وجدوها ذات صباح جثةً هامدةً ..وصرا خ بناتها يدمي القلوب وهن يرددن:
    _ أُماه..أُماه..انهضي..
    دون ان يدركن أنها نومتها الأخيرة..!!!
    ...
    " انتهت " العدين ،، ٢٤ _ اكتوبر _ ٢٠١١
    ==============================================================
    سترحل..!

    " حبيبتي..تقرر رحيلي يوم غد.."
    أفلتت ملعقة الطهي من يدها فور سماعها عبارته ، وتصاعدت غصة كبيرة من صدرها الى حلقها ، وغامت الدنيا أمام عينيها واغرورقتا بالدموع ..
    شعرت گأن قبضة باردة اعتصرت قلبها دون رحمة ..
    _ إذا سيرحل.. ويح قلبي..!
    حدثت نفسها..
    ليست المرة الأولى التي يتركها وحيدة ، ويرحل للعمل خارج البلدة..
    لكنها في كل مرة كانت كأنها أول مرة..!!
    تحس أن روحها تنتزع انتزاعاً منها ..
    لشد ما تحبه وتعشقه وتهيم فيه..انها تعبده..!
    خرجت من المطبخ لتستقبله إثر عودته من الخارج ، ومسحت الدمع من عينيها ، فلاحظت انه ركز نظره على عينيها الحمراوين المنتفختين ، فعرف انها كانت تبكي..
    _ سترحل إذا..!!!؟
    قالتها بصوت مبحوح متحشرج مختنق
    _ لماذا البكاء يا عمري .. كلها أيام أو أسابيع ، ولسوف أعود..الأمر لا يحتمل كل ذلك..!
    _ من قال لك هذا..!!؟
    أقسم أني أشتاق اليك بمجرد خروجك الى الشارع وعودتك..! دقائق تمضي كشهور بين خروجك وعودتك..!
    فكيف بأسابيع ..!!؟ سيطير عقلي ويتوقف قلبي ..!
    ليلتها لم تنم الا قليلا..تنهيداتٍ حرّى تطلقها منذ أن أعلن اعتزامه الرحيل..
    ظللت طوال الليل بجواره ، وكأنها آخر ليلة ستقضيها معه..
    لم تفلته من بين يديها..
    تفكر أنه ستأتي ليلة الغد وهي حزينة وحيدة على فراشها ، فينقبض قلبها وتوشك على الجنون..
    _ من لي في هذه الدنيا إلاك..! من سيدفئني في هذا الزمهرير القارس سواك..!
    من سيملأ البيت ضحكاً ونكاتاً وصراخاً وطلباتاً ..
    ويل قلبي .. كم سيتعذب لفراقك..!
    _ هوني عليك ..ليست المرة الاولى التى أفعل ذلك..
    يحاول جاهداً طمأنتها والتهوين عليها ، لكنها لا تستطيع إبعاد شعور الخوف والوحدة عن قلبها..
    أخيرا غفت بعد أن هدها القلق والتفكير ، وبعد أن شعرت بالأمان بين أحضانه..
    في الصباح بعد أن جهزت له حقيبته وألبسته سترته حانت لحظة الفراق..
    ودعته عند الباب ، تبادلا عناقاً طويلا وقبلا حارة وبثّ كلا منهما لواعجه للآخر ..
    حاول ان ينفلت من بين ذراعيها لكنها تمسكت به وضمته اليها أكثر..
    أخيرا تخلت عنه ، فضغط على كفيها
    ثم استدار لينصرف فانخلع قلبها لاستدارته ..
    وكأن الكون كله قد أدار ظهره لها..
    تأملته من قمة رأسه حتى أخمص قدميه ، لم تعد ترى شيئا آخر الا هو ..
    _ أصلح ياقة سترتك ..
    إلتفت إليها وأصلح الياقة وابتسم مودعاً ..
    واصلت تأمله وهو يغادر ويختفي جسمه شيئا فشيئاً ..
    حتى غاب تماماً عن عينيها اللتان امتلأتا بالعبرات ، وظلّ طيفه معلقاً بين أهدابها ..
    أهدابها التي تمردت عليها دمعةً قفزت من بينها وتدحرجت على خدها..
    قبل أن تسقط وتتناثر على أرضية المنزل وكأنها قلبها الذي سقط من بين أضلعها وتمزق أشلاءاً ..
    لكن طيفه لا زال هناك عالقاً بين أهدابها..

    " انتهت "

    السياني ..
    ٢ _ نوفمبر _ ٢٠١٨
    ===============================================================
    عودة الزمن الجميل.
    (أقصوصة)

    إستيقظت باكرا هذا اليوم ، في زمننا هذا..
    زمن الحرب..
    والكوليرا..
    والبؤس..
    والغلاء الذي ذبحنا..
    ففتحت زجاج نافذتي المطلة على حديقة منزلي ، ونسمات عليلة تهبّ من الجنوب ،أنعشت روحي المتعبة ، التي أنهكتها الحرب وما صاحبها من شقاء ومرض وغلاء ..
    وصوت زقزقة العصافير يضفي على لوحة الطبيعة الربانية سحراً لا يقاوم..
    وأنا أقرأ " أنطون تشيخوف " ، وأستمع للصوت الملائكي
    " فيروز " ..( نسم علينا الهوا ..)..
    فينتابني شعور لذيذ قديم..!
    إفتقدته منذ زمن ، ولم أعد أحس به حالياً ..!
    فيخفق قلبي..
    وتهفو نفسي..
    وينشرح صدري..
    وذكريات جميلة تنساب في حنايا روحي..
    تحيل صحراء قلبي القاحلة ، الى واحةٍ معشوشبةٍ نضرة..!

    فيعود ذلك الزمن الجميل ، كطيفٍ مرّ ..
    ولو لبرهةٍ من الوقت..!!!

    السياني..
    ٣١ _ ١٠ _ ٢٠١٨
    ============================================================

    أقصوصة.
    قبلة متوحشة

    في عينيها بريق يشعّ شبقاً ، وينمّ عن ثورة عاطفية مضطرمة ، تعربد داخل جسدها الضئيل..
    قبلة خاطفة استرقناها خِلسة..
    في غفلةٍ من الزمن ومن الناس ..تذوقنا فيها لذة الحب حتى الثمالة ..
    حيث تضطرب القلوب ، وترتجف الأطراف في رهبةٍ لذيذة محببة..
    تبادلنا بعدها نظرات حزينة كسيرة ، فيها من الشوق وا للهفة والرغبة في تكرار العملية ما لو قارناه بحمم بركانية ، لاستحالت الحمم مياهاً باردةً بجانبه..

    " انتهت "
    السياني ...٢٠٠٣
    ==========================================================
    أقاصيص
    ١_ ضوء أخضر..!
    " لم تعطني ضوءاً أخضر لأفتش عن أنوثتها فحسب..
    لقد أغرقتني في مروجٍ خضراء..!!! "
    ======================================================
    ٢ _ أحلام زئبقية..
    " حلمت أني أحلم بها..
    فاستيقظت من حلمي الثاني ، لأجدها بجواري..
    ثم ما لبثت أن أفقت من حلمي الأول ..
    لأجدني بين جدران أربعة..! "

    السياني ..٢٩ _ نيسان _ ٢٠٠١
    ======================================================

    (أقصوصة).
    مصير..

    أحببتك بخضوع..كعابدٍ يُقدّس إلهه ..
    كنت أطمع في جنتك..
    لكنك قذفتي بي الى قاع الجحيم..

    ٣٠/تشرين ١/ ٢٠١٨
    =======================================================

    (أقصوصة).
    شيزوفرينيا

    أحاول جاهداً رسم قناع على ملامحي لأبدو فيه أكثر سعادة ومرح..
    بينما يقبع داخلي خلف ذلك القناع شخص كسير
    ذليل يائس محبط..
    إنني أمارس الإنفصام..
    لكن بمحض إرادتي..

    ٣١ _ ١٠ _٢٠١٨
    =====================================================


    قصة قصيرة جدا.
    سناء..

    صافحت أشعة الشمس الاولى وجهها الصبوح ، فانعكست على وجهها سناء وسناء ، وتوارت الشمس خجلى خلف سحب داكنة..

    إب ..٨/كانون اول/٢٠١٨
    =================================================

    فهرس
    ١_نيران الإغتراب . ______________________ 3
    ٢_الرجال الذين قالوا "لا" . ________________ 6
    ٣_رجلان وامرأة . ______________________ 10
    ٤_الرمال الحية . _______________________ 13
    ٥_تمرد . _____________________________ 16
    ٦_ترقب . ____________________________ 20
    ٧_نداء البحر . ________________________ 23
    ٨_هجرة شياطين وادي عبقر . ____________ 25
    ٩_على مقعد في السينما . _______________ 28
    ١٠_غزاة البداوة . ______________________ 31
    ١١_انت في اليمن . _____________________ 34
    ١٢_نظرة أمل ..ودمعة أسى . ______________ 37
    ١٣_أول واحد . ________________________ 39
    _14 كفاحها . _________________________ 43
    ١٥_ سترحل . _________________________ 46
    ١٦_عودة الزمن الجميل . _________________ 49
    ١٧_ قبلة متوحشة . _____________________ 51
    ١٨_ أقاصيص . _________________________ 52
    الفهرس . _____________________________ 56
    السيره الذاتيه. _________________________ 58
    ===================================================
    السيرة الذاتية للمؤلف:
    ..................................
    فيصل علي ناجي خشافه..

    ولد في مركز مديرية السياني_

    محافظة إب_الجمهورية اليمنية.

    في ١٥/يوليو/١٩٧٧

    الموافق٢٩/رجب/١٣٩٧هـ.
    درس الابتدائية والاعدادية والثانوية في
    مدرسة الفجر الجديد بالسياني..
    حاصل على بكالوريوس _رياضيات/حاسوب_كلية العلوم_جامعة إب..سنة٢٠٠٣.
    يعمل مدرسا لمادة الرياضيات .
    له العديد من الشهادات والخبرات في مجال تخصصه وفي مجال القصة..
    نشرت له عدة أعمال في صحف محلية..ومواقع التواصل الاجتماعي..
    يكتب القصة والروايه والشعر والمقالات ..
    أهم أعماله الأدبيهSadكلها مخطوطات لم تطبع):
    عودة زمان الوصل. (رواية)/وابتسم الحظ ساخراً (مجموعة قصص )/رجلان وامرأة (مجموعة قصص)
    عندما تخمد العواطف(مجموعة قصص )/آلام السهاد (ديوان شعر )/خلف أسوار الجهل (مقالات)
    100 من عظماء اليمن. (تراجم وسير )
    رجلان .. وامرأة
    "مجموعة قصص.."
    ========================================================
    بطاقة الكتاب
    -----------------------------------------------------------------------
    عنوان المؤَلَّف : رجلان وإمرأة
    المؤلِّف : الكاتب/ فيصل خشافة
    التصنيف : محموعة قصصية
    رقم الإيداع :
    عدد الصفحات :نشر بمنتدى جمعية إبداع الثقافية
    رقم الإصدار الداخلى :2020/367
    تاريخ الإصدار الداخلى :11/ 2020 الطبعة الأولى
    -------------------------------------------------------------
    جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للشاعر، ولا يحق لأى دار نشر طبع ونشر وتوزيع الكتاب الا بموافـقة كتابية وموثـقة من الشاعـــر

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 4:41 pm