منتدى جمعية إبداع الثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي ثقافي يعتمد علي الشعر و الأدب و الغناء


    أم العوامر ( مجموعة قصصية ) للكاتب / جمعة عبد المنعم يونس رقم الإصدار الداخلى 2020/369 نوفمبر 2020

    السيد صابر
    السيد صابر
    Admin


    المساهمات : 391
    تاريخ التسجيل : 18/05/2020
    العمر : 56

    أم العوامر ( مجموعة قصصية ) للكاتب / جمعة عبد المنعم يونس  رقم الإصدار الداخلى 2020/369 نوفمبر 2020  Empty أم العوامر ( مجموعة قصصية ) للكاتب / جمعة عبد المنعم يونس رقم الإصدار الداخلى 2020/369 نوفمبر 2020

    مُساهمة من طرف السيد صابر الإثنين نوفمبر 02, 2020 1:28 pm

    أم العوامر ( مجموعة قصصية ) للكاتب / جمعة عبد المنعم يونس  رقم الإصدار الداخلى 2020/369 نوفمبر 2020  Yao11

    الاسم – جمعه عبد المنعم يونس
    من مواليد محافظة المنيا ..
    مطاي أبوان
    أم العوامر
    مجموعة قصصية
    مقدمة
    أرسم من ضفاف الحروف كلمات.
    وأكتب رسالة حمد وعرفان
    إلي رب النهر أن جعلني
    ترى جمال النيل وأرشف مائه عسلا زلالا ً
    وأجلس على ضفافه
    وأكتب مشاعري وحكاياتي
    فوق الورق
    على ضفاف النهر
    أبن النيل وست الحسن الجميلة مصر
    رسمت ملامحي
    ووشمت صورتها على قلبي
    فصار لونى من لون أرضها الطيبة
    وقمحها الطيب

    إهداء
    .........
    إلي كل أستاذتي اللذين نقشوا الحروف العربية في وجداني ..وعلموني الحرف والحساب .
    إلي أصدقائي الطيبن اللذين ظلوا معي حتى الآن ولم يخذلوني
    إلي الوردتان اللاتان تفتحتا في خريف العمر ..مريم ويوسف
    إلي زوجتي التي تحملت معي الكثير ..لابد لها أن تعرف أنها هي بالنسبة لي كل حكايات العمر الذي عشت ....
    جمعه عبد المنعم يونس




    أم العوامر (1)
    …..
    أي أمل هذا الذى كان يراود أحلامك كل ليلة …تنامين على وسادة الانتظار كل ليلة وأذنيك متعلقة بالباب تنتظرين الغائب عله يأتي يطرق الباب ..من أين أتيت بكل تلك القوة ..وذلك اليقين الذي يمسح الدموع عن عينيك في الصباح وأنت تجلسين أمام الباب وعينيك متعلقة على أول الشارع تتنظرين ألامل الغائب حتى المساء …أي قلب ذلك الذي تحملينه كل هذه السنين تقاومين الامراض والزمن والايام من أجل ذلك الغريب الجاحد ..
    أي أيمان هذا الذي تحول بداخلك وأنت تمطرين الاهل والجيران بأجمل الدعوات كل صباح وكل مساء .. أبناء الحى الصغار تربوا على حجرك الطيب وأمامك ..وأنت تنتظرين الأمل
    أحفادك يلعبون حولك..أولاد الحي يلعبون حولك
    وأنت تتلقين الصباحات والمساءات
    وتردين بأجمل الدعوات
    صباح الخير يا أمي ..وأنا ألقي… بأذني كي أسمع منك أجل الدعوات … بصوتك الطيب الحنون ..
    (صباح الخير عليك
    ربنا يحنن عليك يا أبني..
    ويرزقك ..
    ويسترها عليك ..
    ويكفيك شر خلقه)
    ما أجمل هذا الدعاء الذي تستقبل به الصباح ...يطرب أذنيك في بداية صباح يوما جديدا …يشبه كثيرا ً تراتيل هديل الحمائم فوق شجرة السدر العتيقة جدا ..
    بجوار الساقية المهجورة ..
    تجالسين النهار …وتحاكين شمس الشتاء الحانية ..وتلاعبين الصغار
    ما أجملك ..!
    با أم ياسمين
    لماذا غبتٍ عن باب الدار ..؟
    لماذا لم تتمسكي بخيوط الأمل..؟
    هل ذابت تلك الخيوط ..من طول سنين الانتظار !!
    أم أن اليأس تملك منك
    ها أنت ترقدين فوق فراش الموت..
    بصيص عيناك مازال يتعلق بالزائرين حولك تبحث عن فلذة كبدك ومهجتك.!!
    لعلها ترى للمرة الاخيرة أبنك الغريب قبل أن يشملها ويشملك الظلام الاكيد
    وكفك الذى أرتفع قليلا ثم سقط..!!
    كانه يقول لنا وداعا ً..
    بدموعنا نقول لك وداعاً يا أمي
    يا أم العوامر (1)
    يا أم ياسمين
    ………………..
    بقلم // جمعه يونس //
    15 /12/ 20111
    (1) أم العوامر..( اسم حي يقع في الجانب الغربي من قرية كبيرة تقع فى صعيد مصر )
    2



    جنون ً رسمي
    ............ قصة قصيرة
    القطة التي سقطت من أعلى الجدار أكثر من مرة ..ونجت بأعجوبة ..أصيبت أخيراً بالدوار ..لقد صارت تقلدني في كثير من الحركات ..والديك الذي تطارده الديكة فوق السطح حان ذبحه الآن ..والقط الصغير الذي يعصف بأقلامي وأوراقي يصيبني بالهوس .. الكرة التي يتقاذفها الأولاد في الحارة لا تجعلني أستطيع النوم في القيلولة ..أعد اللفافات في علبة السجائر وأخبئها بعيدا عني كي لا تمتد إليها يدي ..وأتناول منها خلسة بعيداً عني .. والعمر يعد لي سنين لم أعشها ويخبئها من وراء ظهري
    والخواطر تتوارد على ذهني ..من أين لي بقلم ..!
    هل أصيبت بالهوس ؟
    أظن إنني في طريقي إلي ذلك .!
    علىّ أن أعاود الطبيب المعالج قريبا ً.. لم أعاوده منذ فترة بعيدة ..
    لعله قد مات ..
    كما مات الكثيرون ممن حولي.
    أخيرا ً جاء لي القط الصغير بأقلامي ..
    ها أنا أكتب ..
    إذاً أنا أحيا ..
    والقطة التي أصيبت بالدوار تنام في هدوء تام ترضع صغارها التي أكلت الأذن الأيسر بكل منهم .
    كيف عرفت تلك القطة المجنونة أن تميز بين ألأذن الأيسر والأذن الأيمن في كل قط من أبنائها ..؟
    ولماذا الأيسر بالذات ..؟
    أحضرت علبة اللفافات لم أجد بها إلا واحدة فقط من ثمانية لفافات ..ها أنا أتناول اللفافة الأخيرة خلسة من وراء ظهري ..وأتلذذ بدخانها وهو يلتف حولي .
    إذا من تناول اللفافات الأخرى ..
    يبدو إني قد صرت مجنوناً رسميا ً الآن ..
    .............تمت ................
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
    25 نوفمبر 2016
    مصر العربية


    3
    تخوم مملكتى
    ..........
    هيئتي لم تكن رثة كثيراً ... لكنها لم تكن تنال رضا الكثيرون ...أخلاقي كانت دمثة ...لكنهم كانوا يلوكون سيرتي أثناء غيابي في جلساتهم ...يتهمونني دائما بأنني حاد المزاج لا نني صريح جدا ً ... بينما أنا لا أبالى بهم ...تترفع أخلاقي عنهم ..وادعوا لهم بالخير في صلاتي...اتهموني بأقبح الصفات التي كانوا يأتونها خلسة... أصدقائي قليلين جدا ً ..ورغم ذلك يثيرون أعصابي ..يثرثرون كثيراً حولي وأنا صامت ...أنظر إليهم في بلاهة ..بينما ثرثرتهم الفارغة تسبب لي صداعا ً ...عندما أتركهم أحس أنني فقدت رأسي ..وأنا أخطوا في الطرقات عابثاً.. وكأني أحمل فوق أكتافي كرة من الجلد ..أعود إلي تخوم مملكتي البسيطة ..أتناول فنجان من الشاي ...لعله يعيد لي رأسي المسروقة ..!!على المنضدة.. تنظر على غادة السمان بعينيها الواسعة كأنها تدعوني لأن أبحر معها في رواية ( ليلة المليار )(1)بينما أنا أبتسم لها في مرارة وغيظ
    كيف يحلم مثلي بهذا وأنا جائع ؟..
    لا أملك في جيبي حق وجبة الأفطار ..!!
    احمل كتاب لوركا وأنا متٍكيُءِ على وسادتي ..وأنا أنحى كتاب غادة السمان جانباً..وأبحث عن آخر يقضي معي ما تبقى من الليل ...يلهيني حتى الصباح ..أشعر بالغثيان الشديد نتيجة الجوع أعثر على المنضدة على كتاب ( لوركا . شاعر الأندلس )(2)تعال.. أنت تشبهني تماماً ... قتلك الجنرال فريدرك وأنت تغرد فوق جبال غرناطة كطائر النورس ..ولم تكن تعلم أنه يتربص بك عند الفجر ..!!
    أشعل آخر سيجارة والغثيان يزداد
    أتخيل لوركا وهو مسجى بعد أن اصابته رصاصات الغدر ..
    والطيور تطوف حوله وهى تنوح بعدما كانت تغرد...
    اشتعلت الوسادة بعدما سقطت عليها شعلة السيجارة الملعونة قفزت من مكاني هلعاً مذعوراً كي أطفئىء النيران المشتعلة ..!!
    قبل أن يأتي الفجر ويجدوني قتيلاً ..!!
    مثل صاحبي الثائر لوركا..!!
    في تخوم مملكتي البسيطة ..!!
    ...............
    .بقلم // جمعه عبد المنعم يونس
    مصر العربية
    /24 يناير
    2008(1) ليلة المليار ...رواية غادة السمان
    (2) لوركا . شاعر الاندلس ..ماهر البطوطى
    4

    الأعشى و الحرجة (1) قصة قصيرة
    ..........................................
    حرجة ثعبان ضخم يتلألأ ضيائها بين الأعشاب على حافة ترعة أبو عيسى (2) أو هكذا تخيل الأعشى الذي يقوم بالري في أرض الوسية (3) التي تقع على الجانب الشرقي من الترعة بحوض غيط النزلة (4) فذهب مسرعا ً إلى خفير الوسية وطلب منه غلق كبير
    فسأله الخفير لماذا ؟
    قال
    الثعبان أخرج حرجته وأرى ضيائها بين الأعشاب على هذا الجانب من الترعة
    ألا تخاف أن يلدغك الثعبان.؟
    قال الأعشى لا تخف
    سأتلصص حتى أضع الغلق(5) عليها عندما يختفي ضيائها سيموت الثعبان كمدا ًعليها
    كن حذرا
    لا تخف...
    ذهب الأعشى يتحسس طريقه بحذر شديد وهو يرتجف خوفا ًوهلعا ًلكنه لا يستطيع العودة الآن سيصبح أضحوكة في نظر خفير الوسية....
    ربما لا يعتمدون عليه في الري مرة أخرى.. .بينما أشجار السنط واقفة على حافة الترعة تبدوا ظلال فروعها فوق الطريق كالأشباح ....والمقابر من الناحية الغربية للترعة تبدوا بأشجارها الكثيفة العالية كتله كبيرة مظلمة ساكنة.. مما جعل الخوف والتوتر يزداد أكثر في قلب الأعشى...
    بعد دقائق قليلة سمع الخفير صوت صرخات متتالية لرجلين الأعشى يجري في إتجاه الخفير والآخر يجري عكسه ....بينما مازال ضياء بطارية صياد الأسماك مازال يتلألأ بين الأعشاب ....وصوت طلقات الرصاص يشق صمت الليل وسكونه من خفيرالوسية و خفير شونة القمح بجوار مكنة الطحين .....تمت
    ..........
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
    الأربعاء 4 /7 / 2001
    مصر العربية
    ( إشارات )
    1 – الأعشى .نوع من أنواع الرمد يسمى العشى الليلي ..بمعنى أكثر دقة انه يرى قليلا ًجدا ًبالليل ..( الحرجة)بفتح الحاء. يحكى في التراث الشعبي القديم أن الثعبان عندما يكبر في العمرويصير ضخما قليل الحركة .. ويضعف بصره.. يوجد بداخله حرجة يخرجها كي يصطاد على نورها ثم يعود ببلعها مرة أخرى .إن فقدها يموت كمدا ...ويقال إن وضع شيئا بداخلها تصير اثنين في الصباح .
    ( 2 – أبو عيسى ) ترعة كبيرة تتفرع من ترعة الإبراهمية وتمر بعدد كبير من القرى تروي آلاف الأفدنة ..
    3 –( الوسية ) هي مساحة من الأرض الكبيرة التي تملكها عائلة واحدة أو فرد واحد .
    4 – ( غيط النزلة ) أسم الحوض الزراعي الذي يقع شرق الترعة من الناحية اليمنى لمدخل القرية
    5 – (الغلق )..وعاء مجدول من خوص النخيل يقطف به التمر ..ثم صار وعاء للتراب والسماد والحب أو غير ذلك من حاجات الفلاح ويسمى أيضا مقطف..ويوضع به والطعام والماء ويعلق بفروع الأشجار مخافة الحيات والغربان
    5

    الكراكة(1)
    قصة قصيرة ........………
    أخطو ألهوينا ..أبحث عن ملاذ .. أخطو ببطء شديد..أبحث في عيون المارة عن سبب سعادتهم ..كل الأبواب أمامي مغلقة ..أشتري دروب الأحزان والمتاعب ..أحملها فوق كتفي ..وأخطو .. تكبلني أبتلع مرارة اليأس وأخطو..أشاهد بكائي دمعا مسكوبا ًفوق الطرقات ..لا أحد يشعر بك ..لا أحد يحاول أن يخفف عنك أحمالك ..أو حتى يمسح دمعة عن عينيك ..المهم أنه ما زالت قامتك مرفوعة ..وكرامتك عالية ..تلوكك الهموم الأحزان .أو تلوكهما ..الأهم أنك مازلت صامد ……..
    طرقت أبواب بعض من أصدقائي فلم أجدهم ..أو ربما نكروا وجودهم ..ينقطع حبل الأفكار ..ويتدلى أمامي ..تعبث به الرياح ..كما تعبث الوساوس والظنون برأسي ..أقف حائرا مشدوها إلي أين أمضي الليل طويل وأنا في أوله والوحدة قاتلة والضجر واليأس يعملان الآن بكل قوة ..سأصير مجنونا ًعما قريب .أخطو دون أن أعرف إلي أين تأخذني أقدامي ..صراخ صبية يتضاحكون وهم يهرولون ..ويهتفون مش هتيجي
    ..أتفادى حجراَ كاد أن يشج رأسي ..
    وسيد العبيط يهرول وهو يتهته بكلمات غير مفهومة …هههههتيجي ييييا وووولاد اللللكككلللب
    ماذا بك ياسيد ..؟
    العييييييياااااااااال ..!
    أببببعدهم عععععني ..!!
    كدت أن تقتلني ..
    ليتها كانت القاضية ياسيد وأرحتني … دعك منهم ..!!
    لاتهتم بهم وأمضي في طريقك ..ولا تلتفت إليهم .. تأتي الكراكة.. أو لا تأتي ..لا تهتم …!!
    هههههههات ربع جنيييييه
    حاضر..
    عاااااايز أررررروح..!!
    هلم معي نتسول سويا ً ..!!
    سيد يمشي أمامي.. بيده عصاته الطويلة ..يهش بها الكلاب فتعوى علينا ترى..!!
    ماذا يدور في عقلك الآن يا سيد …؟
    ألا تعرف القلق أو الضجر أو الخوف ..!!
    كثيراَ ًما كنت أراك في أوقات قاتلة بالمقابر ..تسقي الصبار والأشجار وحدك لا أنيس لك سوى الصمت والسكون..والثعابين والحيات الكبيرة .. ونعيق البوم الذي يسكن الأشجار العالية يشق الصمت على فترات .!!
    ليتني كنت مثلك ..
    كل همك الآن أن تتناول عشائك وتنام ..
    النعاس يأتي إليك سريعا ً …
    وأنا القلق يفتك بي.. يقتلني حتى أنام ..
    عند أول دكان..
    أنتظر يا سيد .
    أشتري علبة سجاير ب 90 قرشا..!!
    و أثنين رغيف فينو و جبنه بيضاء ب 25 قرشا لسيد ..
    أخذهم مني فرحاَ
    رببببنا يييييييسترها ممممممعاك ..
    الله
    ما أجمل هذا الدعاء الجميل بثمن بخس..
    مشينا سويا ً ..
    أنا سارح في كيف لهذا الإنسان البسيط أن يزيح كل هذه الهموم والأحزان عني…ويلهمني هذا الإلهام الرائع للعودة إلي عادتي القديمة وأكتب ..وأتخلص من عبء الليل الطويل ..
    أنتبه إلي .. سيد ..وهو يتهته ..!!
    لا أفهم معظم كلامه ..
    دخل سيد إلي بيته فرحاً سعيدا ً .. بعد أن أعطيته ربع جنية
    وعدت أنا إلي بيتي وأنا أستحضر كل هذا الثراء الباذخ من الجمال الإنساني البكر الذي لم تلوته أي هموم أو أحزان أو أطماع وأحقاد ..وأكاذيب وخداع ..
    وكذلك الراحة النفسية التي أعطاني إياها سيد دون أن يقصد .. وأنا أحصي ما يتبقى في جيبي .
    لم أجد سوى 75 قرشا ً ..!!..
    أحتفظ بها لما يأتي به المساء
    من جوع شديد
    .......تمت .........
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
    مصر العربية من أوراقي القديمة المؤرخة عام 1990
    إشارات (1) الكراكة ..معدة ضخمة تسير على جنزير تقوم بحفر
    الترع والمصارف ..وسيد يتتبعها دائما أينما تذهب
    6
    وهج الانتصارات
    الذكريات تتوهج وتشتعل .والحنين يشدني دائما إليها بقوة ..
    هل تتذكر تلك الشوارع الضيقة ..؟
    وبيوتها التي بنيت بالطوب اللبن ...!!
    .ورائحة البيوت والشوارع وهى منداه بأمطار الخريف الخفيفة ..ودخان الأفران البلدي ورائحة الخبيز ..وتلك الصبايا التي كانت تلهوا معنا بعجين الخبز المسروق من الأمهات ..
    وتلك الجدة العجوز التي كانت تجلس أمام الدار وحفيدها نائم على حجرها وعيناها تراقب شقاوتنا ولهونا ..وأعمدة الإنارة ذات الدرجات السلم ولونها الأخضر تنير لنا الشوارع في المساء ..نصطاد الفراشات التي تحوم حول ضيائها ..!!وتلك الصبايا فى صباحات يوم السوق يتزين وهن يرتدين أجمل الملابس ..
    هل تتذكر..!!
    ونحن نطوف القرية فى زفة العريس وهم يطوفون به شوارع القرية بالطبل والغناء والزغاريد ..على أضواء الكلوبات وهو يرتدى الجلباب الابيض وعلى كتفيه الشال ويده المحناة ف البارحة تمسك عصاة خزايران
    هل تتذكر...!!
    روائح شهر رمضان وقرآن المغرب وصوت الشيخ محمد رفعت ورائحة أفران الكنافة البلدى ..القطايف ..عندما كنا ننتظر آذان المغرب فى رمضان تحت ماذنة الجامع الكبير ...
    هل تتذكر..!!
    عندما كنا ننتظر بفارغ الصبر المسحراتى فى ليل الشتاء الطويل ..ونحن نلعب ونلهوا ..كى يظل الليل ساهرا معنا بتلك الطائرات الورقية التى كنا نصنعها بمهارة ونربطها بالخيوط الطويلة التى سرقناها من شقوق الحيطان حيث كانت تخبئها الجدات بعيداً عن متناول أيدينا ..
    تتراشق فيما بيننا أحلام خجولة نرسمها فى الطرقات وعلى الجدران ..وعيون حزينة تتسول الفرح ... !!وعلى كل باب ذغروتة مكبوتة ..!!تنتظر الأنطلاق ...وعروس تنتظر أن تلبس ثياب الزفاف ...أتامل ارتفاع المدى للطائرة التي خيطها الرفيع بيدي..!! والطائرة التي بيديك ..كأننا نغازل الطائرات الحربية ..التي أرتفع أزيرها تشق المدى وتكسر حاجز الصوت فيصيبنا الهلع فنرتمي على الأرض كما تدربنا عليها في المدرسة ..
    ولم يعد الليل بارداً كما كان ...!!
    والجميع يترقب بشغف بالغ ..
    البيانات ..
    البيان الآول غامض
    لا أدري؟
    هل كنا نستعد للفرح الكبير والأعياد .؟.!!
    هل تحول أحساسنا يومها الي يقين بالفرح والنصر ..
    لماذا تحولت لعبة الطائرات هي لعبتنا المفضلة في تلك الأيام ؟
    أم أن الفرح والأمل كان يغازل أعيننا..!!
    ينتظر شجاعة القائد ومهارة الجنود وقدرة تحملهم المشاق في نهار رمضان ...
    هل تتذكر..!!
    عندما تم قطع الإنارة ليلا في رمضان ومنعنا من اللهو أو إضاءة أي أنوار في الشوارع ليلا....!!
    هل تتذكر .يوم السبت العاشر من رمضان ..السادس من أكتوبر ...
    في الصباح أغلقت ابواب المدارس وأمرنا بالعودة إلي منازلنا..
    هل تتذكر عندما كنا نجلس مع الأباء والأجداد وهم يلتفون حول المذياع ليستمعوا إلي بيانات النصر العظيم ..ونراهم وهم يهبون مهللين مكبرين وهم يحتضنون بعضهم البعض بعناق جميل تتساقط منه الضحكات و الفرحة على الطرقات ونحن نكّبر ونهلل معهم .
    الله اكبر .. الله اكبر ...
    وتلك الأغاني التي كانت تأتينا عقب كل بيان
    بسم الله الله اكبر...
    انطلقت المدافع على طول القناة لترسم فجر جديد ..لأمة منتصرة .. تهزم الخوف وتحطم المستحيل ...وانطلقت معها ملايين الزغاريد أمام الأبواب ..والقلوب تخفق بالدعاء يا رب
    باسم باسم الله ...(1)
    (باسم الله الله اكبر باسم الله
    النصرة تكبر باسم الله باسم الله )
    جاءات علامات النصر والبشرى إذا
    7

    فليكن الفرح الكبير الذي ننتظره ...والشربات يوزع مع آذان المغرب
    وصوت وردة وهى تشجو
    حلوة بلادي السمرة..بـــــلادي الــــحـــــــــرة......بلادي
    وأنا عــلـــى الربـابـه بغني ...م املــــــكــــش غـــيـر..غــــــــــنــــوه أمـــــــــل..لـــلــــجــــــنـــــــــــــــود..أمـــــــل لـلــنــصــــــــــر..ليكي يا مصر
    اليكم البيان رقم أثنين الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة
    عبرت قواتنا المسلحة قناة السويس وهى تقوم الآن بعمل رؤس جسور لها شرق القناة
    (عبرنا الهزيمة ..يا مصر يا عظيمة
    الله اكبر الله اكبر
    انتصرنا ..انتصرنا )
    وشريفة فاضل تشجو
    (..أبنى حبيبي يا نور عيني
    بيضربوا بيك المثل
    كل الحبايب بتهنينى
    طبعا منا أنا أم البطل
    يا مصر
    ولدى الحر
    أتربى وشبع من خيرك)
    ...الله اكبر ..
    صوت عبد الحليم حافظ...يهلل
    (عاش عاش ..إللى قال ..الكلمة بحكمة في الوقت المناسب
    عاش عاش .. إللى قال قال لازم نرجع أرضا من كل غاصب
    عاش عاشوا العرب
    ما أجملك أيتها الذكريات
    ما أجملك أيتها الأيام السعيدة المباركات ..
    أيتها الطرقات الحزينة أستعدي الآن للفرح
    افتحي الآن أيتها الأبواب الحزينة
    للفرح .
    .أفتحي الأبواب للنهار ...وتزيني للجنود
    أيتها العروس التي تنتظر الزفاف ..
    (..ابنك يقولك يا بطل هات لي نهار
    أبنك يقولك هات لي انتصار
    ابنك يقولك
    ثورتك عارفة الطريق
    وعارفة مين العدو ومين الصدبق
    ومفيش مكان للأمريكان
    بين الديار)
    الله الله
    الأفواه الحزينة تتحدث الأن بوهج الانتصار....
    التهليل والتكبير في البيوت وفى الطرقات في والمساجد ليل ونهار...
    (سكت الكلام والبندقية إتكلمت
    بكل حبي للحياة يا بلدي
    وبكل بسمة فوق شفايف ولدي
    جلتلك وأنا ضامم جراحي
    حالف لا أرجعلك شروق الشمس
    يا بلدي ..يا بلدي
    سكت الكلام
    والنار وطلقة البارود شدت على إيدين الجنود وإتبسمت
    8

    إحنا جنودك يا بلدنا وحبنا )
    الله الله
    .ودعوات الجدات وسط البكاء يا رب إنصرنا يارب
    ونحن نهلل ونلهوا فرحين ونلعب العاب المعارك منتصرين ...على خوفنا ..ببراءة نرسم على الجدران . أفراحنا وأبطالنا ...قناة وزوارق ..ومدافع .. ودبابات ...وطائرات ...وعلم العروبة عالي يداعب النسيم فوق القناة ...وجندي شايل مدفع ثقيل على اكتافه بيسطرأسطورة نصر قادم لأجياله .
    .أبطال بتهزم المستحيل وتتحدى الصعاب ....
    ( ..يا شعب يا واقف على باب النهار
    قربت بصمودك
    طريق الانتصار
    وذرعت من تان الأمل في كل دار)
    الله الله كأني أعيشها بكل تفاصيلها فرح ودموع بتنادي
    (وتقول بلادي بلادي
    بلادي أنا دمي نيل يرويك
    مين غيري هيحميك
    ولا عمري أفرط فيك
    وأموت وأنا بأهتف بيك
    بلادي بلادي بلادي )
    الله الله
    صوت محمد عبد الوهاب .يصهل
    ( طول ما أملي معايا معايا
    وف إيديا سلاح ... ها فضل أجاهد وأمشى وأمشي من كفاح لكفاح
    طول ما إيديا في إيدك أقوم واهتف ..حي حي على الفلاح
    دارى يا دارى ..أنا أحميك بإيماني
    طول ما ذراعي معايا هبنى وأعلي بنياني )
    الله
    الله على جمال تلك الأيام
    أيتها الطرقات التي تنتظر جنودها بشوق الذكريات ...أيتها الأبواب التي تنتظر أن تطرقها الأفراح من جديد ..
    أيتها العروس التي صبرت كثيراً وتحملت ..عريسك قادم يحمل فوق أكتافة أجمل ثياب الفرح والبشرى
    لم تعد البيوت كما كانت أو الطرقات أو المنازل ..كلها تغيرت الآن ..وأعمدة الإضاءة تم إستبدالها
    وبنيت البيوت الآن على التراث الحديث ...لم تعد روائح الشوارع ..ولا رائحة الأمطار
    ولا رائحة دخان الخبيز ..ولا الراديو الترانزستور ذو البطاريات( فاكتوريا)
    أصبحت جميعها مجرد ذكريات .. ولم يبقى منهم إلا
    دعاء الجدات أمام الأبواب كل صباح وكل مساء
    والكثير الكثير من الذكريات التي كنت أدونها
    بمداد شغفي بجدار عقلي وان اقبض على دهشة التفرس والتلهف
    أبطالك جنودك يا وطن وجيشك بيكتب ليك أجمل تاريخ:
    يبنى ويعمر فيك وحامى الحمى والعرض والدين..
    وأنام بين أولادي..في أحضاني مطمئنين... استرجع معهم كل تلك الذكريات جمال تلك الأيام وأفراحها: وزخمها وجنودها
    أبطال مصر المنتصرين في كل العصور ....
    والكثير من وهج ذكريات الطفولة وشقوتها ولهوها البريء
    ........................
    جمعه عبد المنعم يونس
    6 أكتوبر 2001
    ملحوظة مهمة (1) كل ما بين القوسين أغاني ..و الأغاني التي ذكرتها بالقصة للمجموعة ولوردة وشريفة فاضل وعبد الحليم حافظ و محمد عبد الوهاب ... هي ملك مؤلفيها ....اقتبست منها ما يضيف الإمتاع لجمال تلك الأيام وفرحة النصر ليعلم الأجيال الجديدة كم تحمل أجدادهم وأباءهم من أجل هذا الوطن المنتصر ..
    9
    الكراكة(1)
    قصة قصيرة ........………
    أخطو الهوينا ..أبحث عن ملاذ.. أخطو ببطء شديد..أبحث في عيون المارة عن سبب سعادتهم ..كل الملاذات أمامي مغلقة ..إشتريت دروب الأحزان والمتاعب ..أحملها فوق كتفي ..وأخطو .. تكبلني أبتلع مرارة اليأس وأخطو..أشاهد بكائي دمعا مسكوبا ًفوق الطرقات ..لا أحد يشعر بك ..لا أحد يحاول أن يخفف عنك أحمالك ..أو حتى يمسح دمعة عن عينيك ..المهم أنه ما زالت قامتك مرفوعة ..وكرامتك عالية ..تلوكك الهموم الأحزان .أو تلوكهما ..الأهم أنك مازلت صامد ……..
    طرقت أبواب بعض من أصدقائي فلم أجدهم ..أو ربما نكروا وجودهم ..ينقطع حبل الأفكار ..ويتدلى أمامي ..تعبث به الرياح ..كما تعبث الوساوس والظنون برأسي ..أقف حائرا مشدوها إلي أين أمضي الليل طويل وأنا في أوله والوحدة قاتلة والضجر واليأس يعملان الآن بكل قوة ..سأصير مجنونا ًعما قريب .أخطو دون أن أعرف الى أين تأخذني أقدامي ..صراخ صبية يتضاحكون وهم يهرولون ..ويهتفون مش هتيجي ..أتفادى حجراَ كاد أن يشج رأسي
    وسيد العبيط يهرول وهو يتهته بكلمات غير مفهومة …هههههتيجى يييياوووولاد اللللكككلللب
    ماذا بك ياسيد ..؟
    العييييييياااااااااال ..!
    أببببعدهم عععععني ..!!
    كدت أن تقتلني ..
    ليتها كانت القاضية يا سيد وأرحتني … دعك منهم ..!!
    لا تهتم بهم وأمضي في طريقك ..ولا تلتفت إليهم .. تأتي الكراكة.. أو لا تأتي ..لا تهتم …!!
    هههههههات ربع جنيييييه
    حاضر..
    عاااااايز أررررروح..!!
    هلم معي نتسول سويا ..!!
    سيد يمشي أمامي بيده عصاه طويلة ..يهش بها الكلاب فتعوى علينا ترى..!!
    ماذا يدور في عقلك الآن يا سيد …؟
    ألا تعرف القلق أو الضجر أو الخوف ..!!
    كثيراَ ًما كنت أراك في أوقات قاتلة بالمقابر ..تسقى الصبار والأشجار وحدك لا أنيس لك سوى الصمت والسكون..والثعابين والحيات الكبيرة .. ونعيق البوم الذي يسكن الأشجار العالية يشق الصمت على فترات .!!
    ليتني كنت مثلك

    10
    كل همك الآن أن تتناول عشائك وتنام ..
    النعاس يأتي إليك سريعا ً …
    وأنا القلق يفتك بي .. يقتلني حتى أنام ..
    عند أول دكان..
    أنتظر يا سيد .
    أشتري علبة سجاير ب 90 قرشا..!!
    و رغفين فينو وجبنة بيضاء ب 25 قرشا لسيد ..
    أخذهم مني وهو فرحاَ
    رببببنا يييييييسترها ممممممعاك ..
    الله
    ما أجمل هذا الدعاء الجميل بثمن بخس..
    مشينا سويا ً ..
    أنا سارح في كيف لهذا الإنسان البسيط أن يزيح كل هذه الهموم والآحزان عني…ويلهمني هذا الإلهام الرائع للعودة إلي عادتي القديمة وأكتب ..وأتخلص من عبء الليل الطويل ..
    أنتبه إلي .. سيد ..وهو يتهته ..!!
    لا أفهم معظم كلامه ..
    دخل سيد إلي بيته فرحا ًسعيدا ً .. بعد أن أعطيته ربع جنية
    وعدت أنا إلي بيتي وأنا أستحضر كل هذا الثراء الباذخ من الجمال الإنساني البكر الذي لم تلوثه أي هموم أو أحزان ..أو أطماع وأحقاد ..وأكاذيب وخداع ..
    وكذلك الراحة النفسية التي أعطاني أياها سيد دون أن يقصد .. وأنا أحصي ما يتبقي في جيبي .
    لم أجد سوى 75 قرشا ً ..!!..
    أحتفظت بهما لما يأتي به المساء
    من جوع شديد
    .......تمت .........
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
    مصر العربية من أوراقي القديمة المؤرخة عام 1990
    إشارات (1) الكراكة ..معدة ضخمة تسير على جنزير تقوم بحفر
    الترع والمصارف ..وسيد يتتبعها دائما أينما تذهب



    11





    كلنا جنود
    ............. قصة قصيرة
    كل مدينة أسافر إليها أحبها وأجد فيها ملاذي تصير جزا ً من ذكرياتي ..الحروب شريرة تقتل دون رحمة ..تذهل عقولنا ويمزقنا الفراق والأحزان ..تبكي أعيننا ونحن نودع شهدائنا كل ساعة ..وترى إنكسارا ً في النفوس والقلوب المشبعة بالجروح والأحزان ...كان لزاما على ّ أن أذهب إلي بغداد كي أقدم واجب العزاء في والد صديق لي.. والأوطان لها رجالها الذين يكونون وقودا لتلك الحروب التي تفرض عليها ..والحرب ليس فيها منتصرا ً ..المهم أن الوطن يظل صامدا أمام من يريدون النيل منه أي كانت الخسائر ..والحروب دائما تأكل الورود ..يوم شديد الحرارة من شهر آب كما هو المعتاد من كل عام ...صعدت إلى الباص من مدينة كربلاء متوجها إلي مدينة بغداد..قبل أن يتحرك الباص سمعت صوت السائق يصرخ ..
    لا توجد أماكن سيدي..
    قال له لا عليك سأقف ..
    صعد رجل عسكري لم أكن أتبين رؤية رتبته العسكرية ..
    عندما أقترب مني ..
    خلع عن رأسه الكاب العسكري ..
    أستند على أحد الكراسي.كان برتبة رائد أو كما إعتقدت أنا ..
    بينما أنا أجلس على الكرسي أتململ شفقة عليه بعد مرور أقل من عشرة دقائق نهضت من مكاني ..
    ذهبت إليه ..
    تفضل سيدي أجلس مكاني
    نهرني قائلا ًلا لا لا ..
    أنا إرتضيت على نفسي ذلك ..
    قلت إذا سنقف سويا ..!
    وأنا ابتسم له وأترجاه أن يجلس مكاني ...
    أنا شاب وأستطيع أن أتحمل ..
    ولا يصح أن أجلس وأنت واقف ..هكذا تعلمت أن أقف للكبير ولا أجلس إلا إذا جلس الكبير ..فأرجوك
    ذهب على مضض وجلس مكاني وهو ينظر لي سعيدا ً مبتسما ً
    جميل أن ترسم السعادة على وجوه من تقابلهم سواء تعرفهم أو لا تعرفهم
    وقفت أنا سعيدا ًفي منتصف الباص
    أخذت أتطلع إلي الأماكن من زجاج الباص
    والحر قاتل
    نهرني الذي أقف بجانبه .!
    12
    لماذا وقفت له .؟
    أبتعدت قليلا ًعنه ولم أرد.. بينما هو ينظر لي بوجه عابس
    قاربنا من بغداد الأن
    دخل الباص الجراج العمومي في منطقة العلاوي
    توقف الباص وسط أمواج من الجنود العائدين من الجبهة بعد قرار وقف إطلاق النار
    8 أغسطس 1988
    الحقائب تلقى علينا من النوافذ
    وجنود يتسلقون الباص من النوافذ..أصبح التنفس مستحيلا ..لا أحد يستطيع النزول
    سمعت صوت صراخ رضيع (1)
    وأمه تصرخ خائفة على رضيعها .هي أمامي برجلين ..تسللت حتى وصلت إليها .أخذت رضيعها ..ورفعته إلي أعلى حتى يتمكن من التنفس وسط الزحام الشديد والصراخ داخل وخارج الباص
    جعلت السيدة خلف مني .وأمرتها أن تمسك جيدا ًبقميصي ولا تتركه أبدا ً
    رويدا ًرويدا وبشق الأنفس ًوصلنا إلى الباب
    يا هول ما نرى أمواج كثيرة من الجنود ..كيف نعبر كل هذا البحر المتلاطم
    الرضبع يصرخ وأمه تبكي
    وأنا غارق بالعرق والفكر
    نزلت إلي الأرض
    جعلت الرضيع أعلى كتفي الأيسر يصرخ
    وبالذراع الأيمن أشق ممرا ً كي تعبر منه ً
    بعد جهد بالغ أخيرا ًخرجنا من هذا البحر المتلاطم
    وقفنا في مكان هادىء قليلا . نلتقط أنفاسنا .
    جائنا شابان يتحرشان بي
    أش عندك وياها
    صاحت السيدة فيهم أنت أيش عليك
    وفوجئنا برجل يضرب الشابين بالحزام العسكري حتى أوسعهم ضربا ً وفروا من أمامه
    جاءنا مستطلعا ًكيف حالكما الآن ؟
    سيدي الضباط
    إي نعم
    نحن بخير يا سيدي
    وكيف أنت ؟
    أنا كنت خلف السيدة مباشرة كي أحميها
    بعدما رأيتك تحاول أن تنقذها هي ورضيعها بمفردك
    13
    جئت خلفكما ..
    عدل من زيه العسكري ووقف على بعد خطوة مننا ووضع الكاب العسكري فوق رأسه
    وأعطاني التحية العسكرية
    قائلا ً لي
    لقد صنعت عملا ًبطوليا اليوم شكرا لك .
    بينما أنا أؤدي له التحية العسكرية
    أردد....
    كلنا جنود يافندم
    ....................تمت .....................
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
    جمهورية مصر العربية
    أشارات
    (1) إلي ذلك الرضيع الذي تجاور الآن عمره ثلاثون عاما ..ربما قد يكون الآن بساحة التحرير أو بأي موقع يدافع الآن عن تراب العراق الغالي


    14

    سوف تشرق الشمس ….قصة قصيرة
    ....................
    كانت أفكاري تنثال في هذا الصباح المشرق .وأنا أبتلع مرارة اليأس والقنوط.والشمس تتصل على غير العادة ..تمنحي دفء جميل . وعاصفة جياشة بداخلي تدعوني بقسوة إلي البكاء والنحيب . سرحت بخيالي قليلا ً في أحلام ليلي الحالك ..لا أدري إن كانت أحلام أم كوابيس .. ! تلك الطفلة التي تطاردني ببكائها وصراخها المرير ..والذكريات كلها تمر أمام عيني بينما أنا أشم رائحة الحرائق والدم والبارود. ..
    أنتبهت إلي صديقي يجلس بجانبي ..ويداه تربت على كتفي ..!
    يسألني .؟
    لماذا البكاء يا صديقي .؟
    لم أجب .!
    فقط أشعلت لفافة تبغ أنفث فيها هومي و.. ومنحته أخُرى
    جلس صامتا ً ينفث لفافته .
    بينما أنا أتأمل هذا الحلم الذي يؤرقني كل ليلية . ويثقل كاهلي ..
    سوف تصيبني تلك العاصفة (1) بالجنون عما قريب .!
    هذه الطفلة المعذبة بالحرمان والجوع .!
    تعاتبني والدموع تملأ عينيها الجميلة .. تنهمر علىّ كالرصاص يخترق عقلي وذاكرتي يقتلني .!
    أسألها ..؟
    لا تخاطبني .!
    فقط تبكي .!
    تصرخ.!
    لماذا البكاء يا بيداء .؟(1)
    إشفقي علىّ
    فأنا معذب ومحروم مثلك .!
    أريد أن أرى إبتسامتك العريضة تملأ وجه الشمس .!
    كما كنت أراكِ من قبل .
    وأنت ذاهبة مع زميلاتك إلى المدرسة الواقعة على ترعة الحسينية(2) ..وجدائلك التي صنعتها لك أمك بمهارة عالية ..تتدلى فوق أكتافك الغضة . وعيونك الجميلة تحمل البشرى والسعادة والأمل .
    تهرولين إلي فاردةّ زراعيك ..وحقيبتك المعلقة على أكتافك الغضة وراء ظهرك .تحملين بداخلها كتب التاريخ ..تتحدث عن وطنك العربي المعذب بالمرارة والأحتلال ..وبعض انتصارات قديمة لازلنا نتغي بها !
    تحملك يداي إلي أعلى وأخضب وجهك بالقبلات وزميلاتك يلتفون حولي ..تهمسون بصوتكم العذب الرقيق الذي أحبه
    أيش لونك عمو..
    أوزع عليكم البسكويت والشكولاتة بالتساوي كما وزعت عليكم القبلات ..كعادتي دائما معكم كل صباح
    تذهبون فرحين مستبشرين بالغد الأتي .وأنا انظر إليكم وأنتم تعبرون الطريق المؤدى إلى المدرسة .. وتحول بيني وبينكم غابة كثيفة من النخيل العالية
    هل مازالت قائمة حتى الآن أم دمرها البرابرة .؟
    لا تبكي يا بيداء
    تجلدي واصبري وصابري
    كالخنساء وأسماء
    ولسوف تدور عجلة الأيام دورتها . وتشرق شمس صلاح الدين من جديد تظللك وتعيد إليك اخضرارك
    15
    وتواري الجبناء والبرابرة خلف كهوف التاريخ

    ..................... تمت .....................................
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس
    مصر العربية
    من أوراقي القديمة المؤرخة فى فبراير 1991..أبان الهجوم البربري الذي قادته أمريكا الملعونة والإمبريالية والصهيونية العالمية لتدمير وطننا العربي في العراق الشقيق ...
    .......................
    أشارات ..(1) عاصفة الصحراء التي قادتها أمريكا وأكثر من اثنين وأربعين دولة ضد العراق
    (2) ترعة الحسينية تقع أول مدينة كربلاء بالعراق





    16

    صهيل الأمسيات .

    ................... قصة قصيرة جدا ً...
    كانت تجمعنا اللقاءات .. والأمسيات الجميلة..كل ليلة .يختلف طعم السهرات من حيث تناول الموضوعات المطروحة.. أو من حيث الأصدقاء ....
    سأل أحد الأصدقاء..
    كيف تعرف إن المرأة راغبة في ......؟
    سؤال بليد مثلك.
    كن مهذبا ..
    نحن نجلس في قارعة الطريق .
    رد يافيلسوف ..
    أنا بيني وبين السؤال دائما كراهية قديمة .!
    صمت ..وضحكات خافتة ... ومارة..وأطفال يلعبون الكرة ..
    بينما أعمدة الكهرباء تخبئى بداخلها أسرار الشوارع... وصهيل الأمسيات والذكريات..
    جائنا الرد سريعا من أحد المارة .أسترق السمع لتحاورنا ... تكحل ..وتت..... وتمشي تت.....
    بل من المدهش إنه قام بتمثيل رده البليغ أمامنا . .
    .مما أصابنا بنوبة كبيرة جدا ً من صهيل الضحكات ..
    لم نتوقف إلا بعد أن صدمنا بإشارة بذيئة من إحدى أصابعه ......ومضى ....
    .................... تمت ................
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
    1 / يونيو / 2005
    مصر العربية
    أشارة
    إلي كل الأصدقاء اللذين عايشوا معي تلك الأمسيات منهم من رحل.. ومنهم من ينتظر.... و يتذكرون تلك الأمسيات
    جمعه عبد المنعم يونس


    17
    ضجر
    .......... قصة قصيرة جدا ً
    آخر الليل وحيدا ًفريد ا ً..أطارد الضجر ويطاردني ...في سكون الليل الفظيع .كأني أطارد الأشباح ..حتى سئمت منه ....أبحث عن وسيلة للخلاص ...أرفع صوت المذياع عاليا ... أراه يتخبط أمامي ..أسمع جلبة وضجيج يملآ البيت . أفتح له الباب فيخرج فارا ًهاربا ً.. ينسحب منى الضجر رويدا ً رويداًً...فتهدأ نفسي قليلا ً وترتاح على صوت موسيقى حالمة ...ديوان نزار بيدي أتصفحة وأنا متكىء على أريكتي ..وتبدأ الخيالات تعمل على وقع نظم الأبيات والموسيقى ..تهدأ نفسي تماما ً. وتبدأ الأحلام عملها ....أبتسم بسخرية وأنا أنظر إليه مصوبا ًعلى حديد الشباك والكلاب تطارده ..
    ..........تمت ..................
    بقلم / جمعه عبد المنعم يونس //
    مصر العربية
    5 يوليو 2003


    18

    رحمة السماء
    .....................قصة قصيرة
    بقلم //جمعه عبد المنعم يونس //
    .......... مصر العربية
    سلطان الوجع المر يغذوني ...كانت كلما تأتيني نوبات المغص الكلوي ...كنت أتضور ألماً ووجعاً ً ..مرارة في الحلق وتقشف في الشفايف
    من كثرة الأبر الذي ضربها الطبيب في محلول الملح ...ذئاب تأكل مني الكلى والجسد ..أغلق على نفسي الأبواب والشبابيك ..أفترش الأرض أتلوى ..وسط صراخات خفيفة حتى لا يسمعني أحداً ً.!!
    لاأحب أن يراني أحداً ًعلى هذه الحالة
    خيوط اليأس بدأت تتملك مني بعد ثلاثة أيام متتالية على هذا المنوال
    وأصبح الكوكتيل (1)
    لا يفيد رغم تكراره على مدار ثلاث أيام
    أنهض من على الأرض..وأنا أمد يدي إلي كرامتي التي إفترشت البلاط...أخذ بيدها وأجلسها على الكرسي
    والأمل في الشفاء أصبح بعيدا ً جداً
    أجلس فوق السرير وأتكىْ على وسادتي قليلاً.
    .ثم أنهض الملم خيوط الأمل حولي
    وأنا أنظر إلي الشباك الموصود أنتظر أن يقتحم النوم شباكي بعد أن فر مني منذ ثلاثة أيام متتالية .
    وصار يتسكع مع الكلاب في الطرقات
    هذا كتيييير .
    أتمدد مرة أخرى بيأس
    عله يأتي الآن ..!!
    يأتيني صوت المذياع
    وصوت أبو العنين شعيشع (2)يصدح
    (.كهيعص [1 ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [2] إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [33] قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [4](3)
    وأنا أردد معه الدعاء بقلب خاشع بعيون دامعة
    أنظر بعين واهية متكسرة إلي سقف الحجرة .
    لعل الملك يهده الآن فوقي ويأخذ أمانته ويطير..
    19

    ليته يأتيني الآن ..!!
    كي أستريح
    الموت أجلن] إلي ميعاد ..!!
    والنوم جاء متلصصا ًبعد طاردته كلاب الشوارع دون أن أدري به
    أستيقظت صباحا ًعلى صوت الديكة وتغريد الحمائم تسبح الرحمن الرحيم
    وأنا محتبسا ًبالبول
    قفزت مسرعا إلي الحمام
    لم تعطيني المثانة
    فرصة التحكم للوصول ..!!
    أنطلق البول مندفعاً ًحارقاً كالسهم الذي أنطلق من قوسه فأخترق الجسد من الخلف يمرق في جسدي .. ثم نفذ من الأمام..وأنا أصرخ وأتشبث بكلتى يداي بالباب لكي لا أسقط . وأثتغيث
    بالرحمن
    بعدها انطلقت الحصاة كالرصاصة المنطلقة من ماسورة الرشاش تضرب البلاط
    وصار البول يتدفق محملا ً بالدماء ورائحتة القلوية خانقة ..
    والعرق الغزير يتصبب مني .وهنت أقدامي ..!!
    فلم تعد تستطيع التحمل ...فأنهرت على الأرض ..!!
    وسط صراخي العالي..!!
    ..أصيح
    كم أنت رحيم بنا
    يارب السماء
    ........................تمت .................................
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
    مصر العربية
    15 مايو 2005
    ...............(1) الكوكتيل ..هو خليط عدد من الحقن يضرب في محلول
    ..........ملح ويسمى جلكوز ثم يأخذ بالوريد عن طريق التنقيط عبر.انوب رفيع بنهايته إبرة حقن يأخذ بمعرفة الطبيب المختص..
    (2) الشيخ الجليل أبو العنين شعشيع من جيل الرواد الكبار للقراء للقرآن الكريم ..وأشهره
    20


    ولادة متعثرة ******************* قصة قصيرة
    الصمت والسكون سمة غالبة على الحي أثناء الليل لا يقطع السكون إلا نباح الكلاب ..واعدتها وأنا أنتظر أن تفي بوعدها . أنتظر أقتل في الوقت ..وأترقب بشغف بالغ خطى أقدامها في الشارع ...لقد تركت الباب مفتوحا ً ...حتى لا تطرقه .. ويسمع طرقاتها أحد من الجيران .. قد قام لقضاء حاجة ...هاهي سيجارتي تنطفىء بين أصابع يدي للمرة الثانية ..من التوتر والقلق ..قد تأتي أو لا تأتى ...ربما خافت أو منعها مانع صعب الفكاك منه ...وأنا أكاد أجن ..ستأتي ....لن تأتي ..ستأتي ...والسهر والسهاد كاد أن يفتك بعقلي ...مر الوقت كأنه جبل كاتم على صدري.. وأنا أترقب وأنتظر ... سمعت صوت خطوات في الشارع لعلها هي ...مضت الخطوات بعيداً ً عن بابي .هل ضلت طريقها . سمعت طرقا على أحد الأبواب ...وصوت
    أم سعيد ينادى ..
    ياأم أسماعين
    يا أم أسماعين
    مين إللي بيخبط
    أنا أم سعيد
    خير
    قومي عشان مرات سعيد هتولد حاضر آني جايه آه
    يا أبن الكلب يا سعيد
    يعنى لازم مراتك تولد الليل دي
    أغلقت الباب بهدوء...
    الشارع بدأت تدب فيه الحياة ..
    أطفئت الأنوار ...ودلفت إلي الفراش
    نام يا أبن الكلب
    كان زمانك إتفضحت في الحي
    والنساء صباحا يسنون ألسنتهم الطويلة على المصاطب
    الأسمنية ..يلكون في سيرتك .. وسيرة كل من كان ل أهلك
    نام ...نام يا أبن الكلب
    ***********
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس//
    مصر العربية
    في 14 / 6 /1994
    21
    قرين
    قصة قصيرة
    بقلم // جمعه يونس //
    ...........
    أعود متأخرا ً إلي البيت ...أخطو في الطرقات وحدي في تكاسل وملل .. أحس أن أحدا ً ما يترصدني ... أسمع حفبف صوت أقدامه خلفي
    ألتفت لا أجد أحدا ً......
    أسمع صوتا ًما يلقى على التحية ...أرد التحية دون أن أعرف مصدرها
    لا أحد في الطرقات ...والكلاب نائمة ..
    ماذا يحدث لي ..؟
    أدلف إلى البيت ..أصطدم بالصمت والسكون ..
    أعيش وحيدا فريدا
    الأشياء المهمة تختفي مني دائما ً
    علبة السجاير
    الكبريت
    القلم
    النظارة
    أضعهم دائما ً في مكانهم المعتاد
    وأجدهم في أماكن أخرى
    أنزع ملابسي ..وأرتدي ملابس النوم
    أجلس على الطاولة
    عليها الأوراق
    وأكثر من مائة كتاب ومجلة
    أشعر أنني لمحت خيالا ً مر عند باب الغرفة..!!
    أنهض أستطلع الأمر ..لاشىء البتة
    أضع سخان الشاي فوق الموقد ..وأنا أغنى وأدندن بأغنية
    فنجان شاي وسجارتين ما بين العصر والمغرب
    كي أقضى على الخوف الذي بدء يسرى في أوصالي
    عدت إلي الطاولة
    لم أجد علبة السجاير
    كانت موجودة حالا ً
    أخذت في القهقهة بصورة جنونية
    ثم خرص صوتي خوفا ً من أن يكون أحد ا يمر بالشارع يتهمني بالجنون
    نهضت أحضرت سيجارة من مكان ما خبأتها به
    وأنا أضحك بجنون
    وأصفق بيدي وأرقص وأنا أردد بصوت عالي والسيجارة في فمي
    ضحكت عليهم
    ضحكت عليهم
    بينما أنا أبحث عن الكبريت فلم أجده
    صرخت بأعلى صوتي
    وأنا أسقط فوق السرير مغشيا ًعلى ّ
    آة ياولاد الكلب
    ...................
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
    مصر العربية
    في 10 أغسطس 1999

    22
    رحيل
    ................ قصة قصيرة
    لا تدوسيه أيتها الحياة ..إنه الإنسان..!!
    إذا رأيتم جزءا ً من فتات حطامي ملقى على قارعة الطريق فألقوا عليه السلام... ولا تدوسوا عليه بأقدامكم إنه كان يوما ً يمشي بينكم يحبكم وكان إنسان....هل يبكيني الرصيف ...أم تبكيني أعينكم ...ضع ورقة من جريدتك على حطامي..وأمضى وأحتفظ بدموعك كي ترى الطريق ...هل تحميك أوراق الجرائد من وهج الشمس !!...أم تحجب عنك رؤية الرصيف والمصابيح والأشجار التي كنت تستظل بها يوما ً.. بالقرب من هذه الشجرة التي على يمين الشارع ..كنت أشترى الجرائد من هذا الكشك الذي على الناصية يمين أول شارع الحسيني ... أقف أتأبط بعض الدوريات الأدبية ...هل يستدل أحدا ً في هذه المدينة الصاخبة على حطامي... ها أنت راقد تحت ورق الجرائد . والناس التي كانت تملأ الطريق صخبا يلتفون حولك ...للتأكد فقط إنك غريبا ً ...وأنت ملقى هناك ..وحدك لا أحدا ً يعرفك الآن ...مازال صوت عجلات السيارات يسبب لك ضجيج فظيع ...وصورة ملطخة باهتة منشورة في ورقة الجريدة التي على وجهك ..تراها بصعوبة بالغة..إنها صورتك..تحتها إعلان بخط غير واضح ..من يتعرف عليه يرجى الاتصال بالرقم (.............0) لاستلام حطامه ...فتشهق شهقتك الأخيرة .. وتبدأ البرودة تنتشر في أطرافك ..عينيك مازالت مفتوحة تتطلع إلي صورتك الباهتة وإذنيك مازالت تلتقط صخب وضجيج السيارات ..كم كنت أتمنى أن يرفع أحدا ً الجريدة من على وجهي كي أرى الحياة لآخر مرة . أودعها وألقي عليها وعلى ذكريات الأمس القريب والأماكن نظرة الوداع الأخيرة أو أن روحي تستنهضني من جديد ....قبل أن يشملني الظلام الكثيف ويحتضنني الصمت و الفراغ ...وسيارة الإسعاف التي تنقلني إلى قريتي الملاقاة بعيدا ً..مسقط رأسي ..لا أدري أو مسقط قبري الذي لن يزورني فيه أحدا ً
    ...............ً... تمت .......
    بقلم جمعه عبد المنعم يونس
    10 أغسطس 2000
    مصر العربية

    23
    سنوات الصبا
    ................. قصة قصيرة جدا ً
    في سنوات الصبا ..عود الثقاب المشتعل ..أحرق أناملي بينما أنا أنظر
    مشدوها إلي سعاد حسنى وهي تتقافز مرحا ً
    بأنوثتها الفائرة ..إنتبهت إلي صوت أبي يصرخ هتحرقنا يا غبي ..
    ألقيت علبة الثقاب وهربت من أمامه خجلا وأنا منتعظا ً
    ........تمت .....
    بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
    فى 5 يوليو 1991
    مصر العربية


    24
    رائحة الموت
    …………………………… بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
    ……………………………………… مصر العربية
    أنهم يطرقون علىَ الباب …يبدو أن قفل الباب لا يساعدهم في الفتح …هيكلي العظمى يرقد الآن بلا ستر بجانب الحائط في ذلك القبر الضيق …لا أدري كم مر على هنا …يبدو أنه منذ زمن بعيد …عظامي المتآكلة تقول ذلك ..أنهم يطرقون الآن بكل قوة فوق القفل ..يبدو أنه أكله الصدأ وعوامل الزمن … مهلاً أيها الأوغاد ..!! إنكم صرعتم كل سكان القبور …أنا أسمعهم الآن أنهم يتملّمّن ويتزمزن من ضجيجكم …
    أخيراَ توقف الطرق الشديد وفتح الباب الحديدي الضيق ..ودخل الهواء والضوء إلي القبر لأول مرة منذ زمن بعيدا ً..خرجت رائحة الموت تتجول الآن في الهواء الطلق …عظامي بدأت تتفكك نتيجة الهواء الجديد ..أسمع طقطقتها وأحسها ..بعد قليل دخل رجل القبر ..تلاه الثاني ..وهم يتلون بعض آيات الذكر الحكيم ..بعدها بدءوا يهمهمون ويتهامسون ..يبدوا أن هناك وافداَ جديداَ سيأتي بعد قليل ..أعدوا له مكان بجواري ..فرشوا فيه رمل جاءهم من الخارج . يبدو أن هناك أحدا ًيساعدهم أستأنس بهم قليلا …ثم خرجوا ينتظرون الوافد الجديد..!!
    عظامي بدأت تشعر بالبرد ..فغفوت ..!!
    أستيقظ على صوت دبيب أرجل كثيرة وهمهمة عالية ..يبدوا أن الوافد قد أتى .نزل ألي القبر ستة رجال واحد تلو الآخر .. زحام شديد حول الباب الضيق قطع الهواء والنور عني
    لم أعد أرى شيئا ..يبدوا أنهم أنزلوا رفيقي الآن ..أنهم يفهمون بعضهم بعضا بنظرات الأعين ..أرقدوه بجواري ..فكوا عنه..
    سوف أعرف بعد قيل من هو ..!!
    كل ذلك وأنا أحاول أن أتجنب بعيدا عن أقدامهم ..أخذت أقصى مكان بجانب الحائط ..حتى لا يدوس أحداَ منهم على عظامي المتهالكة في غفلة منه دون أن يدري
    خرجوا واحداَ تلو الآخر ..أغلق الباب الصدأ بشدة
    حل الظلام مرة أخرى.. همست بأذنه
    مرحبا بك هنا ..!!
    حيث الظلام والتراب ..!!
    ورائحة الموت..!!
    ………………
    بقلم// جمعه عبد المنعم يونس //
    مصر العربية
    في 4 يوليو 1998

    25

    بطاقة الكتاب
    -----------------------------------------------------------------------
    عنوان المؤَلَّف : أم العوامر
    المؤلِّف : الكاتب/ جمعة عبد المنعم يونس
    التصنيف : مجموعة قصصية
    رقم الإيداع :
    عدد الصفحات : نشر بمنتدى جمعية إبداع الثقافية
    رقم الإصدار الداخلى : 369/ 2020
    تاريخ الإصدار الداخلى : 11 / 2020 الطبعة الأولى
    -------------------------------------------------------------
    جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للكاتب، ولا يحق لأى دار نشر طبع ونشر وتوزيع الكتاب الا بموافـقة كتابية وموثـقة من الشاعـــر


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 6:09 pm